ليبيا: الخطوات المبكرة نحو توحيد الألوية تحت قيادة مشتركة أظهرت انقسامات بين قادة الثوار

في انتظار وصول كبار المسؤولين المدنيين في المجلس الانتقالي إلى طرابلس

ثوار ليبيون مرابطون بالقرب من قرية أم قنديل الواقعة شرق مدينة سرت أمس ( أ. ف.ب)
TT

يسيطر المقاتلون من مدينة الزنتان الجبلية غربا على المطار، فيما يتولى مقاتلون من مصراتة مهمة حراسة البنك المركزي والميناء ومكتب رئيس الوزراء، وتعيد رسومهم الجدرانية كتابة تاريخ «ميدان مصراتة». وتولى البربر من مدينة يفران الجبلية مهمة حماية الميدان الرئيسي للمدينة، حيث كتبوا على الأرض «نحن ثوار يفران».

وبعد أسبوع من اقتحام الثوار المعقل السابق للعقيد معمر القذافي، تظل معظم أراضي العاصمة مقسمة إلى إقطاعيات، وكل إقطاعية تسيطر عليها ألوية شبه مستقلة تمثل مناطق جغرافية مختلفة من الدولة. وتحكي كتاباتهم على الأرض قصة أزمة تلوح الأفق في العاصمة طرابلس حول من يتولى القيادة.

من المنتظر وصول كبار المسؤولين المدنيين بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي، الذي يشير لنفسه الآن كحكومة إقليمية تتخذ من العاصمة مقرا لها، معربين عن مخاوف متعلقة بالسلامة الشخصية حتى إذا أعلنوا أن المدينة آمنة تماما.

هناك مزيد من الدلالات على وجود منافسة بين الألوية المختلفة حول من يستحق أن ينال شرف تحرير المدينة، والتأثير الذي يحتمل أن يحققه ذلك. وقد كشفت محاولات تعيين قائد عسكري لتوحيد مجموعات المقاتلين عن شقاق داخل قيادة الثوار على الحدود الإقليمية، وأيضا عن خلافات بين العلمانيين والإسلاميين.

وقال عضو بارز بالمجلس إنها كلها علامات تشير إلى «فراغ سلطة» مستمر في القيادة المدنية للعاصمة الليبية. لكن المنافسة على السلطة تبرز أيضا التحدي الذي ستواجهه أية حكومة مؤقتة جديدة عند محاولتها توحيد أطراف المشهد السياسي المتعنتة في ليبيا.

لم تكن الدولة أكثر من مجرد مجموعة أقاليم وقبائل مفككة قبل أن يتولى العقيد القذافي سدة الحكم. ولم يفد اعتماده على نظام المحاباة والمحسوبية والقمع من أجل فرض سيطرته على البلاد كثيرا في تسوية الخلافات الإقليمية والعرقية والآيديولوجية. بالمثل، لم يتمكن الثوار الذين أطاحوا بالعقيد القذافي من تنظيم أنفسهم في إطار قوة موحدة. فقد قاتل الثوار من الجبال الغربية ومدينة مصراتة الساحلية ومدينة بنغازي الغربية، كل على حدة بشكل مستقل، وعادة ما نظروا بعين الاستعلاء إلى بعضهم البعض.

وعلى الرغم من أن التحول كان منظما على نحو مفاجئ حتى الآن - من دون أي أعمال سلب ونهب أو أعمال عنف تذكر - فقد باتت طرابلس بمثابة محك اختبار مبكر لقدرة الثورة على تسوية تلك الخلافات، نظرا لأنه بالمقارنة بمدن ليبية أخرى تحررت على أيدي سكانها، تمت الإطاحة بالعقيد القذافي من طرابلس من قبل ألوية من مناطق أخرى، ولا يزال معظمهم في الشوارع.

لقد أظهرت الخطوات المبكرة نحو توحيد الألوية تحت قيادة مشتركة على السطح انقسامات بين قادة الثوار. بعضها اتضح حينما تم تعيين مقاتل يدعى عبد الحكيم الحصادي، الذي يشتهر أحيانا باسم عبد الحكيم بلحاج، قائدا لمجلس عسكري تم تشكيله حديثا في طرابلس.

وشكا العديد من الليبراليين من مجلس قيادة الثوار بشكل خاص من أن الحصادي كان قائدا للجماعة الإسلامية المقاتلة المنحلة، التي ثارت ضد العقيد القذافي في التسعينات من القرن الماضي. وأعرب بعضهم عن مخاوفهم من أن تكون هذه خطوة أولى في إطار محاولة من جانب الإسلاميين للاستيلاء على مقاليد السلطة. وذكروا أن الحصادي عين قائدا من قبل خمس كتائب في اللواء الذي يحمل اسم «لواء طرابلس»، وليس من قبل أي سلطة مدنية. وشكوا أيضا من التأثير الواضح لقطر، التي ساعدت في تدريب «لواء طرابلس» والتي تمول أيضا قناة «الجزيرة».

«هذا الرجل هو مجرد بدعة من صنع القطريين وأموالهم، وهم يرعون عنصر التطرف الإسلامي هنا»، قال عضو آخر بالمجلس من المنطقة الغربية. وأضاف «المقاتلون الثوريون في حالة من الاكتئاب الشديد المصحوب بالدهشة. إنه لا يصلح كقائد على الإطلاق!».

