بني وليد تعرض التفاوض مع الثوار.. ومخاوف من خلايا نائمة في طرابلس

خلافات حول سحب السلاح.. وعبد الجليل يتهم الصين بعرقلة فك تجميد الأموال

TT

بينما بدت مدينة بني وليد التي تحصن فيها عدد من أبناء العقيد الليبي معمر القذافي على وشك السقوط في يد الثوار الذين أطبقوا عليها مع تقارير عن عرض القبائل هناك التفاوض، برز أمس خلاف في وجهات النظر بين رئيس المجلس الوطني الانتقالي وأعضائه حول كيفية التعامل مع الثوار المسلحين المنتشرين في مختلف أرجاء العاصمة الليبية طرابلس بعد نحو 10 أيام على اجتياح الثوار لمعقل العقيد معمر القذافي الحصين في ثكنة باب العزيزية بطرابلس.

وبعد يومين فقط على دعوة أحمد الضراط وزير الداخلية الليبي المعين من قبل المجلس الوطني للثوار من خارج العاصمة إلى الانسحاب خارجها وتسليم أسلحتهم، قال المستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي المناهض لنظام حكم العقيد القذافي إنه ليس هناك أي قرار صادر عن المجلس الوطني أو حتى مجرد النية لجمع الأسلحة من الثوار في طرابلس أو إخراجهم من المدينة كما ورد في وسائل الإعلام.

ولفت إلى حدوث ما وصفه ببعض الاختراقات الأمنية من أشخاص محسوبين على النظام السابق لزعزعة الأمن والاستقرار في بعض المناطق، مشيرا إلى أن أعضاء المكتب التنفيذي والمجلس الوطني المتواجدين في طرابلس اجتمعوا مساء أول من أمس مع قادة التشكيلات الأمنية داخل المدينة ومع اللجنة الأمنية العليا لتنسيق العمل وتوزيع المجهودات داخل المدينة وخارجها.

وكان الضراط قد اعتبر أن «طرابلس تحررت لذا يتعين على الجميع مغادرة المدينة والعودة إلى مدنهم». وأضاف أن «الخطر زال ومغادرة الثوار الآخرين أمر طبيعي»، مؤكدا في نفس الوقت على أن «ثوار طرابلس قادرون على حماية مدينتهم».

وقال مسؤولون أمنيون وعسكريون من الثوار لـ«الشرق الأوسط»: إن إقناع الثوار المسلحين بمغادرة طرابلس في الوقت الحالي ليست عملية وشبه مستحيلة بالنظر إلى استمرار الحالة لتواجدهم لضبط الأمور في المدينة التي لم تستقر أوضاعها الأمنية بصورة كاملة بعد.

ويتخوف الثوار من وجود خلايا نائمة تابعة لنظام القذافي تستعد للقيام بعمليات إرهابية لإظهار عدم قدرة الثوار على السيطرة عليها بعد هروب القذافي وأسرته وكبار مساعديه منها.

وقال مسؤول عسكري لـ«الشرق الأوسط»: إن الخطر الحقيقي يكمن في عناصر حركة اللجان الثورية الذين اختفوا عن الأنظار داخل طرابلس ولا يعرف عددهم الفعلي أو مكان تواجدهم.

وأضاف: «هؤلاء من المؤكد أنهم اندسوا وسط المدنيين العاديين، لدينا مخاوف حقيقية من إمكانية إقدامهم على تنفيذ عمليات إرهابية داخل المدينة، هؤلاء الأكثر ولاء للقذافي وسيقدمون على بعض التصرفات لإظهار ولائهم للعقيد الهارب». ومثلت حركة اللجان الثورية التي يعتقد أن عدد أعضائها كان يزيد على نحو خمسين ألف شخص العمود الفقري للنظام الجماهيري الذي دشنه القذافي في البلاد التي حكمها على مدى 42 عاما.

