رعب أوروبي من تفاقم أزمة الديون السيادية

مخاوف من انتقال العدوى إلى إيطاليا.. وتقارير تشير إلى تعرض إسبانيا لموقف صعب

TT

شهدت بروكسل أمس اجتماعات واتصالات على مستويات رفيعة بين المؤسسات الاتحادية والدول الأعضاء في التكتل الأوروبي الموحد، الذي يواجه ظروفا صعبة للغاية وبالتحديد في منطقة اليورو، حسب الكثير من المراقبين في بروكسل.

فقبل ساعات من اجتماع مقرر لوزراء المال في منطقة اليورو بعد ظهر أمس، دعا رئيس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي لعقد اجتماع طارئ لكبار واضعي السياسة، لمناقشة خطط لحزمة ثانية لإنقاذ اليونان، وتقييم مخاطر انتشار أزمة الديون السيادية من اليونان إلى إيطاليا، بينما ذكرت تقارير اقتصادية أن إسبانيا معرضة لأزمة الديون السيادية التي أثرت على دول أخرى في المنطقة في حال عدم اتخاذها مزيدا من الإجراءات لتحفيز اقتصادها الذي يعاني من أزمات.

وذكرت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية أن لدى إسبانيا بعض الخصائص التي تعرضها للخطر مثل قلة التنافسية والعجز الكبير في الحساب الجاري، مؤكدة ضرورة أن تقوم الحكومة الإسبانية بإصلاحات مالية.

وحضر الاجتماع رئيس مجموعة اليورو كلود يونكر، ورئيس المصرف المركزي الأوروبي كلود تريشي، ورئيس المفوضية الأوروبية مانويل باروسو، والمفوض الأوروبي أولي ريهن المكلف بالشؤون النقدية والاقتصادية.

وحسب مصادر مقربة من الاجتماع، حاول رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي فان رومبوي استغلال الفرصة قبيل اجتماع وزراء المال في منطقة اليورو، والذي سيعقبه اجتماع موسع للوزراء في الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الثلاثاء، وطالب فان رومبوي من المسؤولين الأوروبيين إيجاد الحلول لوقف الضغوط من الأسواق المالية على إيطاليا، وخصوصا أنها تشكل ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو بعد ألمانيا وفرنسا، وأن أي خطر تتعرض له يعني تعرض منطقة اليورو بأكملها للخطر. وعرفت البورصات الأوروبية تراجعا الاثنين كما تراجع اليورو إلى أقل مستوى له منذ أسبوعين، وتأثرت بشكل واضح أسهم البنوك الأوروبية بفعل المخاوف لدى المستثمرين والأسواق، بعد أن شهدت إيطاليا نهاية الأسبوع الماضي الإعلان عن أرقام لم تشهدها منذ فترة، مثل ارتفاع في أسعار الفائدة لأرقام لم تصل إليها منذ تسع سنوات، وعرفت بورصة ميلانو ما وصف باليوم الأسود الجمعة الماضي، وهبطت أسعار أسهم البنوك الإيطالية بشكل كبير. والمخاوف توسعت بعد أن زاد القلق من انتشار عدوى الديون إلى إيطاليا، خصوصا أن هنالك اضطرابا سياسيا في البلاد نشأ من الجدل الدائر بين وزير المالية جوليو تريمونتي ورئيس الوزراء سيلفيو برلوسكوني، مما قد يهدد مرور خطة تخفيض العجز بقيمة 40 بليون يورو. وهناك توقعات بأن البنك المركزي الأوروبي سيطالب بتوسيع صندوق الإنقاذ الأوروبي، وهذا يعني أن بلدانا أخرى تتعرض لمخاطر الديون وقد تحتاج إلى إنقاذ مثل اليونان. والآن إيطاليا تحت المجهر، وفي حال احتاجت إلى الدعم المالي فإن السيولة المتوفرة حاليا في الصندوق غير كافية لتغطية مطالب إيطاليا. وتأتي الاتصالات الأوروبية الحالية قبل أيام قليلة من نشر نتائج اختبارات الضغوط على المصارف، حيث يتوقع المحللون نتائج سلبية لبعض المؤسسات المصرفية قد يصل عددها إلى 15 مصرفا. ويعمل الرئيس الأوروبي هرمان فان رومبوي الذي يواجه فقدان صبر المتعاملين والأسواق المالية، وأمام هذه التطورات، على إقناع كل من فرنسا وألمانيا على بلورة صفقة سياسية تجنب تفشي الأزمة على كل الدول الأوروبية. وقال مسؤول أوروبي إن تردد الدول الأوروبية في حسم إدارة الديون اليونانية ولد مناخا غير صحي داخل منطقة اليورو وبات يلحق أضرارا بقيمة ومصداقية اليورو.

