«طه حسين» يظهر في نجران من جديد

يعمل مدرسا في برنامج دمج المكفوفين ويهوى قراءة الصحف والكتب

مدينة نجران جنوب السعودية حيث يسكن ماجد القارح («الشرق الأوسط»)
TT

على خطى طه حسين والعظماء من المكفوفين ممن سجل التاريخ أسماءهم بحروف من ذهب ولم يقفوا عاجزين أمام الإعاقة، بل كان فقد البصر دافعا لهم للتميز والنجاح، يسير كفيف سعودي، بات علما من أعلام التربية في منطقة نجران (جنوب السعودية).

ماجد القارح.. يظهر في نجران.. نموذج للصبر والقدرة على مواجهة مصاعب الحياة، فالكفيف أخذ يصارع ويواجه صعوبات الحياة، إلى أن أنهى دراسته وحصل على شهادة البكالوريوس في التاريخ من كلية اللغة العربية والاجتماعية بجامعة الملك خالد بأبها عام 1998.

اعتمد القارح على حاسة السمع خلال دراسته الجامعية، التي تمكن من إنهائها في 4 سنوات بتفوق رغم ما واجهه من مصاعب، لكنه تمكن من تجاوزها، ليعمل بعد تخرجه كمنسق لبرنامج الدمج لـ4 طلاب مكفوفين ومدمجين بشكل كلي مع زملائهم المبصرين، يقوم ماجد بإخضاعهم لدورات تعليم بطريقة «برايل»، ويعمل في ذات الوقت على تذليل الصعوبات التي تواجه الطلاب المكفوفين، ويعمل على حل مشكلاتهم، ويضع نفسه حلقة وصل بينهم وبين المدرسين الآخرين.

ماجد، ذلك الكفيف المتفوق دراسيا، له سجل حافل بالإنجازات الرياضية في ألعاب القوى، فقد حصد ميداليات ذهبية في عدد من البطولات الخليجية لعدد من الدورات، كان أولها عام 2002، ولا يزال يواصل إنجازاته حتى الآن.

ماجد القارح روى لـ«الشرق الأوسط» قصة كفاحه ونجاحاته، التي بدأت عند دخوله المدرسة مثله كمثل أي إنسان عادي لا يعاني من إعاقة، يقول «عانيت الأمرين في بداية حياتي الدراسة لضعف في بصري، كانت معاملة المدرسين لي كأي طالب مبصر دون استثناء، هذا الأمر خلق في نفسي نوعا من الإصرار على ضرورة مواجهة معوقات الحياة، فبإمكاني أن أنجح وأصنع من نفسي شخصا عاديا كبقية الآخرين، المعوقات لن تثنيني عن بلوغ مراحل عليها، بل وحتى أنهي دراستي الجامعية في التخصص الذي بدأت أحبه، وهو ما تحقق بالفعل بفضل من الله».

فبعد أن أنهى المرحلة المتوسطة، طلب من والده السماح له بالدراسة في معهد النور في أبها، وهو معهد خصصته السعودية آنذاك للمكفوفين، كان المعهد يبعد عن نجران مدينته التي يقطن بها نحو 300 كيلومتر، وهو الأمر الذي كما يروي، أعطاه الثقة لمواصلة دراسته والإقامة في السكن الداخلي للمعهد، وبعد التحاقه بالمعهد، بدأ حياته تتغير شيئا فشيئا، وأخذ يحقق نتائج في رحلته الدراسية بدرجات ممتازة ومتفوقة.

يقول ماجد «بدأت أمارس الرياضة مع زملائي داخل المعهد في سن الـ16 كنوع من الترفيه والتسلية، لاحظ المعلمون تميزي في ألعاب القوى وكرة الهدف، وتم ترشيحي لتمثيل المنتخب السعودي لذوي الاحتياجات الخاصة عام 99 في البطولة العربية في الأردن، ولم يحالفني الحظ في المشاركة بسبب الإصابة، وشاركت في البطولة الخليجية عام 2002 في الرياض وحققت الميدالية الذهبية في ألعاب القوى (الجلة والقرص) بعدها احتكرت الميداليات الذهبية حتى عام 2009، كما شاركت في بطولة العالم عام 2006 في فنلندا وحققت المركز السادس».

ولم يخف النقص في الدعم المادي للمراكز الداخلية لمن يمثلون الألعاب الرياضية من المكفوفين، فيتقاضى اللاعب مكافأة سنوية مقدارها 480 ريالا (128 دولارا فقط)، كبدل تدريب لا تصرف بشكل سنوي، بل كل سنتين أو 3 سنوات، وهو ما يراه ربما يكون سببا في ثني الكثير ممن يملكون طموحا في نفوسهم عن الإصرار على تحقيقها.

قراءة الصحف، من أهم هوايات القارح، والكتب التي تعنى بالتاريخ عن طريق برنامج الناطق، ففقدان البصر لم يمنعه عن مواصله دراساته العليا، ولن يتوقف عن البحث العلمي حتى يسجل التاريخ اسمه إلى جانب طه حسين، كما أبدى من أحلام تراوده في نفسه.

هاشم بن محمد الشريف، مدير مدرسة الخوارزمي المتوسطة التي يعمل بها ماجد القارح، يراه مثالا يقتدى به، من حيث الانضباط والحضور، والاجتهاد في عمله، بل إنه يملك خصلة فريدة، من حيث حرصه على توفير حاجات طلابه، الذين يبادلونه حبا من دون حدود، لإيمانهم بأن معلمهم كان ولا يزال نموذجا للكفاح والإصرار والنجاح، بل باتوا يفضلون الخروج معه في رحلات مدرسية خارجية، لا سيما المكفوفين منهم، كونهم يرونه دافعا للروح المعنوية في نفوسهم.