نازلي مدكور.. تحاور الزهور والنباتات في معرضها الجديد بالقاهرة

تجريدية شعرية تعزف على خصوبة الأرض وجمال الطبيعة

من أعمال الفنانة نازلي مدكور
TT

تحتفي الفنانة التشكيلية نازلي مدكور في معرضها الجديد «بشائر الربيع» بأوراق الزهور والنباتات، تحاور ألوانها وغصونها وفراشاتها بنشوى فنية مشربة بطفولة الأرض كرمز دائم التجدد للخصوبة والعطاء، وفي إطار علاقة تشكيلية تتحرر من نمطية اللوحة والأفكار والمضامين المسبقة.

تمزج الفنانة بين إيقاعي التجريد والشعر، وتحولهما إلى مرآة شفافة تتقاطع على صفحتها هموم الداخل والخارج، فكلاهما يتراءى على مسطح اللوحة كصدى للآخر، يفيض عنه، ويعيد اكتشاف ذاته في نوره وحلكته. وفي الكثير من لوحات المعرض، تبدو هذه العلاقة كأنها رسائل خاصة، أو توقيعات وومضات عاشقة.

تتحرر نازلي مدكور من أي أطر فنية مسبقة في بناء الشكل، وتترك نفسها لنشوة الارتجال، والعصف اللوني.. ففي جرأة واضحة، ومن دون تردد، قبل أن تفر الروح الخاصة للوحة، تمسك نازلي مدكور بالفرشاة وتقبل على تشكيل عملها في حوار جريء، سريع ومتناغم العناصر، ينسجم ويتماهى مع مزاجها الشخصي أثناء الرسم، فأحيانا نجد بعض اللوحات تعبر عن مزاج حزين، فرح أو غامض، ممعن في التفاؤل، أو التشاؤم، وأحيانا في إيقاع متطاير راقص، وأحيانا أخرى يميل للسكون والهدوء. لكن على الرغم من تنوع المزاج الفني والنفسي، فإن لوحات نازلي تعبر عن العاطفة والمشاعر في المقام الأول، ويبدو لي أن من معناها الأعمق يكمن في كونها لا تكشف عن نفسها بسهولة. جاء هذا المعرض الجديد للفنانة، الذي استضافته قاعة «أفق» بقطاع الفنون التشكيلية، مختلفا عن معارضها السابقة، وإن كان هناك بعض المشترك مثل استخدامها أكثر من خامة: الرمال، الأصداف، والتضاريس المتباينة.

ومثلما قال الفيلسوف اليوناني الشهير هيراقليطس «أنت لا تستطيع أن تنزل النهر مرتين، لأن الماء يتجدد في كل مرة»، تؤكد نازلي مدكور، أنك لا تستطيع أن تختزل العطر في زهرة واحدة.. لذلك، تتحول طاقة الاختزال والارتجال الفني لديها إلى أداة للاكتشاف، اكتشاف نوافذ جديدة وحيوات مغايرة في جسد التكوين والمادة. فالأشكال مختزلة ومجردة ومبسطة في سياق رؤية وهم فني وفكري خاص، كما أنها تعيد إعادة تشكيل الأزهار وفق ما تريده هي، حتى إن بعض اللوحات كانت بها الورود سوداء أو تقترب من السواد، أو متشحة به، لتحدث شيئا من الصدمة للمشاهد، وفي الوقت نفسه التخفيف من حدة الألوان المزهرية المشرقة، وإضفاء نوع من الشجن الفني على شظايا الأشكال المتناثرة بحيوية في عمق وحواف التكوين، وتشابكات الفراغ، وانثيالات الألوان على مسطح اللوحة. فالورود في هذا المعرض تتناسل بعضها من بعض في تشكيل جديد ناعم، له ملمس نغمي، كما تبرز حسية فنية في الطلة الشهوانية لبعض الأزهار، لكن لماذا تكون الزهور سوداء أو قانية الألوان؟ ربما يبرر ذلك طاقة التمرد في نسيج الورود نفسها، حتى إأنها أحيانا تتخلى عن وداعتها، وتبدو متوحشة، تقاوم خشونة الواقع ودمامة القبح. وأحيانا أخرى تتحول الورود إلى كائنات شفافة، تملك القدرة على البوح وإثارة دهشة فنية، تولد من بياض العتمة.

في بعض اللوحات، نجد حضورا لبعض الطيور، وفي لوحة زرقاء توجد مركب والسمكة تطير من فوقها كأنها حلم. وبشكل عام، يتواري حضور الإنسان في لوحات المعرض خجلا أمام الطبيعة، ويبدو في بعض اللوحات مجرد طيف أو عابر سبيل، يبحث عن ظل الوردة. استخدمت نازلي خامات كثيرة: زيت، ورنيش، أقلام ورق كانسون، توال، ففي اللوحة الواحدة تتنوع الخامات. أيضا تتباين المساحات من جداريات إلى لوحات صغيرة. كما تتدفق الألوان في سبيكة منسجمة، وتتنوع تارة ما بين السخونة والبرودة، في لوحات منفصلة أو في اللوحة الواحدة، في محاولة لحفز العين على الغوص داخل اللوحات.