نموذج «مردوخ» الأسطوري تحت التهديد

إمبراطور الإعلام عقد مجلس حرب وأبدى قلقا من العواقب المحتملة

مردوخ مع ريبيكا بروكس في صورة يعود تاريخها إلى 2005 (أ.ف.ب)
TT

دائما ما كان تحمّل المخاطر ثمنا إضافيا لعقد صفقات لصالح روبرت مردوخ، غير أن فضيحة التنصت الموسع على البريد الصوتي للهواتف الجوالة التي قامت بها صحيفة الفضائح البريطانية «نيوز أوف ذا وورلد» تهدد بتشويه صورة الشركة بصورة لم تؤثر بها الأحداث المحرجة الأخرى في الكيانات الإعلامية واسعة الانتشار التابعة لشركة «نيوز كوربوريشن»، التي من بينها شبكات «فوكس» وصحيفة «نيويورك بوست».

في ما مضى، صمد مردوخ في مواجهة منتقديه أو اتخذ إجراءات سريعة للحد من العواقب غير المرغوب فيها. وفي يوم الأربعاء ظهر مجددا في وضع السيطرة على الضرر الذي لحق به، فقد اتجهت الشركة سريعا لشجب عملية التنصت والإعلان عن عزمها التعاون مع الشرطة، بيد أنه كان من الصعب احتواء الضرر الذي لحق بالشركة.

وثمة إجماع متزايد داخل الشركة على أن ربيكا بروكس، الرئيس التنفيذي لشركة «نيوز إنترناشيونال» التي عملت رئيسة تحرير للصحيفة، والتي أصبحت مثارا لكثير من الانتقادات المنصبة على عملية التنصت، ستقال من وظيفتها، وذلك بحسب أشخاص مطلعين على معلومات عن المناقشات التي جرت داخل «نيوز كوربوريشن».

وذكر كثير من المقربين من مردوخ أنه يعارض بشدة فكرة إقالة بروكس لأنها كانت مخلصة له، كما نظر إلى حملة الانتقادات الموجهة ضدها باعتبارها نوعا من الثأر من جانب الأعداء السياسيين للشركة. وصرح أحد هؤلاء المقربين، الذي لم يرغب في الكشف عن هويته لمناقشته أمورا داخلية خاصة بالشركة، بأنه كان هناك اعتقاد داخل الشركة بأن أندي كولسون، رئيس التحرير السابق لصحيفة «نيوز أوف ذا وورلد»، الذي أجبر على الاستقالة من منصبه كمدير للاتصالات برئاسة الوزراء البريطانية، وضع أيضا تحت المراقبة.

وحتى الآن لم يتعدّ الضرر التأثير على سمعة الشركة، فلم تتكبد «نيوز كوربوريشن» حتى الآن خسائر مالية ضخمة، حتى مع زيادة مقاطعة المعلنين لصحيفة «نيوز أوف ذا وورلد»، إلا أن أسهم الشركة هبطت بنسبة 3.6 في المائة يوم الأربعاء لتصل إلى 17.47 دولار للسهم الواحد، بعد ارتفاعها لمعظم فترات العام. ويمكن أن يهدد هذا الحدث كبرى الصفقات المطروحة على طاولة «نيوز كوربوريشن»، وهي تصديق بريطانيا على استحواذها الكامل على «بي سكاي بي»، شركة المحطات التلفزيونية الفضائية.

وقال ديفيد بانك، المحلل الإعلامي بشركة «آر بي سي كابيتال ماركتس» إن فضيحة التنصت كانت بمثابة حدث عارض لم يؤثر بشكل ملموس على ممتلكات الشركة الضخمة. وقال مشيرا إلى التأثير المحدود لما تنشره الصحف عن ذلك الحدث على أرباح الشركة: «يبدو الأمر أقرب إلى ضجة زائفة منه إلى حدث جوهري له تأثير ملموس». إن صحيفة «نيوز أوف ذا وورلد» هي فقط جزء من مؤسسة «نيوز إنترناشيونال» الإعلامية الضخمة التي لها بصمة واضحة في بريطانيا، فالشركة تصدر أيضا صحيفتي «ذا تايمز أوف لندن» و«ذا صن». في المقام الأول، مثلت العائدات من قسم النشر في «نيوز كوربوريشن» 17 في المائة فقط من إجمالي عائدات المجموعة في الأشهر التسعة الماضية. وفي تلك الفترة مثلت برامج الشبكات التلفزيونية الكابلية 61 في المائة من تلك العائدات، في حين حققت الكيانات السينمائية، التي تشمل «توينتيث سنشري فوكس»، نسبة 20 في المائة من تلك العائدات. إلا أن مردوخ كان قلقا بشكل واضح من العواقب الوخيمة المترتبة على فضيحة التنصت، إلى حد أنه دعا إلى عقد ما وصفه شخص مقرب منه باسم «مجلس حرب» في سان فالي في إيداهو، حيث كان يحضر مؤتمرا إعلاميا. وكان مردوخ هناك يوم الأربعاء مع زوجته وندي وابنه لاكلان. وقد شاهد مراسلٌ زوجة مردوخ في المؤتمر، إلا أنه لم يشاهد مردوخ. وأشار مردوخ، منضما إلى دائرة الجدل للمرة الأولى منذ أن طالب بعض الساسة البارزين في بريطانيا بالتحقيق في إجراءات جمع الأخبار التي تتبعها «نيوز كوربوريشن»، إلى الاتهامات بالتنصت بأنها اتهامات «مؤسفة وغير مقبولة»، وتعهد بالتعاون مع أي تحقيقات تجرى من جانب الشرطة.

