«الزفة».. محور العرس اللبناني رغم تنوع هويتها

نفضت عنها معظم تقاليدها القروية واحتفظت برقصة الدبكة وأغنيات الأفراح

الزفة اللبنانية لا تزال محتفظة بمكانتها بين الزفات الأخرى («الشرق الأوسط»)
TT

تغيرت تقاليد الأعراس في لبنان وتبدلت وبقيت «الزفة»، محور «ليلة العمر»، مع ما أضيف إليها من ابتكارات تحترف تقديمها فرق الدبكة والشركات المتخصصة. ولطالما كانت هذه «الزفة» مرتبطة بأعراس أهل القرى في لبنان؛ حيث يتولى أبناؤها، ولا سيما الشباب منهم، مهمة إحياء حفلة الزفاف من خلال الرقص بالسيف والترس، والدبكة، والعزف على الآلات الموسيقية التراثية كالطبل والمزمار. وكان دور النسوة يرتكز على الدخول في سباق إطلاق الزغاريد التي تمدح العروسين وتتمنى لهما حياة سعيدة.

اليوم لا تزال الزفة محافظة على مكانتها، بل أصبحت عنصرا أساسيا في أي عرس لبناني، قرويا كان أو مدينيا، كيف لا وهي التي تشكل افتتاحية «ليلة العمر» بعدما أضيف إليها بعض التعديلات، وجرى الاستغناء عن التقاليد المرافقة لها.

ومع تزايد الأهمية التي يوليها العروسان للزفة، كثرت في لبنان خلال السنوات الأخيرة، على غرار مكاتب تنظيم الأعراس، ظاهرة المكاتب المتخصصة تحديدا في إعداد فرق الزفة والتدريب على رقصات محددة خاصة بالمناسبة وزفات متنوعة بين اللبنانية والمغربية والمصرية والمكسيكية والأندلسية.

ويتذكر محمود (60 سنة) أهم التقاليد القروية التي كانت ترافق الزفة منذ عشرات السنين، فيقول: «كان أهل القرية، وبالأخص كبار السن وكبيرات السن منهم، يتولون هذه المهمة، من خلال الزغاريد التي كانت مرتبطة بهذه المناسبة، والتي كان يقصد منها إبكاء العروس قبل أن يأتي العريس على وقع الزفة أيضا، ويرفع طرحة عروسه، ويأخذها معه إلى بيت الزوجية. وكان ما يعرف بـ(الرديات) تمثل تحديا بين أهل العروسين، مثل (العروس عروستنا وما منعطيكم هي (ولا نعطيكم إياها) إلا بألف ومية)، ويجري عندها تنفيذ (خلعة باب الدار)، التي كان يصر أهل العروس خلالها على رفض تسليم ابنتهم قبل قبض مبلغ من المال من أهل العريس. وبعد (مفاوضات شكلية) يُدفع المال وتُسلم العروس إلى عريسها، لتذهب معه أيضا على وقع الزفّة، وتلصق «العجينة» المحضرة على باب بيتها أو بيت أهل زوجها، وتكسر صحنا، ثم تدخل بقدمها اليمنى.

أما زفة اليوم العصرية فقد نفضت عنها هذه التقاليد واحتفظت برقصة الدبكة وأغنيات الأعراس. وفي هذا الإطار يؤكد غسان الغوش، صاحب فرقة «مزاج غروب» لإحياء الأعراس أن «تحضير الزفة يتطلب جهدا وتدريبات مكثفة طوال فصل الشتاء، لا سيما أن فرقة الزفة تتألف من 75 راقصا وراقصة موزعين بدورهم على 6 مجموعات تتدرب كل موسم على 6 رقصات مختلفة لكل نوع زفة. وتحيي الفرقة الواحدة خلال فصل الصيف - موسم الأعراس الأهم - ما يزيد على 600 عرس».

