مهرجان «كناوة وموسيقى العالم» يقام تحت شعار «العودة إلى الجذور»

في الصويرة المغربية بنكهة أفريقية ومشاركة 280 فنانا من جميع أنحاء العالم

أحد مغني «كناوة» يؤدي وصلته أمام حشد من الجمهور («الشرق الأوسط»)
TT

ينظم مهرجان «كناوة وموسيقى العالم»، في دورته الرابعة عشرة، خلال الفترة من 23 إلى 26 يونيو (حزيران) الحالي. ويتوقع المنظمون أن يحضر فعاليات دورة هذه السنة أزيد من نصف مليون متفرج، حيث ستنظم 34 حفلة موسيقية وغنائية بمشاركة 280 فنانا من مختلف أنحاء العالم.

وكان المهرجان، الذي ينظم في مدينة الصويرة (جنوب الدار البيضاء) انطلق عام 1998 بمنصة وحيدة وحضور جماهيري لم يتعد 20 ألفا، قبل أن يتطور ليصل عدد منصاته، خلال الدورة الماضية، إلى 8 منصات.

واختار المنظمون، خلال دورة هذه السنة، شعار «العودة إلى الجذور»، حيث ستضع الدورة أفريقيا في قلب برنامجها الموسيقي، في حضور فنانين موهوبين لتكريم أفريقيا في صورتها المثلى. كما ستتمايل الصويرة على إيقاعات موسيقى الجاز، فيما ستتعانق موسيقى «كناوة» مع موسيقى «هايتي»، وهما ثقافتان بروح واحدة، تعتبر الغناء والرقص والإيقاع والنقر ضروريا للحياة، حتى يتمكن محبوها من الوصول إلى النشوة الروحية.

وكما هي العادة، ستعرف دورة هذه السنة تنظيم موكب للافتتاح، تشارك فيه فرق «كناوة» و«حمادشة» و«عيساوة»، إضافة إلى فرق أخرى تمثل مختلف جهات المغرب، فيما ستختتم الدورة بحفل جماعي لجميع «المعلمين» (اسم يطلق على رؤساء فرق «كناوة») المشاركين في مختلف السهرات. كما ستعرف هذه الدورة إقامة «شجرة الكلمات»، الخاصة بالتعريف بالتقاليد «الكناوية»، وإبراز المواهب الجديدة في هذه الموسيقى، ضمن سياسة المهرجان، التي يقول منظموه إنها تسعى إلى إبراز مواهب جديدة في هذا الفن المغربي الأفريقي الأصيل.

وقالت نائلة التازي، رئيسة المهرجان، في تقديمها لدورة هذه السنة، إن «المهرجان نشأ عن شعور ملح بالحاجة إلى الحفاظ على ثقافة عريقة وإبراز قيمة مدينة ساحرة، وذلك بفضل إرادة بعض المولعين، ولذلك يعكف فريقنا كل سنة على إعداد مهرجان (كناوة وموسيقى العالم)، مع الحرص على صيانة طابعه الأصيل، إنه مهرجان ليس كباقي المهرجانات، مهرجان طلائعي وبسيط في ذات الوقت، ومنفتح على المستجدات، أي، بإيجاز، مهرجان مضياف».

هكذا، للسنة الرابعة عشرة، على التوالي، وفي نفس التوقيت، سيغير أهل الصويرة، عادة التوجه، مساء، نحو شاطئ المدينة ليتأملوا زرقة البحر ومشهد غروب الشمس، فيما أبصارهم تحدق في ظلمات المحيط، كما لو أنهم يستعيدون حكاية السلطان سيدي محمد بن عبد الله، الذي رسم مدينتهم، قبل أكثر من ثلاثة قرون، متجهة نحو البحر والغرب، لكن بأسوار وأبواب متجذرة في يابسة المغرب وتربة أفريقيا، ليختلطوا بزوار المدينة وجمهور مهرجان «كناوة وموسيقى العالم»، متقاسمين معهم لحظات الاستمتاع بموسيقى أصيلة وروحانية، تذكر بالعمق الأفريقي للمدينة والبلد.