وإلى جانب المخاوف الآيديولوجية، كانت هناك منافسة إقليمية حول من قام بجهد أكبر من أجل تحرير طرابلس. لم يكن الحصادي إسلاميا فحسب، في رأي عضو المجلس، لكنه بذل جهدا أقل بكثير من ذلك الذي بذله الثوار الغربيون في المعركة من أجل تحرير العاصمة.

«الناس في الغرب كانوا يقولون لبعضهم البعض: ماذا؟ هذا الطفل؟ إنه حثالة! ماذا عن قادتنا الكبار؟»، هكذا تحدث عضو المجلس.

وتعذر الوصول إلى الحصادي لمعرفة رده، وأحد أسباب ذلك أنه كان يحضر اجتماعات في الدوحة بقطر. وقال مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي، إنه حقق إنجازا باصطحاب الحصادي إلى اجتماع مع حلفاء الناتو في الدوحة لإظهار أنه على الرغم من خلفيته، فإنه لا يشكل «أي خطر يهدد السلام والاستقرار الدوليين».

وظهرت دلالات على شقاق آخر هذا الأسبوع بعد أن أذيعت أنباء بأن رئيس المجلس التنفيذي للمجلس الوطني الانتقالي، محمود جبريل، الذي ليس موجودا في طرابلس هو الآخر، كان يعتزم تعيين لواء سابق بالجيش الليبي، وهو البراني إشكال، رئيسا لجهاز الأمن بالعاصمة.

ورفض مقاتلون من مصراتة، يعتبرون من أشرس قوى الثوار، قبول هذا التعيين، مشيرين إلى أنه كان متورطا في القمع الوحشي من جانب العقيد القذافي في المدينة.

وفي مصراتة، خرج نحو 500 متظاهر إلى ميدانها الرئيسي مرددين أن هذا التعيين سيضيع «دماء الشهداء» هدرا، حسبما أفاد مراسل لصحيفة «الغارديان» البريطانية، مشيرا إلى أن المجلس المحلي للمدينة رفع شكوى رسمية للقيادة الوطنية.

وفي عشية الثلاثاء، تراجع جبريل عن قراره، حسبما ذكر علمين بلحاج، عضو بالمجلس الانتقالي من طرابلس.

ويعيد كلا الخلافين حول اختيار قادة عسكريين للأذهان حالة الاهتياج التي ولدها مقتل أكبر القادة العسكريين للثوار في بنغازي، اللواء عبد الفتاح يونس.

وأسفرت حادثة القتل، التي لم يبت فيها حتى الآن، عن اتهامات من قبل بعض قادة الثوار مفادها أنه قتل على يد لواء من الإسلاميين، وقد ذكروا أنه قد سعى لاستعادة دوره السابق كمساعد كبير للعقيد القذافي. ولم يتم اتهام أي شخص في تلك الحادثة.

ويقول الإسلاميون الليبيون إنهم يرغبون فقط في فرصة للمنافسة في ظل مناخ ديمقراطي حر، ويرون أنهم مؤهلون بدرجة أكبر من الليبراليين لتجريد المقاتلين من الأسلحة في الشوارع.

«إنهم يثقون بنا بدرجة أكبر»، هكذا تحدث بلحاج، عضو المجلس وقائد جماعة الإخوان المسلمين هنا، مشيرا إلى أن العديد من الليبيين يخشون أن «تسرق» الثورة من قبل الليبراليين الأغنياء الذين تغلب عليهم النزعة الغربية والمغتربين في معظم الأحيان من داخل المجلس.

ومع ذلك، اتفقت جميع الأطراف على أن الاستيلاء على طرابلس جعلها بوتقة للنزاعات الإقليمية. وعلى الرغم من أن بداية المعركة كانت في الشرق، فإن الهجوم الأخير على طرابلس قادته مجموعات من الثوار في الغرب وأنهي على يد مقاتلين متمرسين من مصراتة.

والآن، يؤكد أعضاء كل لواء في طرابلس أن مجموعتهم لعبت الدور الأكثر بطولية في الاستيلاء على المدينة أو اقتحام معقل القذافي أو السيطرة على الميدان الرئيسي.

«لدينا مقاطع فيديو تجسد ما حدث»، هكذا تحدث مهدي الحراتي، نائب رئيس المجلس العسكري لمدينة طرابلس، مؤكدا على ادعائه بأن لواءه كان أول لواء دخل الميدان الرئيسي في طرابلس. ربما تكون هناك أمور أخرى مهددة بخلاف الكبرياء، هكذا قال أنور فكيني، محام ليبي يحمل الجنسية الفرنسية، وهو عضو بمجلس القيادة الوطني. «يقول الناس في الغرب، دفعنا ثمنا غاليا، ونريد أن نتولى المسؤولية، والأمر نفسه ينطبق على مصراتة»، هكذا تحدث، مضيفا أنه يرى أن الليبيين يجب أن يختاروا قادتهم اعتمادا على الكفاءة بصرف النظر عن الإقليم أو المنطقة.

ولدى بلحاج رأي آخر. فقد قال إنه طلب من المجالس المحلية الأخرى سحب ألويتها من حدود المدينة لترك العاصمة للطرابلسيين.

*خدمة «نيويورك تايمز»