وحذر وزير الخارجية الألماني غويدو فيسترفيلله من انتشار التوتر في أوروبا بسبب أزمة الديون في اليونان وبلدان أخرى، وقال فيسترفيلله: «لا يمكننا مواجهة بعضنا بعضا في أوروبا، من خلال الأحكام المسبقة»، وأضاف: «يجب علينا ضمان عدم إصابة الفكرة الأوروبية بالضرر»، وفي ما يتعلق باليونان حذر رئيس الدبلوماسية الألمانية من أنه «لا ينبغي لأحد أن يساوي بين الملصقات التي تحمل شعارات معادية للألمان، برأي الأغلبية في اليونان»، وأشار في الاتجاه الآخر إلى «تعليقات غير ملائمة» صدرت من ألمانيا ليست مناسبة، من قبيل ضرورة بيع اليونانيين لجزرهم، أو أنهم شعب غير جاد بما فيه الكفاية.

وفي نفس الإطار، وإلى جانب متاعب القطاع المصرفي، فإن الدول الأوروبية تواجه ضغوط وكالات التنصيف المتهمة بأنها وراء تضخيم جزء على الأقل من أزمة اليونان. وقالت وكالة «موديز» للتنصيف المالي إن منطقة اليورو وإضافة إلى أزمة اليونان تواجه أزمات أخرى قد تكون أكثر خطورة. ومن بين الدول المهددة إيطاليا بسبب حجم ديونها وبلجيكا بسبب الأزمة السياسية وآيرلندا بسب قرار المصرف المركزي الأوروبي رفع أحجام الفائدة. وحسب الكثير من المراقبين تنصب كل الجهود الأوروبية حاليا على وضع اللمسات العملية للحزمة الثانية لإنقاذ اليونان أولا، وتجنب تفشي العدوى لدول أكبر ثقلا، وتحديدا إيطاليا التي تتعرض لضغوط المرابين. ويقول الدبلوماسيون إن مجمل الاتصالات الأوروبية يتمحور حاليا حول عناصر محددة لا تزال الكثير من الخلافات قائمة بشأنها، وإهمال آلية إشراك القطاع الخاص في إدارة أزمة اليونان، ويبحث المسؤولون الأوروبيون بالدرجة الأولى عن اتفاق سياسي لتوفير التمويل الضروري، ولكن ألمانيا لا تزال ترفض أي الالتزام قد يعتبر بمثابة تمويل مباشر من دافعي الضرائب لديون الدول المتسيبة. وتدفع ألمانيا وفرنسا حاليا بحلول متناقضة بالنسبة لإشراك القطاع الخاص. وفي حالة عدم التوصل إلى اتفاق سياسي فإن منطقة اليورو قد تواجه أزمة ثقة بسبب توقع تنامي متاعب اليونان وآيرلندا والبرتغال وإيطاليا مما سيعود بالأوروبيين إلى وضعية شبيهة بصيف عام 2008 إبان اندلاع أزمة المصارف ورفض كل طرف تمويل الطرف الآخر.

وفي نفس الإطار أعطت المفوضية الأوروبية الاثنين موافقة مبدئية وفي إطار قواعد الاتحاد الأوروبي لمساعدة الدولة للبنوك، على إعادة رسملة بنك آيرلندا بي او اي، من جانب السلطات الآيرلندية، بحيث يصل إلى 5 مليارات و350 مليون يورو، ومن المتوقع أن تكون الموافقة النهائية عقب تقديم خطة إعادة الهيكلة الجديدة للبنك نهاية الشهر الحالي.