مسرور بارزاني: كان بإمكان الكرد أن يحتلوا كركوك لكنهم رفضوا منطقا كانوا في الأساس ضحية له

مسؤول استخبارات كردستان في حديث لـ «الشرق الأوسط»: الانسحاب الأميركي لم يحن أوانه وسيفاقم مشكلة المناطق المتنازع عليها

TT

لاستقرار الأمني في إقليم كردستان يحظى بتقدير بالغ لدى الشعب الكردستاني، لكنه يثير إعجاب واندهاش المراقبين الدوليين والضيوف الأجانب، الذين يترددون على كردستان أكثر من بقية أنحاء العراق بفضل ذلك الاستقرار، مما جعل من كردستان منطقة جاذبة وآمنة لتدفق الاستثمارات، التي ساعدت على إنهاض البنية التحتية لإقليم دمره النظام السابق بشكل شبه تام.

والفضل يعود إلى الجهاز الأمني القوي الذي يديره مسرور بارزاني، نجل رئيس الإقليم مسعود بارزاني، بكفاءة واقتدار، وهو الذي ترعرع وعاش في ظل أوضاع سياسية تعرضت فيها كردستان لتهديدات متواصلة، داخلية وخارجية، من القوى المعادية، زادتها مؤخرا تهديدات الإرهابيين الذين باتوا يحسدون الاستقرار الأمني للإقليم، فتحينوا الفرص في فترة المد الإرهابي الذي ضرب العراق في السنوات الأخيرة، ليحشدوا كل قواهم لتوجيه ضربات موجعة إلى كردستان، لكن، كما أكد بارزاني، تمكن الجهاز الأمني من إفشال الكثير من مخططاتهم ومحاولاتهم التي لم يعلن عنها، وبتواضع جم معروف عنه ثمن مسرور بارزاني جهود منتسبي الجهاز الأمني بضباطه وكوادره؛ لسهرهم المتواصل على أمن وسلامة مواطني الإقليم، وبدا فخورا بالقول: «إن أمن الإقليم حمي على يد أبنائه، وسنستمر في جهودنا لخدمة أبناء شعبنا». «الشرق الأوسط» التقت مسرور بارزاني وكان لها معه حوار، فيما يلي نصه:

* المؤتمر الأخير لحزبكم الديمقراطي الكردستاني تبنى الكثير من مشاريع التغيير داخل الحزب، ماذا تم تحقيقه من تلك المشاريع على أرض الواقع؟

- التغيير عملية مستمرة ولا يأتي مرة واحدة، ونحن نعتبره سنة الحياة، وحتى في الحياة الحزبية فإن هناك حاجة للتغيير باعتبارها طريقا نحو التجديد، وبالنسبة لحزبنا أعتقد أنه جرت تغييرات كثيرة، سواء داخل المؤتمر أو في المكاتب والمؤسسات القيادية للحزب، من أهمها إجراء تغييرات مهمة على منهاج وبرنامج الحزب، وكذلك ترشيح عناصر جديدة للقيادة، خصوصا من الشباب، ولذلك أعتقد أننا حققنا تغييرات مهمة على الصعيد الحزبي، والعملية ستستمر ولن تتوقف عند حد مؤتمر أو اثنين.

* في هذا السياق جرى الحديث مرارا عن حملة الإصلاحات، وقد بدأ السيد رئيس الإقليم، وهو زعيم الحزب، بحملة إصلاحات شاملة مؤخرا، فهل ستشمل تلك الحملة تطهير الحزب من الفاسدين، خصوصا أن هناك حديثا عن إجراءات اتخذها الرئيس بارزاني ضد عدد من القيادات الحزبية والحكومية؟