وبالنظر إلى المشكلة التي ما زال المجلس الانتقالي يواجهها مع كتائب الثوار المنتشرين في مقر المجلس ببنغازي لإقناعهم بالانضمام إلى الأمن الداخلي أو الجيش الذي يعتزم المجلس تشكيله، فإن المشكلة تزداد خطورة كما يقول أعضاء من المجلس في طرابلس مع إعلان مجموعة من الثوار مساء الخميس الماضي عن تشكيل «مجلس ثوار طرابلس» داعية الثوار من المناطق الأخرى إلى مغادرة المدينة. وقال ناشطون سياسيون ومدونون وسكان في المدينة لـ«الشرق الأوسط»: «إن السلاح بات منتشرا في كل مكان وبيد الجميع، والسؤال هو كيف سيتم جمعه وإقناع الثوار بعدم الحاجة لحمل السلاح في الوقت الحالي».

وبينما ما زال انتشار الشرطة المحلية وعناصر الأمن الموالية للمجلس الوطني محدودا داخل طرابلس، فستكون هناك حاجة دائما لجهود الثوار المسلحين للمساعدة على توفير الأمن في العاصمة طرابلس.

من جهة أخرى، وبينما قال المستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني إن التحقيقات الأمنية والجنائية في ملابسات عملية اغتيال الفريق عبد الفتاح يونس القائد العام لهيئة أركان جيش تحرير ليبيا الوطني الموالي للثوار أثبتت أن لا علاقة لأي تنظيم أو أجندة سياسية بها، أبلغ معتصم نجل الفريق يونس «الشرق الأوسط» أن عائلة يونس وقبيلة العبيدات التي ينتمي إليها يونس ستستضيف اليوم (الأحد) بمنزله اجتماعا لممثلي مختلف القبائل الليبية لتدارس الموقف بعد تصريحات عبد الجليل.

وكشف معتصم في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط» من معقل الثوار في مدينة بنغازي بشرق ليبيا النقاب عن أن عائلة يونس لديها بعض الأسماء المحتملة لقتلة يونس لكنها ترفض الإفصاح عنها في الوقت الحالي بانتظار انتهاء التحقيقات الجارية.

وأضاف: «نتمنى أن نرى هذه النتائج قريبا جدا، ونأمل أن نصل إلى كل الحقائق الصحيحة».

وكان المستشار عبد الجليل قد أعلن في مؤتمر صحافي عقده أمس في بنغازي أن التحقيقات في مقتل الشهيد عبد الفتاح يونس تسير بخطى ثابتة وقد أسفرت عن اعتقال أحد المتهمين واعترف اعترافا تفصيليا أمام مأمور الضبط ووكيل النيابة عن نفسه، مشيرا إلى أن تحقيقات الأمن توصلت إلى حقيقة منفذي هذه العملية التي قال: إنها أفعال شخصية نتيجة التهور لا علاقة لها بأي تنظيم أو أي أجندة سياسية.

وأضاف: «هذا على الأقل من ظاهر التحقيقات وهو ما يعطينا الأمل في الوصول إلى نتيجة حقيقية في هذا الشأن تعطي قبيلة العبيدات الموقف الذي قامت به من أجل ليبيا». وتابع: «سوف لن ينسى الليبيون تحلي هذه القبيلة بالصبر والحلم في أوقات عصيبة وتفضيلهم مصلحة ليبيا على المصلحة الشخصية أو الحق الشخصي». وحذر عبد الجليل من ملاحقة مسؤولين في الحكومة الليبية بتهمة الفساد المالي، وقال: «في هذا الوقت الذي يضحي فيه الليبيون بأرواحهم ودمائهم وأموالهم هناك معلومات عن فساد مالي في بعض مؤسسات الدولة».

