«الولبة».. زهر مشكل لا يزين إلا نساء جازان

تناقلته الأجيال من تراث قديم تتفرد به نسوة المنطقة

«ولبة» الجازانيات في جنوب السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

تعرف المرأة في المملكة العربية السعودية منذ القدم بتميز زينتها وملبوساتها وثيابها. ففي كل منطقة هناك طابع خاص تتميز به، إما بثوب نسائي فريد من نوعه، أو طريقة تزيين خاصة، لكن في الغالب تكون هذه الإضافات أو اللوازم الجماليات مستقاة من التاريخ والإرث الخاص لكل منطقة.

المرأة الجازانية (نسبة إلى جازان بأقصى جنوب غربي المملكة)، على سبيل المثال، تمتاز بلوازم زينتها العربية الأصيلة، التي تعدها تأهبا لحضورها مناسبات معينة، وهي تفتخر بها كثيرا وتعتبرها إرثا عظيما لا تتخلى عنه، ومن أبرز هذه اللوازم «الولبة».

«الولبة» من أنواع تشكيلات الزهور التي توضع على رأس المرأة وتتميز بطولها، ولقد غدا اللجوء إليها من العادات المهمة في منطقة جازان، كونها تضفي على المرأة الجازانية شكلا جماليا ورائحة عطرية جذابة في آن معا.

ترتدي المرأة الجازانية «الولبة» في المناسبات المهمة، كالأعراس والحفلات الكبيرة المميزة. و«تولب» العروس في الليلة الثالثة من ليالي زفافها، بعدما تزين أيديها وأقدامها بنقش الحناء في الليلة الأولى من الزفاف. ويشاركها «التوليب» أهالي العريس ووالدتها وبعض الأصدقاء، ومن النادر جدا وجود مناسبة عرس تخلو من هذه العادة.

والواقع أن لـ«الولبة» طريقة عمل تحتاج إلى من تتقنها بل وتحترفها، وحقا هناك نساء يحترفن هذه المهنة، وتعتبر بالنسبة لهن مصدر دخل مادي يعول عليه، خصوصا، في مواسم بعينها، كالإجازات الصيفية التي تكثر فيها مناسبات الأعراس.

شريفة عيسى، مواطنة من بنات جازان، تحترف هذه المهنة منذ نحو 4 سنوات، وهي ترى أن النساء يقبلن بكثرة على «الولبة» في مختلف المناسبات المهمة كالأعراس وعقود القران، وكن قديما يقبلن عليها في الأعياد أيضا.

وعن أسعارها، ترى شريفة أن السعر يعتمد عموما على مستوى سعر زهر الفل، الذي يعد المكون الأساسي لـ«الولبة»، وبناء عليه فـ«الولبة» العادية قد تبلغ تكلفتها 300 ريال (80 دولارا أميركيا) شاملة احتساب تكلفة العمل اليدوي والمكونات الأخرى، أما «ولبة» العروس فتتراوح تكلفتها ما بين 500 ريال (133 دولارا) و1500 ريال (400 دولار) على حسب طلب العروس، وطول مدة العمل التي تستغرقها الواحدة منها، تبعا لاحترافية التي تعمل على حياكتها وصناعتها وهي تتراوح ما بين نصف الساعة والساعة الكاملة.

وأضافت شريفة عيسى خلال حديثها مع «الشرق الأوسط» عن «الولبة» أنه «عند الدخول في التفاصيل نجد أن طريقة عمل الولبة يسبقها البدء بما يسمى (العظية)، وهي من الأساسيات المطلوبة لـ(الولبة)، وبعض النساء يفضلن العظية ذات الرائحة العطرة، ويمكن لإحداهن أن تحافظ على عظيتها ما يقارب اليومين».

وبالمناسبة لـ«العظية» فهي عبارة عن لحاء أعواد الأشجار، وخاصة أشجار العروج والقطف، وتؤخذ من أشجار العروج التي تشتهر بها جازان. وتبدأ طريقة الإعداد الطويلة بجمع هذا اللحاء الذي يسمى «القشع» ويترك لكي يجف تماما مع أنه أصلا شبه جاف. ويعقب ذلك دقه في «الملكد» - أي الطاحونة الخاصة - حتى يصبح قطعا صغيرة. ومن ثم يوضع في إناء مصنوع من الطين يسمى «المشهف»، ثم يوضع «المشهف» على النار ويقلب حتى يتحول إلى اللون البني. وبعد ذلك يطحن على المطحنة طحنا جيدا حتى يصبح أشبه بالدقيق، فيتحول لونه إلى اللون البني الغامق.

من جانبها، تقول فاطمة إبراهيم: إنها حجزت «المولبة» شريفة قبل نحو 4 أشهر لحفل زفاف أخيها، لتقوم بتغطية بنات عائلتها، مشيرة إلى أنه من المستحيل أن يتم هذا الفرح دون قيام كل بنت من بنات العائلة بعمل «التوليبة». وأعربت فاطمة عن فخرها بهذه العادة الجميلة المتوارثة منذ القدم، مضيفة أن «العائلات التي تأتي من خارج المنطقة لحضور مثل هذه المناسبات تنبهر بهذه العادة، وبعضها يأتي قبل المناسبة بوقت كاف، ويندمج معنا في صفوف الانتظار كل عائلة لعمل توليبتها».