أحداث سوريا تمثل تحديا لسياسة حسن الجوار التركية في الشرق الأوسط

انتفاضات «الربيع العربي» تختبر قدرة أنقرة على رعاية مصالحها الجديدة

TT

بذلت تركيا جهدا كبيرا لتحسين علاقاتها مع جيرانها في الشرق الأوسط، لكن الاضطرابات في سوريا ربما تدفعها إلى إعادة التفكير في سياستها الخارجية بعد الانتخابات البرلمانية التي أجريت الأحد.

وحولت سياسة تركيا، الرامية لتجنب أي مشكلات مع جيرانها، أنقرة إلى قوة إقليمية، وأضحى رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بطلا في الشارع العربي.

لكن مع فرار أكثر من 5 آلاف لاجئ سوري عبر الحدود، هربا من حملة يشنها الرئيس السوري بشار الأسد، تدرك تركيا، عضو حلف شمال الأطلسي المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، الوضع المحرج الذي وجدت نفسها فيه بمحاولتها تأييد الديمقراطية، وفي الوقت ذاته كسب صداقة أنظمة حكم شمولية في المنطقة.

وصعَّد أردوغان، الذي فاز بولاية ثالثة، انتقاده للأسد، على الرغم من التقارب بينهما في السنوات الأخيرة.

وقال سميح أيديز، خبير السياسية الخارجية بصحيفة «ميليت» اليومية التركية: «انهارت سياسة التقارب مع سوريا بالكامل. بعد الانتخابات أتوقع أن تعيد تركيا تقييم سياسة الشرق الأوسط. فهي لم تأتِ بالنتائج المتوقعة». واختبرت انتفاضات «الربيع العربي» الأخرى قدرة تركيا على رعاية مصالحها الجديدة، لكن سوريا - الدولة الحليفة لإيران التي تقطنها عدة أقليات عرقية ودينية وتحيط بها صراعات إقليمية - تمثل تحديات خاصة.

وحثت تركيا الأسد على تنفيذ إصلاحات، وضمت صوتها للإدانة الدولية المتصاعدة لدمشق ووصفت حملة الأسد بأنها «غير إنسانية وقمع وحشي». وساندت إيران النظام السوري. وتتنافس أنقرة وطهران، اللتان توثقت العلاقات بينهما في السنوات الأخيرة، على توسيع نطاق نفوذهما لدى دمشق.

وقال أيديز: «يحتمل أن تقود الأزمة السورية لبرود أكبر في العلاقات بين أنقرة وطهران. إذا تدخلت إيران أو حزب الله في الشؤون السورية فسيتعين على تركيا أن تطالب القوى الأجنبية بالابتعاد». وفي الوقت ذاته سعد لاجئون سوريون بقرار تركيا إبقاء حدودها مفتوحة أمامهم وهلل نحو 300 سوري في المنطقة الحدودية وهتفوا: «يحيا أردوغان»، عندما سمعوا نبأ فوزه في انتخابات أول من أمس. ويقول بعض المحللين: إن تركيا نأت بنفسها عن الغرب في العقد الماضي في ظل حكم أردوغان.

وفي العام الماضي ذهبت 22% من صادرات تركيا إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أي مثل النسبة في عام 2004.

وعلى الرغم من تعثر مسعى تركيا إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي منذ بدء المفاوضات الرسمية في عام 2005 فقد أبرمت تركيا اتفاقيات تجارة حرة مع الأردن ولبنان وسوريا والعراق.

وفي ليبيا، بلغت قيمة المشاريع التركية 15.3 مليار دولار قبل اندلاع الانتفاضة ضد الزعيم الليبي معمر القذافي في فبراير شباط، وقد اضطرت الشركات التركية لترك المشاريع قبل الانتهاء منها.

وأجرت تركيا مناورات عسكرية واجتماعات حكومية مشتركة مع سوريا وألغت شرط الحصول على تأشيرة دخول وربما تقلص هذه الترتيبات الآن.

وقال أردوغان - الذي استضافت بلاده مؤتمرا للشخصيات المعارضة في سوريا الأسبوع الماضي -: إن أنقرة سوف تتحدث مع الأسد بأسلوب مختلف تماما عقب الانتخابات.

وقال هيو بوب، المحلل في المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات: إن الأحداث في سوريا أظهرت حدود السياسة التركية وكشفت عن ضعف قدرة أنقرة على الضغط لإقناع الأسد بالتغيير. وقال بوب: «تشعر تركيا بإحباط شديد تجاه الأسد، لكني لا أعتقد أن أي دولة قادرة على الضغط على سوريا في هذه المرحلة. يسعى النظام للبقاء». لكنه أضاف أن علاقات تركيا الوثيقة بسوريا على المستويين التجاري والشعبي ربما تمنحها قدرا من النفوذ في المستقبل.

فقد قادت الحروب في العراق لنزوح لاجئين وأضرت بالتجارة مع تركيا بشدة، لكن أنشطة الشركات التركية مزدهرة في العراق الآن.

وقال بوب: «مهما حدث في سوريا ستتكيف تركيا معه». وبوغتت تركيا حين نشبت حرب الخليج الأولى في عام 1991؛ إذ تدفق 500 ألف شخص عبر الحدود من شمال العراق، لكن هذه المرة بدأت الاستعداد مبكرا لاحتمال تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين.

وعند التحضير لغزو العراق في عام 2003 قام الأتراك بترتيبات لإقامة منطقة عازلة داخل العراق لرعاية اللاجئين على الأراضي العراقية. وفي ذلك الحين وصل 10 آلاف فقط.

وأوردت بعض وسائل الإعلام أن ساسة ومسؤولين عسكريين أتراكا يدرسون إقامة منطقة مماثلة في حالة سوريا إذا سجلت أعداد اللاجئين زيادة حادة. لكن مسؤولين صرحوا لـ«رويترز» بأنهم ليسوا على دراية بمثل هذه الخطط.

وحين سئل عن إمكانية حدوث ذلك، قال وزير الدفاع وجدي جونول للصحافيين: «ليس ضمن جدول الأعمال في الوقت الحالي». ولن ترحب سوريا باحتمال وجود جنود أتراك على أراض سورية.

وكادت تنشب حرب بين تركيا وسوريا عام 1998 حين ضغطت أنقرة على دمشق لطرد زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوغلان الذي كان يختبئ هناك. وحل الأزمة طرد أوغلان والقبض عليه.