جوبا تتزين لميلاد الدولة الجديدة.. والسودان بعد ساعات سيصبح سودانين

البشير يؤكد حضوره الاحتفالات: منحنا الجنوب دولة كاملة غنية بالنفط وكل ما عليه هو تشغيل المحرك

TT

تستعد جوبا عاصمة جنوب السودان، للحظات تاريخية، حيث تصبح اعتبارا من صباح الغد عاصمة للدولة الجديدة، التي سيعلن ميلادها يوم غد، وسط إجراءات أمنية غير مسبوقة، تحسبا لزيارة عدد من رؤساء الدول الأفريقية، والمسؤولين الكبار، بينهم عدد من وزراء الخارجية الأوروبيين. وقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير أمس إنه سيشارك في احتفالات جنوب السودان لدى استقلاله غدا، وإنه يتطلع إلى علاقات ودية مع خصمه السابق في الحرب الأهلية، فيما أعلن وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه أمس أنه سيمثل فرنسا في تلك الاحتفالات، لكنه سيحاول تجنب الرئيس البشير الملاحق من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة.

وتعيش جوبا لحظات لا تنسى، حيث امتلأت فنادقها برجال الصحافة والإعلام، والمسؤولين الكبار من جنسيات عدة، فيما جابت شوارعها مسيرات فرح ابتهاجا بالاستقلال. وبدت المدينة الاستوائية أشبه بعروس في ليلة زفافها حيث علقت الأعلام، والزينات، ولافتات الترحيب «بأمة جديدة»، كما تم تشييد صالات إضافية لاستقبال الضيوف الأجانب والرؤساء والدبلوماسيين وسط حالة تأهب أمني قصوى وحملات تفتيش للسلاح في بعض المواقع السكنية، والسيارات التي تجوب الشوارع.

وقال البشير في خطاب جماهيري في ولاية النيل الأبيض بوسط السودان إنه سيتوجه إلى جوبا عاصمة الجنوب للتهنئة بالدولة الجديدة وليعبر عن أمنياته بالأمن والاستقرار. وأضاف أنه يتطلع إلى علاقات ودية مع الجنوب لكن على كلتا الدولتين عدم التدخل في الشؤون الداخلية للأخرى. ومضى يقول إن الشمال منح الجنوب دولة كاملة غنية بالنفط وكل ما عليه هو تشغيل المحرك.

وأعلن وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه أمس أنه سيمثل فرنسا في الاحتفالات التي سيحاول خلالها تجنب الرئيس البشير. وقال خلال مؤتمر صحافي: «السؤال كان واضحا جدا: هل يجب الذهاب أم لا؟ يجب أن لا نتخلف عن إظهار دعمنا لقيام دولة جديدة لأن البشير سيكون موجودا». وأضاف جوبيه: «سيحضر أيضا بان كي مون (الأمين العام للأمم المتحدة) وويليام هيغ (وزير الخارجية البريطاني) وكاثرين آشتون (وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي) وعدد من رؤساء الدول والحكومات». وأوضح: «سأحاول أن أبقى مع هؤلاء الأشخاص خلال الاحتفالات». وقال: «إنها طريقة للتأكيد على أن الديمقراطية في أفريقيا كما في الشرق الأوسط هي نهج السياسة الخارجية لفرنسا». وستمثل السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس الولايات المتحدة في جوبا.

من جهته، اشترط الأمين العام للحركة الشعبية وزير سلام الجنوب باقان أموم، إيجاد حل لقضية أبيي كمقابل لدعم الخرطوم اقتصاديا، عبر قسمة النفط في جوبا. ونظم ناشطون مسيرة لاستقبال الأمين العام للحركة الشعبية ووزير سلام حكومة الجنوب باقان أموم بعد وصوله من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ومشاركته في مفاوضات ترتيبات ما بعد الاستفتاء أو الانفصال الذي أصبح واقعا. وقال أموم في خطابه للمسيرة: «لا مانع لدينا من دعم الشمال لمواجهة التداعيات الاقتصادية المتوقعة بعد قيام دولة الجنوب»، لكنه اشترط لذلك أن يتم في إطار تعاون بين الطرفين واحترام لسيادة الدولة الجنوبية، والاتفاق على ترسيم الحدود وإعادة أبيي للجنوب. ويقصد أموم التوصل لاتفاق حول قسمة عائدات النفط بين الخرطوم وجوبا بنسبة يمكن أن تدعم الاقتصاد السوداني الذي يواجه خطر الانهيار بخروج النفط المنتج جنوبا.

ويشكل النفط نسبة 70% من موارد موازنة دولة الشمال، ويتوقع خروج نسبة 75% من النفط بعد الانفصال مباشرة، بعد التوصل لاتفاق جديد حول المصدر المنتج جنوبا الذي لا يزال يصدر عبر الموانئ الشمالية، وأشار أموم إلى أن الحركة الشعبية رفضت مقترح «المؤتمر الوطني» بتقاسم النفط معهم، وتمسكوا بدفع رسوم عبور فقط، وأيلولة منشآت النفط لكل طرف حسب موقعها في أراضيه.

