«حدائق» واجهات المنازل تنتشر في أزقة أصيلة.. والأطفال وربات البيوت يتنافسون للاعتناء بها

نباتات وورود وأحيانا عصافير ملونة مغردة على واجهات جميع المنازل والشقق

TT

ثمة ظاهرة لافتة في مدينة أصيلة، تكاد تميزها عن باقي المدن المغربية، وهي ظاهرة الشوارع والأزقة التي تتحول إلى «حدائق» بمبادرات من السكان أنفسهم، حيث يحرصون على زراعة النباتات والورود في مزهريات ووضعها أمام مداخل المنازل، أو في الشرفات، إلى حد جعل هذه الواجهات تصبح «حدائق» حقيقية.

الاعتناء بواجهة المنازل وتزيينها ظاهرة مغربية عريقة، والواجهة تحظى بالاهتمام نفسه الذي يحظى به المنزل نفسه، وكانت هذه الظاهرة منتشرة في المدن العتيقة، حيث تتزين أبواب المنازل بأنواع مختلفة من النباتات والورود التي تعتبرها ربات المنازل جزءا ضروريا من جمال منازلهن ورقي ذوقهن، لكن هذه الظاهرة لم تعد منتشرة كما كانت في السابق. بيد أن أصيلة تعتبر الآن نموذجا في هذا المجال، حيث حافظت على هذه العادة، وفي هذه المدينة الشاطئية، تختلط خضرة النباتات وألوان الورود مع اللونين الأزرق والأبيض، وهما اللونان الطاغيان اللذان تدهن بهما جدران المدينة ومنازلها، وتضاف إليهما ألوان الجداريات التي يرسمها تشكيليون عالميون مع بداية كل موسم ثقافي، حيث تجسد معظم أزقة المدينة رؤى وإبداعات الكثير من الفنانين المغاربة والأجانب، كل بألوانه الذاتية التي تكسر في الغالب طابع المدينة المحافظ على ثنائية الأزرق والأبيض، عبر ألوان جريئة أحيانا، ودافئة في كثير من الأحيان.

وبات جميع سكان المدينة يسعون للفوز بجائزة البيئة التي تقدم في ختام الموسم الثقافي سنويا، وذلك بالتفنن في تنسيق وتنويع «حدائق» الشوارع والأزقة. كما باتت الظاهرة حافزا للسكان للحفاظ على أحياء المدينة القديمة ونظافتها اللافتة، حيث يتنافس حتى الأطفال على تزيين واجهات بيوتهم بالأغراس والنباتات والورود. جائزة البيئة هذه السنة منحت لكل من «السعدية قرباب» و«فدوى مصباح» و«فاطمة الغيدوني» و«رحمة الفرجاني»، وجميعهن ربات بيوت يسكن في «حي الزرقطوني»، وهو أحد أحياء أصيلة الشعبية، حيث قررت لجنة الجائزة أن واجهات منازلهن، وبسبب «الحدائق» الصغيرة، حصلت على تصنيف أفضل واجهات منازل في المدينة. وكانت اللجنة التي شكلتها «مؤسسة منتدى أصيلة» وتنظم الموسم الثقافي سنويا، جالت في الأزقة لتصنيف الأفضل، وخلصت إلى أن الزقاق الأكثر جمالا وأناقة هو الموجود في حي «الزرقطوني»، حيث كان هناك إجماع من طرف أعضاء اللجنة وكذلك سكان الحي. ومن يتجول في أزقة أصيلة يلاحظ أن هناك مجهودات كبيرة تبذل في المجال البيئي حفاظا على جمال المدينة. وأسهمت طبيعة المنازل القديمة بشكل كبير في ترسيخ هذه العادة حيث غالبا ما تتوسط هذه المنازل التي شيدت على الطراز القديم، باحة واسعة توجد بها نافورة صغيرة، تتزين بالنباتات، وهي بديل عن الأزقة الضيقة القديمة ومنفذ للهواء وأشعة الشمس وفضاء للأسرة لقضاء فترة المساء في مكان طبيعي ومنعش.

والاعتناء بالفضاء الخارجي للمنازل لا يقتصر في أصيلة على البيوت في المدينة القديمة، بل يشمل الأحياء الحديثة وحتى العمارات والشقق، التي لا تتوفر على باحات واسعة وسطها ولا يتوافر كل ساكن على واجهة خاصة به، لكن السكان ما زالوا يحافظون على الواجهة المشتركة بحلة بهية مزينة بعدد من النباتات والأزهار المختلفة الألوان.

سكان أصيلة الذين يسكنون في بنايات وشقق حديثة وجدوا بدورهم لأنفسهم فضاءات مبتكرة لوضع النباتات ومزهريات الورود، حيث استعان البعض بالنوافذ التي أصبحت مكانا للمزهريات الصغيرة المعلقة في أسلاك النوافذ الحديدية، في حين ارتأى آخرون استغلال الشرفات المطلة على الشوارع، كما هو شأن معظم المغاربة الذين يستغلون هذا الفضاء الذي أصبح حاضرا في جميع الشقق السكنية الجديدة لوضع الأغراس وتزيينها ابتداء من النافذة المطلة عليه مرورا بفضاء الشرفة الداخلي ووصولا إلى حافته المطلة على الشارع والتي غالبا ما تضم أجمل الورود لتبرز مدى اعتناء وذوق أهل البيت بجمال ورونق ببيوتهم، ويضاف إليه أحيان قفص للعصافير الملونة والمغردة حتى تكتمل جمالية الفضاء الطبيعي.