- برنامج السيد الرئيس لحملة الإصلاح هو برنامج شامل لا ينحصر فقط في الحزب الديمقراطي الكردستاني، ويشمل جميع المرافق، سواء كانت في السلطة أو الحزب، والبرنامج ليس له حدود معينة يقف عندها، بل سيشمل جميع أنحاء كردستان بمختلف قطاعاتها الحكومية والحزبية، ونحن في قيادة الحزب نؤيد ونؤكد دعمنا الكامل لخطة الرئيس، وسنقدم كل التسهيلات اللازمة لإنجاح تلك الحملة، التي ستصب، في المحصلة، في مصلحة جماهير شعبنا، أما فيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال، فأنا لا أستطيع الرد على الشائعات أو التكهنات، لأن الأمر يحتاج إلى وثائق ودلائل ثبوتية، فإذا ما توفرت تلك الدلائل، عندها ستقرر المحاكم الإجراءات الواجب اتخاذها ضد كل من يثبت تورطه في الفساد، يجب علينا أن لا نستبق الأحداث، وفي النهاية فإن القول الفصل سيكون للقضاء والقانون الذي يعلو على الجميع، وإن إجراءاته ستطال الجميع من دون استثناء.

* ضمن خطة رئيس الإقليم لإجراء الإصلاحات كان هناك تعهد منه باتخاذ الإجراءات بحق بعض المسؤولين من البارتي (الحزب الديمقراطي الكردستاني)، الذين تعتبرهم المعارضة والشارع الكردي مسؤولين عن إطلاق النار على متظاهري السليمانية، هل هناك نية لدى الحزب لتسليم هؤلاء وتقديمهم للمحاكمة؟

- على حد علمي لا أعرف إن كانت هناك دعوة من القضاء لمحاكمة هؤلاء أم لا، هناك حقيقة أود أن أشير إليها، وهو أن البارتي له شخصية معنوية، بمعنى أن من داهموا مقره واعتدوا على الموجودين فيه، لم يأتوا ليهجموا على شخص معين، بل هاجموا مقرا حزبيا وتاريخا لحزب، وهذا يعني أن الحزب، ككيان معنوي، تعرض للهجوم، وليس شخصا معينا، ولا أدري كيف يمكن في ظل مثل هذه الفوضى أن نحدد هوية شخص أو أشخاص معينين، ونحملهم مسؤولية إطلاق النار على المتظاهرين، الفعل بدأ في البداية من المتظاهرين أنفسهم، فهم بادروا بالهجوم، وفي المقابل كان هناك أشخاص دافعوا عن أنفسهم، وحسب علمي كانت هناك دعوة لتسليم كل الذين حرضوا الناس على استخدام العنف، المتظاهرون بدأوا الهجوم ونتيجة لذلك عمت الفوضى.

* هل هناك نية لدى البارتي لاستعادة رئاسة حكومة الإقليم من حليفه الاتحاد الوطني الكردستاني؟

- لم نتطرق إلى هذا الموضوع بعد، وليس لدينا قرار بهذا الشأن؛ لذلك لا أستطيع التعليق عليه.

* إذن ما هو تقييمكم لأداء حكومة برهم صالح؟

- كل شخص لديه نقاط قوة ونقاط ضعف.

* وماذا عن الحديث الذي يدور داخل أوساط الحزبين (البارتي والاتحاد الوطني) حول مصير الاتفاق الاستراتيجي الذي يربطكم منذ عام 2005، فعلى ما يبدو فإن بعض قيادات وكوادر حزبية من الطرفين تعتبر حزبها هو الخاسر من التحالف السياسي الناجم عن ذلك الاتفاق؟

- ليس هناك خاسر ورابح في أي اتفاق يهدف إلى توحيد البيت الكردي، أو يوحد الخطاب الكردي، قد تكون هناك تضحيات من هذا الطرف أو ذاك، ولكن كل اتفاق يوحد الشعب الكردي تكون منافعه أكبر بكثير من مساوئه بالنسبة لعموم الشعب، فكلما توحدت الكلمة الكردية، كان ذلك في مصلحة الشعب، فنحن نعتبر تحزبنا نضالا في سبيل الشعب، وعليه فإن ما سيعود بالنفع على الشعب سيفيدنا نحن أيضا في الحزب، لأننا جزء لا يتجزأ من الشعب الذي ناضلنا من أجله، إذا كانت هناك ضريبة أو تضحية ببعض مكاسبنا الحزبية، فنحن مستعدون لتقديمها من أجل شعبنا، وبناء عليه فنحن ملتزمون بذلك الاتفاق الاستراتيجي، وبوحدة الصف الكردي.

