صيف الإسكندرية بـ«طعم المظاهرات»

الآيس كريم لا يغني عن جدل السياسة

ترك المصطافون «البلاجات» وارتداء «المايوهات»، وانصرفوا للمشاركة في المظاهرات والاعتصامات («الشرق الأوسط»)
TT

«شط اسكندرية يا شط الهوى»، كلمات الأغنية الشهيرة للفنانة فيروز، التي كانت تداعب المصطافين وكل زوار مدينة الإسكندرية المصرية، الملقبة بـ«عروس البحر المتوسط»، صيفا وشتاء، فتعدهم بحالة رومانسية يعيشونها على الشاطئ الرحب. وكانت الأوقات الحالمة مع أمواج بحر الإسكندرية تتكامل مع تناول الآيس كريم والسهر في المقاهي، إلا أن المدينة، هذا العام، في أول صيف مرحلة ما بعد «ثورة 25 يناير»، أصبحت مختلفة تماما عنها في أي صيف سابق، فقد ترك المصطافون «البلاجات» وارتداء «المايوهات»، وانصرفوا للمشاركة في المظاهرات والاعتصامات؛ للمطالبة بتحقيق أهداف «الثورة» وحمايتها.

فخلال النهار، هذه الأيام، فضلا عن المسيرات التي لا تنقطع والمظاهرات الفئوية، لا تفارق الصحف أيدي المصطافين المستلقين على الرمال، وكذلك الهواتف الجوالة وأجهزة الكومبيوتر المحمولة «اللاب توب».. للدخول على شبكة الإنترنت، ومتابعة أخبار الاحتجاجات والأحداث السياسية، والتواصل عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك».

أما في المساء فقد غلبت على أحاديث المصطافين على «الكورنيش»، وعلى «دردشات» جلسات المقاهي الصيفية المواجهة للبحر، أمور السياسة وأحوال مصر بعد الثورة، كما حلت مؤتمرات وندوات التيارات السياسية والفكرية بديلا عن الحفلات الصيفية الساهرة.

وبدلا من اقتصار توجه المصطافين إلى زيارة الأماكن السياحية والترفيهية، التي تمتاز بها المدينة، صارت هناك مناطق أخرى تجتذب زائري المدينة، مثل منطقة «كليوباترا» محل إقامة أسرة خالد سعيد، مفجر «ثورة 25 يناير» وأيقونتها، وهو أمر لا يقتصر فقط على المصطافين، بل غدا وجهة مقصودة للسياسيين الذين يزورون الإسكندرية بين حين وآخر. وكذلك يحرص زوار الإسكندرية على زيارة مسجد القائد إبراهيم، منصة المظاهرات والمسيرات، وهو من أشهر المساجد في منطقة محطة الرمل، ويشتهر بمئذنته الطويلة. وهذا المسجد يحمل اسم إبراهيم باشا ابن محمد علي، والي مصر، ومؤسس العسكرية المصرية الحديثة.

تقول ماهي محمد الشاطر (25 سنة)، وهي فتاة قاهرية: «قررت أن أمضي الصيف في الإسكندرية والابتعاد عن الساحل الشمالي، خاصة في ظل غياب الشرطة والأمن، وخوفا من اعتراض البلطجية للطريق. كما أنني أردت أن أرى منزل خالد سعيد (مفجر الثورة)، وشاركت مع أهالي الإسكندرية في المظاهرة التي أعقبت جلسة تأجيل الحكم الأخيرة على قاتليه».

أما باسل عبد الرحمن (30 سنة)، أحد المصطافين على شاطئ المعمورة، بشمال شرقي الإسكندرية، فيقول: «قررت المجيء إلى الإسكندرية لحضور جلسة الحكم على قاتلي الشهيد خالد سعيد. وحددت إجازتي من عملي قبلها بيومين؛ لكي أتمكن من الحضور والمشاركة، وهو الأمر الذي أراح ضميري نوعا ما، لأننا يجب أن لا نضيع حقه في القصاص من هؤلاء القتلة. وبعدها ذهبت للصلاة في مسجد القائد إبراهيم مع أصدقائي».

أما مي حامد (26 سنة) فتوضح أن هذه هي المرة الثانية التي تحضر فيها إلى الإسكندرية هذا الصيف، وعلى الرغم من أن الهدف من الزيارتين الاصطياف، فإنها استغلتهما لزيارة قبر خالد سعيد في ذكرى رحيله الأولى، بمشاركة عدد من أسر شهداء 25 يناير وشباب الإسكندرية المتضامنين مع قضيته، «ولقد توجهت إلى هناك في منطقة الشاطبي، وسط الإسكندرية، وتلوت مع الآخرين من الشباب والفتيات القرآن على روحه، والدعاء له بالرحمة».

ومن جانبه، يشير أحمد السباعي، وهو سمسار عقارات في «سابا باشا» بوسط الإسكندرية، إلى أن «عدد المصطافين هذا العام فاق كل الأعوام السابقة، ومرد ذلك إلى خوف البعض من التوجه إلى الساحل الشمالي ومرسى مطروح، واعتبارهم أن الإسكندرية هي المكان الأكثر أمانا، وأيضا لهجرة عدد كبير من الليبيين والمصريين العاملين في ليبيا، وتهافتهم على إيجار الشقق بأي سعر، مما أدى لرفع الأسعار». وهذا الجانب، تشهد عليه حقا منطقة المنشية ومحطة الرمل في وسط المدينة. إذ أصبحت هاتان المنطقتان الحضن الدافئ لليبيين الفارين من القصف المدمر على الجماهيرية الليبية، يعرضون فيهما البضائع، وأيضا بعض المقتنيات الخاصة من أجهزة كهربائية منزلية وتحف وغيرها. وهكذا فإن رحلة السير من المنشية إلى محطة الرمل تتيح لمن شاء التسوق والتبضع بشتى أنواع السلع.

ويقول معاوية، وهو شاب ليبي يفترش الأرض بجوار بضاعته، التي يمكن فيها أن تعثر على كل ما ترغب فيه ربات البيوت، شارحا: «جئت إلى مصر مع عائلتي هربا من القصف، وبحثا عن حياة كريمة. إنها ليست أول مرة أقيم فيها بالإسكندرية، فقد كانت لي تعاملات تجارية مع بعض التجار السكندريين في المنشية، وكان هؤلاء نعم العون لي في وطني الثاني مصر».