مسؤول استخبارات أميركي: الأغلبية الصامتة في سوريا ضد الأسد الآن ومستعدة لدعم بديل

مسؤول في إدارة أوباما: حماه نقطة تحول في الانتفاضة الشعبية

TT

كشف هجوم جديد لقوات الأمن السورية على مدينة حماه هذا الأسبوع عن تصدعات عميقة في حكومة الرئيس بشار الأسد، بحسب مسؤولين أميركيين يشيرون إلى أن النظام يكافح من أجل احتواء المظاهرات في عدة مدن، في الوقت الذي يعاني فيه من توقف الدعم من جانب الحلفاء ونقص الموارد والسيولة النقدية.

وبعد الابتعاد عن حماه لما يقرب من ثلاثة أسابيع، عادت قوات الأمن بسرعة إلى رابع أكبر المدن السورية يوم الاثنين الماضي لتضييق الخناق على المظاهرات التي تعتبر الأضخم من نوعها منذ بدء الانتفاضة الشعبية قبل نحو أربعة أشهر. غير أنه في الوقت الذي شجب فيه قادة المعارضة حلقة أخرى من الاعتقالات وعمليات إطلاق النار، ذكر مسؤولون أميركيون أن الأحداث أبرزت زيادة حالة التشتت داخل الحكومة السورية، والتي تعين عليها منذ بضعة أسابيع مضت سحب قواتها من حماه ومدن أخرى للتعامل مع حالة الاضطراب على الحدود السورية مع تركيا.

وفي الوقت نفسه، يبدو أن المساحة المحدودة من الحرية النسبية في حماه - والتي تجلى أقصى حد لها من خلال المظاهرات الضخمة التي تم تنظيمها يوم الجمعة الماضي والتي شارك فيها مئات الآلاف - أضفت مزيدا من الجرأة على حركة الاحتجاجات وزادت من حدة الاعتراضات على أي تسوية سياسية من شأنها أن تسمح للأسد بالبقاء في السلطة، مثلما ذكر محللون بالاستخبارات الأميركية ودبلوماسيون في مقابلات أجريت معهم.

ووصف مسؤول رفيع المستوى في إدارة أوباما الأحداث في حماه باعتبارها نقطة تحول محتملة في الانتفاضة الشعبية السورية، إذ إن الحكومة تواجه بشكل متزايد تحدي السيطرة على المظاهرات الجامحة التي تعصف بمناطق عدة من الدولة. وفي حماه، البلدة التي يبلغ تعداد سكانها 700,000 نسمة، أدى رحيل قوات الأمن منذ ثلاثة أسابيع مضت إلى بدء سلسلة من الاحتفاليات العارمة، والسلمية في الوقت نفسه، والتي تحاكي احتفاليات ميدان التحرير في القاهرة في أعقاب الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، هذا ما ذكره المسؤول، الذي يجمع استخبارات من مصادر سورية مطلعة.

«على مدار ثلاثة أسابيع، اتخذت المظاهرات صورة مهرجان»، هكذا تحدث المسؤول الذي أصر على عدم الكشف عن هويته، ككثيرين غيره، لمناقشته تقارير استخباراتية على قدر من الحساسية. وأشار المسؤول إلى أنه مع زيادة أعداد جموع المتظاهرين، «أدرك نظام الأسد بوضوح أنه لا يمكنه السماح باستمرار هذه المظاهرات».

وعاد تواجد قوات الأمن بشكل مكثف في حماه يوم الاثنين، والتي بدأت تعتقل عشرات المتظاهرين وتطلق النار على آخرين. وقال متحدث باسم المعارضة يوم الأربعاء إن أكثر من اثني عشر متظاهرا لقوا مصرعهم في اشتباكات مع رجال الشرطة.

وتجدد العنف بعد أسبوعين من تعهد الأسد في خطابه بتنفيذ إصلاحات سياسية كنوع من التهدئة لحركة الاعتراضات التي قد سببت أعمق أزمة سياسية منذ تولي عائلة الأسد مقاليد السلطة منذ أربعة عقود مضت. وعلى الرغم من أن الأسد قد دعا إلى مفاوضات حوار وطني بدءا من يوم الأحد الماضي، فإن العديد من قادة المعارضة صرحوا بأنهم سيقاطعون مثل هذه المفاوضات بسبب استمرار العنف من جانب القوات الحكومية.

وحتى قبل هجوم القوات السورية على حماه، كان محللون أميركيون يشيرون إلى الضعف المطرد في حكومة الأسد، نظرا لأن بعض أبرز أنصارها - تحالف رجال الأعمال ورجال الدين وشيوخ القبائل - قد ثاروا ضد الرئيس وأساليب نظامه الوحشية.

وأشار مسؤول استخبارات أميركي إلى «الأغلبية الصامتة» من السوريين بما في ذلك رجال الأعمال السنة والمواطنون العاديون الذين لم يشاركوا في الاحتجاجات - أصبحت تعارض الأسد الآن بقوة وعلى أتم الاستعداد لدعم أي بديل معقول من شانه أن يعيد الاستقرار للبلاد.

وقال المسؤول، الذي أصر على عدم الكشف عن هويته في مناقشات تقييمات الاستخبارات: «قاعدة الدعم تتأكل، وعلى وجه الخصوص بين نخبة رجال الأعمال». وأضاف: «هؤلاء الرفاق ذوو ثقل كبير، وحتى الآن، ما زالوا ينتفعون من النظام. والآن، يبحثون عن بديل، والأسد ليس جزءا من الحل». لقد ضعف الاقتصاد السوري بشكل كبير منذ بداية حالة عدم الاستقرار، حيث اختفت دولارات السياحة الأجنبية وتوقفت عمليات التجارة مع الدول المجاورة. في الوقت نفسه، شددت دول الغرب العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، بل وسعى حتى أبرز حلفائها وشركائها التجاريين مثل تركيا إلى التوقف عن دعم الحكومة السورية.

ويبدو الأسد، الذي بدا حتى وقت قريب واثقا من قدرته على قمع حركة الاحتجاجات، أكثر ضعفا من أي وقت منذ بدء الاحتجاجات في مارس (آذار) الماضي، بحسب دبلوماسيين ومحللين أميركيين. في الوقت نفسه، لم يظهر أي نية للتنحي، فضلا عن عدم وجود أي إشارات واضحة تنم عن قرب سقوط نظامه، على حد ذكر المسؤولين.

وذكرت بعض أجهزة الاستخبارات الأجنبية أن الأسد مصر على التشبث بالسلطة مهما كان الثمن، بدعم من حلفائه من الأقلية العلوية، التي تسيطر على المؤسسة السياسية والعسكرية في الدولة. وقال مسؤول استخباراتي رفيع المستوى من الشرق الأوسط راقب سياسات سوريا الداخلية منذ وقت طويل: «النظام ما زال حصينا، وكذلك الجيش وجهاز الأمن». وأضاف: «نحن نعتقد أن النظام قد قرر الاستمرار في الصراع الدموي».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»