* كردستان مقبلة على إجراء انتخابات مجالس المحافظات، فهل سيخوض حزبكم تلك الانتخابات بقائمة منفردة، أم على شكل تحالف سياسي؟

- التحالف لا يعني عدم قدرتنا على خوض الانتخابات منفردين، نحن كحزب ستكون لنا قراءتنا للوضع عند إجراء أي انتخابات، على كل حال، سنقرر كيفية التفاهم والاتفاق مع الاتحاد الوطني حول خوض تلك الانتخابات؛ لكي نختار الخطوة التي تخدم مصلحتنا، والقرار الآن سابق لأوانه، وعلينا أن ننتظر تطورات الأحداث، عندها سنقرر ما يتماشى مع مصلحتنا ومصلحة شعبنا.

* باعتباركم رئيسا لجهاز حماية أمن الإقليم، هل تحولت كردستان إلى حليف مع الدول المكافحة للإرهاب في العالم؟

- نحن نعادي الإرهاب بكل أشكاله، ونسعى لحماية شعبنا ووطننا من مخاطره، وندافع عن حياتهم وممتلكاتهم، ونعتبر ذلك من مهامنا الأساسية، ونضع حماية الإقليم فوق جميع المصالح الأخرى، ما قدرنا عليه سنفعله، وسنستمر بهذا النهج، ولن نقصر في واجباتنا لحماية أمن إقليمنا، ومنذ البداية حاول الإرهابيون توجيه ضرباتهم إلى الإقليم بهدف تعكير وضعه الأمني المستقر، وإثارة الفتنة والاضطراب، ولكن، وللحمد لله، بهمة ضباطنا وكوادرنا وجهودهم المتواصلة ليلا ونهارا، استطعنا أن نحافظ على استقرار كردستان وحمايتها من تهديدات الإرهابيين، على الرغم من أنه لا يمكن تحقيق الأمن المطلق في أي بلد في العالم، ولكن كردستان، مقارنة ببقية المناطق التي تواجه مخاطر الإرهاب، تعتبر منطقة آمنة ومستقرة، ولو نظرنا إلى موقع كردستان ضمن خارطة الدول التي تسعى لمكافحة الإرهاب، فإنه يحتل مكانا بارزا وواضحا، ونحن نفتخر بالوضع الأمني المستقر في إقليمنا، الذي أصبح فعلا قدوة ونموذجا في المنطقة، بحسب اعتراف الكثير من الأطراف المحلية والدولية.

* هل لديكم إحصائيات معينة بعدد الهجمات الانتحارية التي تمكنت مؤسستكم من إفشالها؟

- لقد أعلنا عن عدد من تلك الهجمات في وقتها عبر وسائل الإعلام المختلفة، وهناك عمليات تم إفشالها ولكن بسبب حساسية الوضع الأمني لم ننشر تفاصيلها، ولكني أستطيع التأكيد أنه كان هناك كثير من المحاولات التي تم إفشالها، والإحصائيات موجودة في المؤسسة، وما زالت التهديدات الإرهابية متواصلة، وبدورها ستتواصل جهودنا للتصدي لها، والفضل في تقليص تلك الهجمات الإرهابية يعود إلى كفاءة ضباط ومراتب الجهاز الأمني الذين يسهرون لحماية أمن الإقليم، ونحن عندما نلمس أن الناس يشعرون بالأمان والسلام، نعتبر ذلك أكبر جائزة وأرفع وسام على صدرنا.

* في هذا الإطار، أي في إطار مكافحة الإرهاب، هل تتلقون دعما وتعاونا من الأجهزة الأمنية في بغداد؟

- بالطبع هناك تعاون وتنسيق متكامل وعلى أرفع المستويات.

