الدكتور ديفيد سرفان شريبر باع ملايين النسخ من كتابه عن التغذية المقاومة للسرطان

المرض الخبيث يودي بالطبيب الفرنسي الذي أراد مصارعته

TT

ثلاثة كتب شكلت علامات فاصلة في حياة الطبيب ديفيد سرفان شريبر، العالم الفرنسي الذي توفي في منزله بباريس، أول من أمس، عن 50 عاما. فقد نشر الراحل، في السنوات القلائل الماضية، كتابين روى فيهما تجربته الخاصة في مقاومة مرض السرطان. وعندما انتكست صحته وعاوده المرض، نشر في الشهر الماضي كتابه الأخير الذي كان بمثابة وصية في الأمل، عنوانها: «يمكننا أن نقول وداعا عدة مرات».

لم تأت شهرة المؤلف، الذي تصدرت كتبه المراتب الأولى في قوائم المبيعات وترجمت إلى لغات عدة، من كونه طبيبا نفسيا وباحثا شابا يحمل الدكتوراه في العلوم ويعمل في أرقى المراكز الأميركية ويدرّس في جامعاتها، بل جاءت، أيضا، من كونه سليل أسرة سياسية معروفة وأحد الأبناء الثلاثة للصحافي جان جاك سرفان شريبر، مؤسس مجلة الـ«إكسبريس» الباريسية في ستينات القرن الماضي، مع زميلته وحبيبته الصحافية الشهيرة فرانسواز جيرو.

درس سرفان شريبر الطب في فرنسا ثم سافر إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث تم تعيينه أستاذا مساعدا للطب النفسي في كلية الطب بجامعة بيتسبرغ. وسرعان ما أصبح مديرا لقسم الطب النفسي في المستشفى الجامعي بين عامي 1997 و2001. وكان من بين الأبحاث التي قام بها دراسة تأثير العقاقير الخفيفة الجانبية، كالأعشاب، على المرضى الذين يعانون من اضطرابات نفسية. ولما عاد إلى فرنسا، نشر كتابا عن تلك الأساليب العلاجية التي لا تعتمد على الأدوية التقليدية؛ بل على تفهم كل مريض للحالة التي يعاني منها وتصديه للمرض بطريقته الخاصة، من خلال نصائح لتمارين نفسية وفكرية ترفع من المعنويات. وكان المؤلف يروج لنظرية تقوم على آلية للتفكير في عقل كل مريض، ترشده إلى ما يناسبه من علاج وتقويه في مجابهة المرض. وسرعان ما حقق الكتاب شهرة عالمية وتجاوزت مبيعاته المليون وربع المليون نسخة وترجم إلى 28 لغة.

كان الطبيب الشاب والغني والوسيم قد اكتشف، بالمصادفة، أنه يعاني من مرض خبيث في الدماغ. فقد كان يتطوع لتجربة أجهزة الفحص المقطعي الجديدة، مع طلبته، عندما أظهرت الصور وجود ورم في رأسه. ولم يحتمل سرفان شريبر، سليل الأسرة التي اشتهرت برجال ونساء من الناجحين والناجحات، أن يستسلم لفكرة الموت وقرر أن يشن على المرض حملة مضادة، نفسية وجسدية. وفي عام 2007، نشر كتابه الثاني المعنون «ضد السرطان»، وهو الكتاب الذي تجاوزت مبيعاته المليون نسخة، أيضا.

في هذا الكتاب، روى تجربته مع المرض الخبيث وخضوعه للجراحة والعلاج الكيماوي، مع تركيز خاص على دور المريض في تطوير أساليبه الدفاعية الخاصة التي لا بد منها كخطوة أساسية لنجاح العلاج التقليدي. وتقوم الطريقة المقترحة على تغيير أسلوب الحياة وعلى وصفات غذائية معينة، أهمها عنصر «أوميغا 3» الموجود في بعض الأسماك، لكبح تقدم المرض وانتشاره في خلايا الجسم. وكان من أبرز عوامل نجاح كتب الدكتور ديفيد سرفان شريبر ورواجها بين قراء من مختلف الثقافات والجنسيات أنهم كانوا يجدون فيها شرحا مبسطا لحالاتهم المستعصية، مع نصائح علاجية لا يرقى إليها الشك باعتبارها صادرة عن طبيب نجح شخصيا في التغلب على السرطان لعقدين من الزمن.

ثم دقت ساعة الحسم. وأظهرت تحاليل أجراها قبل سنتين أن الورم قد عاد إلى رأسه، وراح يضغط على المراكز المختلفة في الدماغ بحيث أصيب بفقدان القدرة على النطق وبات شبه مشلول في أشهره الأخيرة. ومن وسط تلك المعاناة، كانت المعركة الأخيرة للطبيب الفرنسي هي أن يكتب كتابه الذي جاء بمثابة السيرة الذاتية المفعمة بكل معاني الأمل والحب والجمال والتغني بالصداقات وبالعائلة.. ففي مواجهة الموت القريب، كان لا بد له من الاستعانة بكل القيم الأصيلة في الحياة لكي يواصل شهادة صادقة مع قرائه الذين آمنوا بقدراته الخارقة، قبل النكسة النهائية. ومما قاله في الكتاب أنه واصل السفر والمشاركة في المؤتمرات الطبية وإلقاء المحاضرات وممارسة رياضة الاسكواش 3 مرات في الأسبوع، حتى أشهر قلائل من الوهن الكامل. وأضاف: «اليوم أدرك أن الموت هو جزء من مسيرة الحياة ولا ينجو منه أحد، وهو ليس عقوبة ولا ظلما، والفارق الوحيد يكمن في ساعة مجيئه». وفي وصيته هذه، دعا الطبيب، الذي انطفأ قبل يومين، قراءه إلى التمتع بالعيش والإسراع في إنجاز الأمور المهمة التي عليهم الانتهاء منها، لئلا يفارقوا الدنيا مع مرارة الندم.