ولكن مع كشف معلومات مدمرة عن حجم عمليات التنصت التي تحدث يوميا - والتي كان آخرها تقارير تفيد بتنصت «نيوز أوف ذا وورلد» على رسائل صوتية خاصة بأفراد أسرة جنود متوفين - تجاوزت تعبيرات الرفض المؤسفة الحدود.

«اعتمادا على المدى الذي ستصل إليه التحقيقات ونطاقها وهوية المحققين والمعلومات التي سيتوصلون إليها والوقت الذي سيتوصلون فيه إلى تلك المعلومات، يبدو هذا أمرا يمكن أن يضر بسمعته ضررا بالغا»، هذا ما ذكره ريم ريدر، رئيس تحرير ونائب رئيس «أميركان جورناليزم ريفيو». وأضاف: «يبدو هذا جانبا مؤسسيا». وليست «نيوز كوربوريشن» بمنأى عن الفضائح، فغرامات الممارسات غير اللائقة والدعاوى القضائية التي يتم رفعها ضد ممارسات العمل الاحتكارية غير التنافسية ودعاوى السب والقذف تعتبر بمثابة أمر واقع بالنسبة للشركة، والتي كانت قادرة على امتصاص العقبات المالية.

وفي 2009 قاطع المعلنون برنامج «فوكس نيوز» الذي يقدمه «غلين باك» بعد أن اتهم الرئيس أوباما بالعنصرية. وفي تصرف ينم عن معالجة الأمر بهدوء وحكمة، ذكرت «فوكس» أنه تم تحويل الإعلانات فقط إلى فترات زمنية أخرى. وفي يناير (كانون الثاني) دفعت الشركة 500 مليون دولار كتسوية لشركة «فالاسيس كوميونيكشنز»، التي اتهمت فرع «نيوز كوربوريشن» بمحاولة احتكار مجال كوبونات الخصم الخاصة بالمحلات التجارية.

وكانت أبرز حادثة مرت بها لجنة الاتصالات الفيدرالية العام الماضي بعد أن عرضت الشبكة حلقة من «أميركان داد»، التي ظهر فيها حصان في مشهد خادش للحياء. وطلبت اللجنة من الشبكة دفع غرامة قيمتها 25.000 دولار. وفي هذا الأسبوع تمت مقاضاة صحيفة «نيويورك بوست» بسبب دعوى سبّ وقذف رفعتها خادمة في فندق، كانت قد اتهمت دومينيك ستروس - كان، رئيس صندوق النقد الدولي السابق، بتهمة الاعتداء الجنسي. كانت صحيفة «نيويورك بوست» في تغطيتها للقضية قد وصفت الخادمة بالعاهرة.

وفي بريطانيا بدأ المعلنون يتجنبون صحيفة «نيوز أوف ذا وورلد»، مبتعدين عن نشر إعلاناتهم بتلك الصحيفة المتخصصة في الفضائح. ومن بين تلك الشركات «فورد» و«ميتسوبيشي» ومجموعة «لويدز» المصرفية و«فيرجين هوليدايز». غير أنه يبدو أن أي خسائر يمكن احتواؤها ما دامت لم تتجاوز الفضيحة حدود بريطانيا. وقال بانك: «أعتقد أنه تم احتواء الأزمة». وربما يكون الخطر الأكبر هو عرض شراء «بي سكاي بي»، فشركة «نيوز كوربوريشن» تمتلك نحو 39 في المائة من أسهم الشركة، وهي تحاول منذ عام الاستحواذ على بقية الشركة. وعملية الاستحواذ هذه من شأنها أن تحكم قبضة الشركة على البث التلفزيوني البريطاني، ولكنها قد تعرضت لانتقادات لاذعة مفادها أنه لا يجب أن تستحوذ شركة واحدة بهذه الصورة على سوق التلفزيون هناك.

ومن المتوقع أن ينتهي النظر في الصفقة يوم الجمعة، وتوحي كل الإشارات بأن «نيوز كوربوريشن» ستحظى بالموافقة.

وذكرت «أوف كوم»، الجهة الرقابية البريطانية، في بيان أصدرته يوم الأربعاء أنها لم تكن مسؤولة عن التحقيق في عملية التنصت «التي تضطلع بها الشرطة والمحاكم»، ولكنها أشارت أنها كانت «تراقب الموقف عن كثب وعلى وجه الخصوص التحقيقات من جانب السلطات المعنية في الاتهامات الموجهة ضد الشركة بمزاولة أنشطة غير قانونية». وتساءل بانك: «أعتقد أن الناس يسألون أنفسهم: هل أصبح ذلك يمثل مشكلة بالنسبة لصفقة (بي سكاي بي)؟» وقال: «لا يمكنني تخيل أن الأمر يمثل أية مشكلة ملموسة». ولكنه قال: «الوقت فقط غير ملائم تماما لإتمام مثل هذه الصفقة».

* خدمة «نيويورك تايمز».

* ساهم تيم أرانغو وإفيلين إم راسلي في إعداد التقرير.