* ألا تعتقد أن انسحاب القوات الأميركية في نهاية العام الحالي سيكون له تأثير على تزايد العمليات الإرهابية في العراق والمنطقة عموما؟ ألا تحتاجون إلى تعاون أميركي في هذا المجال؟

- إلى الآن نحن اعتمدنا على أنفسنا، فوجود القوات الأميركية كان وما زال محصورا في مناطق أخرى من العراق وليس في إقليم كردستان، كردستان كانت محمية بيد أبنائها، سواء من البيشمركة أو الآسايش (الأمن المحلي) أو قوات الشرطة المحلية وبقية الأجهزة الأمنية، ولكن بطبيعة الحال إذا حدث أي فراغ أو اختراق أمني في أي منطقة نتعرض نحن أيضا لضغوطات، ولقد بينا موقفنا سابقا في هذا الصدد، وقلنا إن أي انسحاب أميركي من دون ضمان وصول القوى الأمنية العراقية إلى مرحلة الجاهزية، بما يؤهلها لمواجهة التحديات والتهديدات الإرهابية، سيزيد المشكلات، والأمر لا ينحصر فقط في الجانب الأمني، بل هناك احتمالات بتفاقم بقية المشكلات الداخلية إذا ما بقيت على حالها من دون حلول، ومن شأنها أن تزيد الأوضاع تعقيدا، في المحصلة، فإن هذه القوات لا بد أن تعود يوما إلى بلادها، لكن المهم هو عامل الوقت، ونحن نعتقد أن الوقت ما زال مبكرا لرحيل تلك القوات، وأن هناك حاجة فعلية لبقاء القوات الأميركية في العراق، لحين جاهزية القوات الأمنية العراقية، وتمكنها من مواجهة التحديات الأمنية والتهديدات الإرهابية.

* هل ستسمحون للقوات الأميركية بإقامة قواعد أو مراكز عسكرية في حال جرى الانسحاب من العراق؟

- هذا يحتاج إلى قرار من الحكومة العراقية بالاتفاق مع قيادة إقليم كردستان، فيجب أن تبحث أميركا هذا الموضوع مع القيادة العراقية، وتوقع اتفاقا مع الحكومة الفيدرالية، على الرغم من أننا أعلنا موقفنا بهذا الصدد، ولكن موقفنا ليس كافيا لتثبيت أي وجود عسكري أميركي في كردستان، من دون ضمان موافقة الحكومة الاتحادية.

* ألا يثير ذلك الانسحاب مخاوفكم من مصير المناطق المتنازع عليها، التي توصف بأنها بمثابة قنبلة موقوتة في العراق؟

- كنا نتمنى لو كان هناك آخرون حريصون مثلنا على مصير كردستان والعراق، فنحن لسنا وحدنا، بل هناك الكثيرون يعلمون جيدا أن ترك تلك المناطق من دون إيجاد الحلول المرضية لها، سيعقد أوضاعها أكثر فأكثر، نحن تعرضنا طوال الحقبة الماضية لاعتداءات وجرائم الأنفال والضربات الكيماوية، ولكننا دافعنا عن شعبنا، وسنظل ندافع عنه بكل ما لدينا، ولكن هناك مخاوف حقيقية من تفاقم وتعاظم مشكلات المناطق المتنازع عليها، ونأمل أن لا تحسم تلك المشكلات لصالح جهة سياسية معينة، بل لمصلحة البلد ككل، مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح السكان أنفسهم في تلك المناطق، فمن الظلم أن يصبح هؤلاء ضحايا لألاعيب السياسة.

* مشكلة المناطق المتنازع عليها تتركز، بالدرجة الأساس، على كركوك التي يعيش فيها التركمان والعرب، ولكن القيادة الكردية لم تتقدم بأي مبادرة لحوار بناء مع أبناء هاتين القوميتين في المحافظة، فلماذا لا يتقدم السيد رئيس الإقليم بمبادرة أو دعوة لمؤتمر على مستوى قوميات المحافظة؛ لترطيب الأجواء والبحث عن اتفاقات لحلول ممكنة لمشكلة كركوك؟