ويضيف الغوش: «إلا أن تعدد الخيارات لم يحل دون الطلب على الزفة اللبنانية التي ما زالت محافظة على مكانتها بين الزفات الأخرى بنسبة تصل إلى 80 في المائة في لبنان والخارج. وهذه الزفة، التي تعتمد على الدبكة، وقرع الطبول والدف، ونفخ المزمار، ولوحات السيف والترس، مستوحاة من التراث اللبناني بلمسة عصرية.. ولكن من دون الخروج عن طابعها وإطارها العام، إلا في تعديلات بسيطة أدخلت على الزي، وتحديدا على (الشِروال)، الذي ما عاد أسود اللون حصرا، بل تعددت ألوانه وتنوعت. وكذلك من دون التخلي عن (العباءة) و(الطربوش). وتبقى الموسيقى وأغاني الأفراح التراثية، مثل (زينوا الساحة) و(زفوا العروس)، هي العامل الرئيسي الذي ترتكز عليه الزفة.. إضافة إلى الأغاني الحديثة التي تضفي أجواء عصرية على البرنامج».

ويتابع الغوش شرحه، فيقول: «كذلك بإمكان العروسين، بعد اطلاعهم على برنامج الفرقة صوتا وصورة ومناقشة كل التفاصيل، أن لا يتقيدا بما يُعرض عليهما، بل قد يقرران برنامجا جديدا وخاصا يدمج بين رقصات متنوعة، ويتسم بالفرادة في الوقت عينه. ثم هناك إمكانية تسجيل أغان خاصة بالعروسين تحمل اسميهما بعد الاتفاق على كلماتها معهما، وكذلك اختيار الأغنيات التي يفضلها العروسان لترقص عليها الفرقة».

أما عن الزفات الأخرى التي قد يلجأ إليها العروسان، فيشير غسان الغوش إلى أن «الاعتماد على إبراز تراث البلد التي يمثلها يرتكز بشكل خاص على الثياب والرقصات التي تؤديها الفرقة. وتتميز كل زفة عن غيرها بخصوصية معينة حسب التقاليد المعتمدة في كل بلد. فمثلا الزي اللبناني يختلف عن الزي المصري، الذي يتمثل في الجلابية الطويلة الصعيدية أو لباس الفراعنة، بينما يرتدي الراقصون العباءات البيضاء الواسعة إذا ما كانوا يزفون العروسين على الطريقة المغربية. والأجواء الأندلسية القديمة ستكون حاضرة أيضا إذا ما ارتأى العروسان ذلك، بالرقصات الأندلسية الفولكلورية وبالزي المؤلف من السروال الواسع والحزام العريض.. ولكي تكتمل الصورة لا بد طبعا من اختيار الأغاني التراثية والملائمة لكل زفة».

ثم يستطرد: «أما برنامج الزفة نفسه، فتختلف فقراته التي تمتد إلى نصف ساعة تقريبا أو أكثر، حسب رغبة العروسين. أولا، قد يستقبل الراقصون العروسين على مدخل القاعة أو قد ترافق مجموعة من الفرقة العروس وأخرى العريس ليلتقيا في الوسط على أنغام الموسيقى وعلى خطوات الراقصين. وللخروج من النمط التقليدي للزفة وللتميز عن الآخرين بالإمكان إحضار العروس على هودج (خصوصا في الزفتين المغربية والمصرية)، لتزف إلى مكان الحفلة على قرع الطبل وأصوات الموسيقى. وقد يطل العروسان على المدعوين من البحر على متن يخت. أما إذا أقيمت الحفلة في مكان واسع، أو في أرجاء الطبيعة، فقد يأتي العروسان على حصان أبيض في أجواء مميزة ولوحة ساحرة. مع العلم أن للزفة هذه حضورها الأساسي أيضا في كثير من الأعراس في لحظة خروج العروس من بيت أهلها برفقة العريس، ليكون تسليمها إلى عريسها على وقع أنغام الموسيقى ورقصة الدبكة».