محسن العواضي فنان تشكيلي تونسي متميز هوايته رسم الوجوه

بعض الوجوه طمسها العهد السابق

TT

لا يدري من يزور معرض الفنان التشكيلي التونسي محسن العواضي أن كان قد صادف في السابق بعض الوجوه السياسية والفنية المعروضة في فترة سابقة، أو أن كانت تلك الوجوه تعكس صورة مغايرة لما نعرفه عن تلك الشخصيات.

العواضي اختار أن يعيد رسم بعض الوجوه التونسية المعروفة في عوالم الفن والأدب والسياسة وهو على دراية كاملة بأن ما يرسمه سيثير الزائرين لمعرضه، الذي احتضنته دار الثقافة، ابن رشيق وسط العاصمة التونسية.

الكم الهائل من الوجوه يجعل المرور صعبا دون التدقيق فيها ومقارنتها مع تلك الصور التي نحملها في مخيلتنا حول بعض الشخصيات السياسية والنجوم الفنية والأدبية. العواضي التقته «الشرق الأوسط» خلال معرضه الأخير، ووجّهت له بعض الأسئلة والاستفسارات حول تجربته الفنية في عالم رسم الوجوه، أو «البورتريه»، الصعب والمثير في آن معا.

يقول العواضي «اخترت هذا الفن الصعب منذ ثماني سنوات خلت، واعتبر نفسي مكتشفا لبعض الوجوه حين أعيدها من جديد إلى الساحة، في ما يشبه عملية إنصاف لشخصيات أراد العهد السابق (في تونس) أن يطمس آثارها الفنية والسياسية».

وفي الواقع، العواضي من الرسامين «المشاكسين»، إن صح التعبير، وهذا على الأقل ما يقوله هو عن نفسه. ويتابع «لقد عرضت في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي مرة واحدة عام 1989، ومن يومها أغلقت في وجهي الأبواب، وما عدت أجد لي فضاء ثقافيا يجرؤ على استضافة أعمال فنية التي تدعو إلى التدبر والتفكير على غرار (بورتريه) للحبيب بورقيبة الرئيس التونسي الأسبق الذي أزاحه بن علي من الحكم، أو (بورتريه) صالح بن يوسف الزعيم السياسي التونسي الذي عارض نظام بورقيبة في بداية استقلال تونس عام 1956 وكان مصيره الاغتيال. مثل هذا التوجه المتحرر والمستقل عن عالم السياسة لم يكن يرضي النظام السياسي القائم لذلك كان مصيري التضييق وخنق الأنفاس».

غير أن محسن العواضي رسم وأجاد عبر «البورتريه» رسم الأديب التونسي محمود المسعدي صاحب الكتاب الأدبي المهم «السد»، وانتقل إلى رسم الفنانة التونسية صليحة، كما رسم كذلك «بورتريه» للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، ولم ينس التذكير بالصورة بالشيخ التونسي محمد الفاضل بن عاشور.

وعن تجربته في رسم الوجوه وطريقته في التعامل مع وجوه معروفة وأخرى لا يعرفها الجمهور، وهل يبذل المجهود ذاته في الحالتين، أسر العواضي لـ«الشرق الأوسط» قائلا «قد يستغرق الرسم الواحد في بعض الحالات بضعة أشهر، ذلك أن الاهتمام بالشخصية التي سيقع التركيز عليها ورسمها يتطلبان دراسة وبحثا وتقصيا وأحاديث ومقابلات مع مؤرخين حتى تنال تلك الشخصيات حقها». ويعتبر العواضي أن رسم الوجوه المعروفة في عالم الأدب والسياسة والفن «يتطلب مجهودا أكبر لأن كل التونسيين تقريبا يعرفون هذه الشخصيات ولهم إلمام ولو بسيط بمميزاتها، ومن الصعب في مثل هذه الحالة مغالطتهم»، مضيفا «في مثل هذه الحالة لا يمكن استغفال جميع الناس، إذ بإمكانهم كشف العيوب على مستوى الصورة بسهولة كبرى». وعن منافسة الآلة الرقمية للرسام خاصة في عالم «البورتريه» قال العواضي «الآلة تبقى محدودة مهما تطور أداؤها وهي في كل الحالات محدودة بعقل الإنسان، أما الإنسان نفسه فهو قادر على التخيل والتجديد وهذا ليس في متناول الآلة».

واختتم العواضي حديثه مع «الشرق الأوسط» بالقول، إنه من عشاق المدرسة الكلاسيكية في الرسم، وبالفعل، هذا الاختيار نلاحظه من خلال التركيز على الشخصيات التي يرسمها معتمدا طريقة صب الزيت على القماش، مستذكرا «بوتريهات» عبقريتي ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو.