«تطوير الرياض» تلجأ لمعايير استدامة المباني القديمة والتاريخية

لتحقيق متطلبات التطوير الحضري والنهوض بقيم وجمالية التراث العمراني

TT

عمدت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، إلى استخدام نهج جديد ليتجاوز آلية الحفاظ على التراث، لتفعيل أعمال ترميم المباني الطينية القديمة، وفق معايير علمية، تجسد على أرض الواقع، وتتضمن استدامة أثره في نفوس المجتمع.

ووجهت الهيئة العليا بإدراج العمارة التراثية في جميع برامج التطوير، التي تقوم عليها ضمن إطار معاصر، وتبني برامج متخصصة تعنى بالتنمية التراثية، وتتكون من عدة مسارات تعمل على العناية بالمنشآت التراثية في المدينة.

وتجاوبت هيئة تطوير الرياض لمتطلبات تطويرية أساسية في تطوير تراث العاصمة، كان من ضمنها إبراز الوجهة السياسية الوطنية للرياض كعاصمة للبلاد، وتحقيق متطلبات التطوير الحضري بتأكيد عنصر الهوية العمرانية للمدينة، بالإضافة إلى النهوض بقيم وجمالية التراث العمراني للرياض، وتلبية متطلبات التطوير الاستراتيجي لاقتصاد المدينة، بما يشمل متطلبات التنمية السياحية، التي تعتمد على تطوير العناصر التراثية والتاريخية في المدينة.

كما استخدمت أسس التنمية الثقافية والتنمية الاجتماعية، التي تعتمد في جوانب كثيرة منها على تطوير القيم المعنوية، وإبراز الهوية العمرانية للمدينة، فضلا عن تأمين صيغ جديدة لتفعيل التراث العمراني بشكل يضمن استدامة أثره في المجتمع، في ظل النهضة العمرانية الحديثة.

وركز عمل الهيئة في مجال العناية بالتراث العمراني على محورين أساسيين، تضمن متطلبات تنمية العمارة التراثية للمدينة في جميع برامج التطوير التي تقوم عليها الهيئة في إطار معاصر، وذلك بعد تطوير المفاهيم الأساسية التي قامت عليها العمارة التراثية في مجالات التخطيط العمراني، والتصميم المعماري، وتقنيات الإنشاء والمواد المستخدمة في البناء، للمواءمة بين متطلبات التطوير العصرية، ومتطلبات التنمية المعمارية التراثية.

وأخذت هيئة تطوير الرياض، تنشئ برامج منتشرة في كل أرجاء العاصمة، ابتداء بالمنطقة المركزية في حي السفارات، وإسكان منسوبي وزارة الخارجية، ومرورا بمنطقة قصر الحكم، ومركز الملك عبد العزيز التاريخي، ومشاريع المساجد التي أنشأتها الهيئة في مواقع مختلفة من الرياض مدينة ومنطقة، ومقار المحكمة العامة والمحكمة الجزائية، وصولا إلى برنامج تطوير وادي حنيفة، ومشروع تطوير الدرعية التاريخية.

وتركز المحور الثاني على برامج متخصصة تعنى بالتنمية التراثية، تكونت من مسارات مختلفة، تصب جميعها في خانة العناية بالمنشآت التراثية في المدينة، واشتملت على الدراسات والأبحاث والمسوحات الميدانية للجوانب التراثية في المدينة التي نفذتها الهيئة، من بينها دراسة شاملة للمباني التراثية في الرياض، تضمنت إجراء رفع مساحي لأكثر من 15 ألف مبنى تراثي قديم في المدينة، من بينها 100 مبنى يحمل قيمة تراثية وطنية، ومسح للمنشآت التراثية على طول امتداد وادي حنيفة، تمهيدا لتطويرها في مرحلة لاحقة، فضلا عن إصدار الهيئة للمطبوعات، وعقد ورش العمل والدورات المتخصصة في جوانب العمارة التراثية المحلية وتطبيقاتها الحديثة، وتبادل الخبرات والتجارب مع المؤسسات العلمية والجهات المعنية بهذا الجانب.

وركزت الهيئة العليا لتطوير العاصمة على الأنظمة والتشريعات في التنظيمات الحضرية، الكفيلة بالحفاظ على المنشآت التراثية ونسيجها العام في المدينة، من بينها إجراء مسوحات استعمالات الأراضي في المناطق الخاصة (ومنها المناطق التراثية)، ووضعت مرجعية لإعادة البناء والاستخدام والتطوير في المناطق الخاصة، كوادي حنيفة ومنطقة الثمامة ومناطق المحميات.

وأولت الأهمية لجانب الأبحاث والتجارب التطبيقية، وبرامج التطوير الحضري التراثي، ونفذت مجموعة من برامج التطوير الحضري الاستراتيجي ذات الطبيعة التراثية، والقيمة الوطنية العالية في المدينة، ومن هذه البرامج، برنامج تطوير منطقة قصر الحكم، الذي استخلص قيم العمارة التراثية المحلية في مبانيه، عبر إعادة تأهيل مبانيه التراثية ومعالمه الأثرية، كقصر المصمك، وجامع الإمام تركي بن عبد الله، وقصر الحكم، ومسجد الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والمحكمة العامة، والمحكمة الجزائية، وسوق الزل، لتؤكد على الهوية العمرانية والتخطيطية للمنطقة بوجه خاص، وللمدينة عموما.

إلى ذلك قدم مركز الملك عبد العزيز التاريخي، مستويات مختلفة في إحياء وإعادة تأهيل العمارة التراثية، من خلال منشآته التي تحمل قيمة ثقافية وتراثية وطنية، ومن بينها «المتحف الوطني، ودارة الملك عبد العزيز، قصر المربع، جامع الملك عبد العزيز، مسجد وحديقة المدي، فرع مكتبة الملك عبد العزيز العامة، قاعة الملك عبد العزيز للمحاضرات، مجموعة المباني الطينية، قصر الحمراء، برج المياه، ومجموعة متنوعة من الحدائق الرئيسية والساحات العامة والميادين»، وقد شكلت هذه المنشآت في مجموعها القلب الحضاري النابض بالثقافة والتراث في وسط الرياض.

ويجري العمل حاليا على برنامج تطوير الدرعية التاريخية، الذي سيتم من خلاله تحويل المناطق الأثرية والتراثية في الدرعية إلى مركز ثقافي وحضاري رئيسي على المستوى الوطني، وجعل أحياء الدرعية التاريخية والقديمة، نواة ومحورا للتطوير العمراني والثقافي، مع الحفاظ على المقومات البيئية الطبيعية، ليكون نموذجا لعمران الواحات.

ووضعت الهيئة منذ وقت مبكر، برنامجا تطوير حي الدحو، لتنظيمات كفيلة بتطويره وتأهيله، للمحافظة عليه، وترميمه، وتأهيله لاستخدامات مناسبة، لما يمثله الحي من كونه آخر ما تبقى من أحياء الرياض القديمة والتراثية، وما يجسده من النمط العمراني السائد قديما في المدينة، فضلا عن سعي المشروع لتحويل الحي إلى مركز جذب للأنشطة التراثية والتجارية.