ولعل ما يميز مهرجان الصويرة أن موسيقى «كناوة» ليست مجرد موسيقى عادية، من جهة أنها تتميز بإيقاعات قوية، محملة بثقل الأساطير والمعتقدات الموغلة في القدم، ومشحونة بالإرث الحضاري الأفريقي والأمازيغي والعربي، تناجي الأرواح الخفية وتغازلها، وتتوسل بالإيقاعات والألوان، وخاصة اللونين الأحمر والأزرق، وإحراق البخور، وكل الوسائط الخفية الأخرى، كما تتوسل بآلات خاصة، مثل «الكنبري» أو «السنتير» (آلة وترية من ثلاثة حبال)، و«الكنكة» (الطبل)، ثم «القراقش» (صنوج حديدية).

وكانت علاقة الصويرة بموسيقى «كناوة»، التي تعود إلى أصول أفريقية، قد انطلقت منذ القرن الـ17، مع تحول المدينة إلى مركز تجاري مهم ونقطة تبادل تجاري مع «تمبكوتو» في مالي، ولذلك تتباين الآراء بخصوص أصل تسمية «كناوة»، فهناك من يجعلها تحريفا لغينيا، وهناك من يجد لها أصولا أمازيغية، من خلال كلمة «أكال إكناون»، وتعني الشخص الغريب الذي لا يفهم كلامه، أو من يربطها بمعان ترتبط بمفردة «قن» كتعريف ومرادف لكلمة «عبد».

وإذا كانت الصويرة قد عرفت في الماضي عبر ما يؤرخ لها ولمراحل تشكلها، فإنها صارت تعرف، في الحاضر، بمهرجاناتها العديدة، وخصوصا مهرجان «كناوة وموسيقى العالم»، الذي صار يستقطب، خلال السنوات الأخيرة، ما يقرب من نصف مليون زائر.

ومن المعروف أن مهرجان الصويرة، الذي تكرس كموعد سنوي، ببعد عالمي، قد انطلق كخيار فني يهدف إلى تطوير «مدينة الرياح» (اللقب الذي تعرف به الصويرة) عبر الثقافة. ومن بين الرجال والنساء، الذين دفعوا بالفكرة، كان هناك أندري أزولاي مستشار العاهل المغربي الملك محمد السادس وابن المدينة، الذي يبدو مرتاحا للعمل الذي تم منذ أولى دورات التظاهرة، والذي نجده يشدد، اليوم، على أن الأساسي، في العمل الذي يتم القيام به، على مستوى مهرجان «كناوة وموسيقى العالم»، هو ألا يرتبط الجهد بشخص واحد.

يقول أزولاي «مهرجان (كناوة وموسيقى العالم) ليس المهرجان الوحيد الذي ينظم بالصويرة، لكنه الأهم من حيث صيته وجمهوره»، لأنه «لا يقوم على الموسيقى، فقط، بل على القيم، أيضا: قيم التشارك والانفتاح والحداثة»، مشددا على أن «الصويرة قد تحولت، مع توالي دورات المهرجان، إلى عنوان للمغرب المنفتح الذي يتقدم من دون عقد، المغرب المتجذر في هويته وقيمه، مع وفاء كبير للذاكرة، من دون خوف أو تخوف من الذهاب نحو الآخر والانفتاح على كل أنواع الموسيقى والثقافات والديانات والأعراق»، منتهيا إلى أننا «حين نتحدث عن الصويرة، نكون بصدد درس إنساني نقدمه للعالم»، داعيا «الذين لا يزال في رؤوسهم هذا المفهوم المتعلق بصراع الحضارات والثقافات إلى زيارة المدرسة الصويرية».

الغالبية العظمى من زوار «مهرجان كناوة» من الشباب الحالم، الذي يتميز بلباسه وتسريحة شعره الخاصة، مع حقائب صغيرة، يضعونها على ظهورهم، كما لو أنها بيوت متنقلة، معطين الانطباع، وهم يذرعون الأزقة والساحات، كما لو أنهم في رحلة لا تنتهي للبحث عن شيء ما، في مكان ما. وكأنهم «طبعة منقحة» من ظاهرة الهيبيين التي عرفها العالم في الستينات والسبعينات.

يشار إلى أن مهرجان «كناوة وموسيقى العالم» هو المهرجان المغاربي والأفريقي الأول الذي انضم إلى الشبكة الدولية للمهرجانات الموسيقية، التي تضم 24 مهرجانا تحظى باستقلالية فنية، وتمثل 7 دول من أوروبا وأفريقيا وأميركا الشمالية، وهي شبكة تسعى إلى تعزيز المبادلات وتبادل الخبرات في مجال التنظيم والإبداع الفني والتنمية، ودراسة تطور قطاع المهرجانات وتمثيله داخل الهيئات المهنية.