- لا أعتقد ذلك، لأن الحوار والتفاهم كان موجودا، فعندما شرع الدستور كان الجميع يتحاورون بشأنه، وتم إقراره بتفاهم جميع الأطراف، والجانب الكردي أبدى مرونة كبيرة ليتمكن من جني مكاسب دستورية، منها المادة 140 المتعلقة بحسم قضايا المناطق المتنازع عليها، خصوصا مسألة كركوك التي تحتل الصدارة في هذا الجانب، هذه المسألة تم وضع الحلول لها في الدستور، فما التنازلات التي يمكن أن يقدمها الكرد أكثر مما قدموا لتنفيذ تلك المادة الدستورية؟ كان بإمكان الكرد أن يحتلوا كركوك، ولكنهم رفضوا هذا المنطق؛ لأنهم في الأساس كانوا ضحية له، فلم نرد أن يصور ذلك باعتباره انتقاما من قبل الكرد، كرد فعل لما تعرضوا له طوال السنين السابقة، لقد تعرض الكرد إلى ظلم كبير في هذه المحافظة، تشرد مئات الألوف منهم، وصودرت هوياتهم، ولكن القيادة الكردية حاولت استعادة حقوقها بطريقة ديمقرطية سلمية وعبر الدستور، وما زلنا في انتظار تحقيق هذا الخيار السلمي، من ناحيتنا أبدينا مرونة كافية مع التركمان والعرب، وحان الوقت ليبدوا هم أيضا المرونة التي توصلنا إلى اتفاق بشأن تنفيذ تلك المادة الدستورية، ليست مشكلتنا أين تسكن القومية الفلانية، نحن نعتبر كركوك جزءا من جغرافية كردستان، وواضح للجميع من يعيش حاليا داخل كركوك، فإذا أرادوا أن ينفذوا المادة 140 فهناك عدة خطوات وإجراءات ينبغي تحقيقها، أولها إعادة الإخوة العرب الوافدين إلى المحافظة في إطار سياسات التعريب البغيضة، وفي المقابل إعادة الكرد والتركمان الذين هجروا منها قسرا أيضا إلى مناطقهم، ثم إعادة تصحيح الحدود الإدارية للمحافظة، وإجراء الإحصاء السكاني، ثم تنظيم الاستفتاء الشعبي ليقرر سكان كركوك مصيرهم بأنفسهم، ويجب أن ننوه بأن المرونة التي أبداها الكرد في المحافظة حققت كثيرا من المكاسب لبقية قومياتها، فبحسب نتائج انتخابات رئيس مجلس المحافظة كانت رئاسة المجلس من حق الكرد، ولكننا تنازلنا عنها لصالح الإخوة التركمان، وهذا من أجل دعم التعايش السلمي بين مكونات كركوك، وكما تعلمون فقد أصدر السيد رئيس الإقليم مؤخر قرارا بتجهيز محافظة كركوك بـ200 ميغاواط من الطاقة الكهربائية، ونعتبر هذا جزءا من التزام القيادة الكردية بخدمة أبناء المحافظة، على الرغم من أن هذا الأمر من مسؤولية وواجبات الحكومة الفيدرالية.

* إذا كان الكرد قدموا تنازلات لحل هذه الأزمة، أفلا يفترض في المقابل أن يتقدم الطرف الآخر بتنازلات مقابلة؟

- نحن نتعامل مع الحقائق بواقعية، ولذلك لا نستطيع القول إن الآخرين جميعا يعادون أو يعارضون تحقيق السلام والديمقراطية، أو لا يقدرون تلك التنازلات التي قدمناها، هناك إخوة من التركمان العرب يؤيدوننا في ذلك، وهم مستعدون لدعمنا بإلحاق كركوك بحدود إقليم كردستان؛ لأنهم يعتقدون أنهم سيستفيدون من ذلك الإلحاق من النواحي الإدارية والأمنية والسياسية، وهذا أمر صحيح، على كل حال أؤكد مرة أخرى أن إقليم كردستان سيبذل كل ما بوسعه من أجل خدمة كركوك.