ودعا أموم السودانيين الجنوبيين للوقوف مع المهمشين في كل أنحاء السودان ودعم نضال الشماليين «لتغيير السودان وتحويله لبلد حريات ومساواة حقيقية وتسليم السلطة لشعبه» وأضاف أموم: «نعلن تضامننا الواضح والصريح مع النيل الأزرق، وجبال النوبة، ومع كل الحركات المناضلة في الشمال». وقال أموم إنهم لن يتدخلوا في شؤون الشمال، ولكنهم سيعبرون دائما عن تضامنهم مع شعبه. في غضون ذلك، أجاز برلمان الجنوب أول دستور للدولة الوليدة، وهو دستور انتقالي سيتم العمل به خلال السنوات الأربع المقبلة، وتمت الإجازة بأغلبية ساحقة وسط معارضة خمسة نواب فقط خلال جلسة امتدت لأكثر من خمس عشرة ساعة، وأجاز نواب المجلس الذين حضروا الجلسة وعددهم 145 عضوا الدستور الجديد بأغلبية 140 صوتا يمثلون الحركة الشعبية وعددا آخر من الأحزاب، فيما عارض خمسة من النواب المنتمين لحزب التغيير الديمقراطي الذي يتزعمه القيادي السابق بالحركة الدكتور لام أكول إجازة الدستور. واللافت في الدستور الجديد، تبنيه موقف الحركة الشعبية من منطقة أبيي حسب قرار محكمة التحكيم الدولية في عام 2009، الذي عرف أبيي بأنها منطقة مشيخات دينكا نقوك التسع وسودانيين آخرين، وقد حدد الدستور حدود الدولة بحدود 1956، مع إلغاء قرار ضم أبيي إلى كردفان بقرار إداري عام 1905، كما أكد الدستور على اسم الدولة الجديدة ورمزها وعلمها، ومنح سلفا كير دورة رئاسية تنتهي بانتخابات بعد أربع سنوات، واعتمد الإنجليزية لغة رسمية للدولة، التي أكد على أنها دولة علمانية ديمقراطية تحترم التعدد الديني والتنوع الثقافي، وكل اللغات المحلية، وسيقدم الدستور إلى سلفا كير للتوقيع عليه وإعلان الاستقلال غدا 9 يوليو (تموز) الحالي، كما اعتمد النظام الفيدرالي نظاما للحكم؛ بجانب النظام الرئاسي الذي يعطي الرئيس صلاحيات واسعة، كما سيعتمد الدستور إنشاء مفوضية لمكافحة الفساد.

وقرر الأعضاء ضم نواب المجلس الوطني ومجلس الولايات السابقين لعضوية المجلس. وقد شهدت الجلسة الطويلة نقاشات ساخنة وجدلا بين أعضاء المجلس حول عدد من البنود؛ ومنها نظام الحكم، وصلاحيات الرئيس، وضم أعضاء جدد للبرلمان، وصلاحيات مفوضية مكافحة الفساد.

إلى ذلك، ناشدت منظمات إغاثة الأمم المتحدة زيادة عدد الجنود الذين ستنشرهم المنظمة الدولية ضمن قوة لحفظ السلام في جنوب السودان بعد انفصاله عن الشمال غدا. ومن المتوقع أن يوافق مجلس الأمن الدولي على نشر قوة لحفظ السلام يصل قوامها إلى 7000 جندي في جنوب السودان المنتج للنفط والذي مزقته الحرب قبل انفصاله رسميا عن الشمال غدا. وقال دانييل بيكيلي مدير قسم أفريقيا بمنظمة «هيومان رايتس ووتش» في بيان صحافي أصدرته مجموعة من منظمات الإغاثة: «ازديادا لعنف وانتهاكات حقوق الإنسان هذا العام يبرز الحاجة إلى وجود قوي ومرن لقوات حفظ السلام في جنوب السودان». وقال متحدث باسم منظمة «أوكسفام» إن المنظمة قلقة من أن «بعض أعضاء مجلس الأمن يريدون تخفيض عدد جنود حفظ السلام إلى أقل من 7000»، وأضاف قائلا: «جنوب السودان بحجم تكساس ولديه قدرة ضئيلة على حماية سكانه على الرغم من تعهده بأن يفعل هذا». وبعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، التي تعرف مؤقتا باسم «يونيميس» ستكون رابع قوة منفصلة لحفظ السلام في السودان. وهناك بعثتان في دارفور وأبيي إضافة إلى بعثة تراقب التقيد باتفاق السلام بين الشمال والجنوب الموقع في 2005 الذي أنهى عقودا من الحرب الأهلية.

ويريد السودان أن ترحل البعثة التي تراقب التقيد باتفاق السلام بحلول غدا 9 يوليو رغم أن دبلوماسيين بمجلس الأمن يقولون إن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين حاولت الضغط على الخرطوم للسماح للبعثة بالبقاء ثلاثة أشهر بعد انفصال الجنوب. وقال دبلوماسي إن من المرجح أن يجري مجلس الأمن اقتراعا على إنشاء قوة حفظ السلام لجنوب السودان في الأيام القليلة المقبلة.