تراجع حضور السلفية الجهادية في غزة

أسبابه 3 أهمها قتل الناشط الإيطالي أريغوني

أريغوني
TT

لم يعد الشباب الثلاثة، أصحاب اللحى الكثة، يترددون على مساجد المنطقة الوسطى من قطاع غزة لإلقاء المواعظ الدينية والتنظير لأفكارهم، كما كانت عليه الأمور حتى قبل عدة أشهر. وبات هؤلاء الشباب، الذين يتبنون أفكار السلفية الجهادية يكتفون بالصلاة فرادى، كل في مسجد الحي الذي يقيم فيه. وتدل كل المؤشرات على تراجع أنشطة عناصر هذه الجماعات في غزة بشكل واضح في الآونة الأخيرة، مع أنها كانت حتى قبل عام تعكف على تنفيذ مجموعة من الأنشطة العسكرية والفعاليات الأمنية.

وكان عناصر من هذه الجماعات ينظمون مسيرات للتعبير عن وجودهم في الشارع الفلسطيني، وإعلان مواقفهم من التطورات على الصعيد الفلسطيني والعربي والإسلامي، ووصل الأمر بهم إلى حد منافسة التنظيمات الإسلامية الأخرى في أنشطة احتكرتها منذ وقت بعيد، مثل تنظيم فعاليات لتكريم حفظة القرآن الكريم. وفي بعض الأحيان تستغل هذه الجماعات تراخي القبضة الأمنية وتجري تدريبات عسكرية في بعض مناطق القطاع.

ويعزى التراجع الكبير والواضح في أنشطة عناصر هذه الجماعات السلفية إلى ما يمكن وصفه بـ«سياسة الاحتواء المزدوج»، التي تتبعها حكومة غزة وأجهزتها الأمنية، القائمة على المزاوجة بين توجيه ضربات أمنية واسعة من جانب، ومن جانب آخر العمل على تفنيد الدعاوى والشعارات التي ترفعها هذه الجماعات.

وما يكاد يكون محور إجماع بين المراقبين في قطاع غزة هو حقيقة أن حادثة اختطاف وقتل المتضامن الإيطالي فيتوري أريغوني على يد مجموعة من عناصر هذه الجماعات قد مثل الشعرة التي قصمت ظهر البعير، حيث إن عملية الاختطاف والقتل أثارت استياء جماهيريا عارما في أوساط الغزيين، لدرجة أنه في كثير من المناطق لم يعد يجرؤ عناصر هذه الجماعات على مواجهة الناس بسبب ردة الفعل الغاضبة وغير المسبوقة على هذه الحادثة التي صدمت الوعي الجمعي للفلسطينيين.

وحرص خطباء المساجد والوعاظ الذين ينتمون لمختلف المدارس الإسلامية في قطاع غزة على إبراز حجم الخطيئة «التي انطوت عليها حادثة الاختطاف والاغتيال ومدى منافاتها لتعاليم الشريعة الإسلامية»، مما قلص هامش المناورة أمام عناصر جماعات السلفية الجهادية.

من ناحية ثانية فقد مثلت حادثة اغتيال الناشط الإيطالي مسوغا كافيا للأجهزة الأمنية للعمل بكل قوة لتوجيه ضربات موجعة لهذه الجماعات، تمثلت في حملات اعتقالات واسعة. ويرى المراقبون في قطاع غزة أن التطورات في المحيط العربي والإسلامي أسهمت أيضا في تراجع وهج هذه الجماعات في غزة، وعلى رأسها ثورات التحول الديمقراطي التي اجتاحت العالم العربي. ويرى المراقبون أن توجه الكثير من الجماعات التي كانت تتبنى أفكار السلفية الجهادية في كل من مصر والأردن والمغرب تحديدا لتبني أنماط العمل المدني، مثل تشكيل أحزاب سياسية، وتوظيف الأعمال الجماهيرية كوسائل للنضال لتحقيق أهدافها، أحرج عناصر وأنصار هذه الجماعات في غزة بشكل واضح وقلص هامش المناورة أمامها، وتركها تواجه الكثير من التساؤلات المحرجة.