* ولكن فيما عدا كركوك فهناك مشكلات أيضا مع إدارة الموصل التي أصبحت بدورها جزءا من مشكلات الإقليم مع المركز؟

- أعتقد أنه من أجل حل هذه المشكلات نحتاج من الجميع إبداء حسن النية، وأن يكون هناك إرادة حقيقية من جميع الأطراف للتعايش الأخوي والسلمي، وبالمحصلة، فلا أعتقد أن هناك أي مشكلة أو نزاع غير قابل للحل، وقد يحتاج بعضها إلى بعض الوقت، ولكن ينبغي أن أشير إلى أن موضوع الموصل يختلف كثيرا عن كركوك، فهناك مناطق ذات أغلبية كردية يطالب الكرد بإدارتها، وهذا من حقهم، نأمل أن تحل المشكلات القائمة حاليا بين قائمتي التآخي والحدباء، وأعتقد أن الانتخابات المقبلة قد تأتي معها بحلول لهذا الخلاف في الموصل، ولكن المشكلة الأساسية تكمن في المناطق المتنازع عليها التي يفترض أن تحل عبر الدستور، باتفاق بين الحكومتين الإقليمية والاتحادية، وبالعودة إلى آراء السكان أنفسهم.

* أثارت الدعوات بإقامة ثلاث مناطق فيدرالية في العراق ضجة كبيرة في الأوساط السياسية، زادها سعيرا التصريحات الأخيرة لرئيس البرلمان العراقي، أسامة النجيفي، الذي دعا إلى إقامة إقليم فيدرالي سني في العراق، وقد انفرد الكرد بتأييد تلك الدعوة، فهل تعتقدون أن إقامة إقليم فيدرالي آخر في العراق سيقوي مركزكم، وسيكون بمثابة ضمانة استمرارية لتجربة إقليم كردستان العراق؟

- ردود الفعل الرافضة لتلك التصريحات والأحاديث كانت مزاجية أكثر منها سياسية ومنطقية، فهذا الأمر ليس بيدنا ولا بيد غيرنا، هناك دستور يقر إقامة الأقاليم الفيدرالية في العراق إذا كانت بطلب من المواطنين أنفسهم، في هذه الحال يجب أن نحترم خيارات المواطنين، وإن أي معاداة لذلك تعني بالضرورة معاداة الدستور، إذا طلب سكان أي منطقة أو محافظة أن يتحولوا إلى إقليم فيدرالي، فلا نستطيع ولا أي أحد من العراقيين أن يمنعهم هذا الحق الدستوري الواضح والصريح، ونحن نعتقد أن ما يحق لنا يحق لغيرنا أيضا، والدستور أعلى وأرفع من تصريحات هذا الشخص أو ذاك، ولذلك فإن إنشاء إقليم جديد في العراق، في رأينا، حق دستوري خالص لجميع مواطني محافظات العراق.

* صدر عن البرلمان الكردستاني قانون بتوحيد المؤسسات الأمنية في إقليم كردستان، إلى أين وصلت جهود توحيد مؤسستي الاستخبارات في كردستان (الباراستن وزانياري)؟

- قانون مؤسسة الأمن الداخلي صدر في البرلمان بالأغلبية، وقد صدق عليه السيد رئيس الإقليم، والجهود متواصلة وفي مراحلها الأخيرة، وهناك قانون آخر صدر في هذا المجال أيضا، وهو قانون مجلس الأمن بالإقليم، للتنسيق فيما بين الأجهزة الأمنية، وتنظيم الشؤون بين رئيس الإقليم والمؤسسات الأمنية، ويحدد القانون السياسة الأمنية في الإقليم، ويحدد أسلوب عمل الأجهزة الأمنية، أما مؤسسة الأمن الداخلي فستكون تابعة لرئاسة مجلس الوزراء، ومؤسسة الاستخبارات العسكرية تابعة لوزارة البيشمركة، ووكالة الباراستن والزانياري تابعة لرئيس الإقليم، وسيكون مسؤولو هذه الأجهزة أعضاء في مجلس الأمن لإقليم كردستان، الذي يتبع رئيس الإقليم؛ لكي يسهم الجميع في صياغة وإدارة شؤون السياسة الأمنية في كردستان.

* دعونا نسألكم بصراحة، جهازا الباراستن والزانياري كانا في صراع استخباري مرير طوال أكثر من خمس وثلاثين سنة، فهل تعتقدون في إمكانية تعايش هذين الجهازين موحدين تحت جهاز واحد تحت إمرة رئيس الإقليم؟

- جهاز الباراستن تشكل منذ بداية ثورة سبتمبر (أيلول) التحررية التي انطلقت عام 1961، صحيح أننا تعرضنا لمشكلة الاقتتال الداخلي، وانشطار إدارة الحكومة، لكن الأجواء ملائمة حاليا لتوحيد الجهازين، والحمد لله هناك تفاهم جيد بيننا، ورغبة مؤكدة للعمل المشترك.

* هل ستتولى رئاسة مجلس أمن الإقليم؟

- لم يجر الحديث بهذا الشأن، ولم يحدد بعد الأشخاص الذين سيتولون المسؤولية في هذا المجلس، وبالتأكيد سيتم اختيار الخبراء والشخصيات الكفؤة العاملة في هذا المجال لإدارة شؤون المجلس، ولا يهم من أي جهة كانوا.

* حصل شعب جنوب السودان على استقلاله وشكل دولته المستقلة، هناك بعض المراقبين الذين يقولون إنه سنحت فرصة مماثلة للشعب الكردي عقب سقوط النظام السابق عام 2003 لإعلان دولتهم المستقلة، فهل أنتم نادمون على تفويت تلك الفرصة؟ وهل تعتقدون أنه ما زالت هناك فرص أخرى للشعب الكردي لتشكيل دولته المستقلة؟

- في البداية أهنئ شعب جنوب السودان باستقلالهم وتشكيل دولتهم، فإعلان الدولة هناك يعتبر تجسيدا حيا لتحقيق إرادة الشعوب، وهو نموذج مناسب للاحتذاء به من قبل بقية الشعوب التي لم تنل حريتها بعد، ولكن لو حاولنا نحن خلال ذلك العام بمطالب أكثر وفشلنا في ذلك، لتغيرت نظرة هؤلاء المراقبين, ولقالوا إن الكرد لم يقتنعوا بحقوقهم وطالبوا بحقوق أكبر؛ لذلك ضيعوا على أنفسهم كل شيء. ولقد قيل الكثير في هذا المجال، ولذلك لا يستطيع الإنسان أن يقيم التاريخ إلا عندما يعيش مراحله، وأنا لست مع الذين يعتقدون أن الكرد فوتوا على أنفسهم تلك الفرصة.

* أين تكمن المشكلة إذا ما أراد الشعب الكردي أن يشكل دولته المستقلة؟

- نحن نرحب بكل من يدعم هذه السبيل، وأنا أؤيد حق الشعب الكردي في الاستقلال، ولكن عندما نخطو مثل هذه الخطوة، فيجب أن نتأكد أولا هل سننجح في تحقيقها، إذا كانت الأجواء مناسبة وكان هناك دعم دولي لإعلان الاستقلال، فليس هناك كردي لا يرغب في ذلك، في تصوري أن وضع جنوب السودان يختلف كثيرا قياسا إلى وضع كردستان، فما سنح لهم لم يسنح بعد للشعب الكردي، والدعم الذي تلقاه الشعب الجنوبي السوداني لم نتلقه نحن بعد، خصوصا الدعم الدولي، وأنا ككردي أتمنى أن يأتي يوم ويستقل فيه شعبي.

* هناك حراك شعبي في المنطقة ضد الأنظمة الديكتاتورية، وهناك احتجاجات تعم بعض الدول المجاورة لكردستان، وعلى الخصوص سوريا التي انطلقت فيها الأحزاب الكردية بشكل لافت للنظر، فهل لديكم أي اتصالات مع تلك الأحزاب؟ وهل تقدمون أي شكل من أشكال الدعم لإخوانكم الكرد في سوريا؟

- سياستنا هي أننا لا نتدخل في شأن أي دولة، ولكننا ندعم الحقوق القومية المشروعة للكرد أينما كانوا في العالم، أما شكل وأسلوب تحقيق تلك الحقوق فهو عائد للشعب الكردي نفسه في تلك البلاد.

* وماذا عن أكراد تركيا؟

الأوضاع هناك تختلف، كانت هناك خطوات إيجابية نأمل أن تتواصل وتتعزز بخطوات أفضل على طريق حل القضية الكردية هناك، عندما يقرر المرء موقفه من أي صراع في أي دولة، يجب أن لا ينظر إليها من زاوية واحدة أو بمنظار واحد، بل عليه أن يدرس ويقيم مواقف جميع الأطراف، ما نراه في تركيا أن هناك انفتاحا مهما، قياسا إلى السنوات السابقة من قبل الحكومة التركية على القضية الكردية في البلد، ولكن لا شك في أن ذلك أقل مما هو مطلوب، ولكني أعتقد أن الخطوات السلمية إذا استمرت سنحت فرص أكبر لحل القضية الكردية هناك.

* إيران في الوقت الذي ترفع من حجم تبادلاتها التجارية مع العراق، تشن بشكل مستمر هجمات بالمدفعية الثقيلة على مناطق كردستان العراق، فما موقفكم من ذلك؟

- لا نعتقد بوجود أي مبرر لقصف المناطق الحدودية، ونحن ندين ذلك القصف؛ لأنه يطال أناسا كادحين ومزارعين فقراء، ومن جهتنا فنحن نأمل أن تتطور علاقاتنا السياسية والاقتصادية مع جميع دول الجوار، ولكن على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

* باعتباركم رئيسا لجهاز استخبارات الإقليم، هل تجدون حقيقة في مزاعم إيران استهداف عناصر حزب بيجاك الكردي في المناطق التي تقصفها المدفعية الإيرانية؟

- ما رأيناه لحد الآن هو وجود مجموعة من الرعاة يرعون مواشيهم في المنطقة، وعلى العموم فمن غير الممكن تسوية الحسابات مع حزب معارض من خلال قصف بالمدافع، فلا يجوز قصف مناطق رعوية في الإقليم يتضرر منها الفقراء والكادحون؛ لأن هذا خطأ كبير، فلا يجوز أن يدفع سكان كردستان ضريبة ذلك الصراع.

* هناك تقارير دولية متتابعة تصدر عن منظمات معنية بحقوق الإنسان والصحافيين، تشير إلى وجود أزمة حقيقية بين الأجهزة الأمنية والصحافة والإعلام عموما في الإقليم، فما موقفكم من تلك التقارير؟

- أنا لا أحب الحديث بمقياس تلك الصحف، فالعتاب في هذا الشأن لا يأتي من جميع الصحف، وقد يكون هناك بعض الأشخاص داخل الإعلام يوجهون إلينا مثل هذا العتاب، لذلك فأنا أريد أن أوضح بعض الأمور، إذا كانت لمؤسسة إعلامية علاقة بمؤسسة أمنية قيل إنها تابعة للسلطة، وأنا لا أستطيع أن أعلق على شيء لا أساس له، ففي أي جهة أو موقع حدثت انتهاكات تحققنا منها، فهناك الكثير من الأقاويل حول عدم رغبة المؤسسة الأمنية بإقامة علاقة جيدة مع الإعلام، ولكن على العكس من ذلك تماما، فنحن نتمنى أن تكون هناك علاقة صحية بيننا، ومع ذلك فهناك الكثير من القضايا التي يجب أن لا تنشر في الصحافة، ودعني أقل إن هناك ظلما كبيرا يمارس ضد المؤسسات الأمنية، مع أنه في أي مكان كانت هناك حاجة لتعاون المؤسسة الأمنية أدينا دورنا فيه، فهناك بعض التقارير الدولية، التي غالبا ما تنشر بشكل غير محايد وغير علمي، ولم تكن هناك متابعة دقيقة حول معلوماتها، بل إنها تنقل أقاويل أطراف المعارضة كأساس لتلك التقارير، ونحن سنكون سعداء جدا إذا لقينا التعاون من أي طرف كان لتأشير الأخطاء، لأن هدفنا هو خدمة الناس، بمن فيهم الصحافيون، والأجواء المتوفرة حاليا بكردستان تستفيد منها جميع الأطراف، وفي ظل هذه الأجواء من الحرية والديمقراطية توجه المعارضة وبعض الصحافيين انتقاداتهم العنيفة ضد السلطة.