وأضاف: «هذه الأفعال تعتبر مخالفة لأنها تقع وقت الحرب وسنتحقق من هذه المعلومات وإذا ثبتت سنعلن للكافة أسماء الأشخاص والأفعال التي ارتكبوها هذا عقاب معنوي لا يعفيهم من العقاب الجنائي المشدد أمام الجهات المختصة». ودعا كل من سماهم بأحرار ليبيا إلى تنبيه المجلس الوطني إلى أي فساد مالي في أي جهة كانت بأي طريقة ما، مشددا على أن أي موظف مسؤول هو مسؤول عن اختياراته وسيتحمل مسؤولية اختياراته السيئة.

وفيما بدا أنه رد على تحذيرات عبد المنعم الهوني ممثل المجلس الوطني الانتقالي في الجامعة العربية ومصر لـ«الشرق الأوسط» أول من أمس من مغبة تمديد المهلة الممنوحة لسكان مدينة سرت مسقط رأس القذافي لتسليمها قبل اقتحام الثوار لها، قال المستشار عبد الجليل «نحن الآن في موقف بفضل الله سبحانه وتعالى نستطيع الدخول إلى أي مدينة وتوجيه الثوار إلى أي جهة لكن لحرصنا على حقن الدماء وعدم حصول المزيد من الدمار في بعض المؤسسات العامة فقد أعطينا مهلة أسبوع لبني وليد والجفرة وسبها».

وتابع في رسالة ضمنية بعدم إمكانية هروب القذافي إلى خارج ليبيا، «هذه المهلة لا تعني أننا غير مدركين لما يقوم به أعوان معمر القذافي، سيتحرك ثوارنا وقواتنا العسكرية لمحاصرة المدن حتى إتمام المهلة». وبعدما اعتبر أن هذه فرصة سانحة لهذه المدن لإعلان انضمامها السلمي لهذه الثورة، أضاف: «شرعنا منذ يوم أمس (أول من أمس) في توفير المساعدات الإنسانية لهذه المدن وإيصال الاتصالات والكهرباء ونحن في انتظار ردهم بهذا الخصوص».

لكن قناة «الرأي» الفضائية المحسوبة على القذافي والتي اعتادت مؤخرا بث رسائله الصوتية ووضعت نفسها كمنبر إعلامي بديل لحرمان نظامه الاحتفاظ بوسائل إعلامه الخاصة، زعمت أمس أن وحدات من متطوعي سرت أسقطوا طائرة هيلوكبتر فرنسية وأحرقوها، مشيرة عبر صفحتها الإلكترونية على «الـ«فيس بوك» إلى أن مدينتي بني وليد وسرت تعرضتا أول من أمس لقصف استمر لعدة ساعات من قبل ما وصفته بالعدوان الغربي القطري الإماراتي.

من جهة أخرى، قال علي الترهوني وزير النفط بالمجلس الانتقالي إن قواته قد تسيطر على بلدة بني وليد حيث يتحصن أنصار القذافي والتي ربما يختبئ بها القذافي نفسه. وتعد بني وليد بالإضافة إلى سرت الواقعة على ساحل البحر المتوسط وسبها في عمق الصحراء الجيوب الرئيسية الباقية غير الخاضعة لسيطرة قوات الثوار التي طردت القذافي من مقره في طرابلس الأسبوع الماضي. وأعلن الترهوني في مؤتمر صحافي بطرابلس أن المجلس العسكري في العاصمة أبلغه أمس أن هناك احتمالا بأن تنضم بني وليد إلى «الثوار» وتصبح تحت سيطرتهم.

وقال مصدر في طرابلس على اتصال بسكان البلدة الواقعة على بعد نحو 150 كيلومترا جنوب شرقي العاصمة إن زعماء القبائل هناك يأملون في حل سلمي عن طريق التفاوض مع القوات الموالية للمعارضة التي أطاحت بالقذافي الأسبوع الماضي.

ولم يعلن الترهوني تفاصيل بشأن ما حدث يوم السبت لكنه قال: إنه لم يقع قتال في بني وليد.

وسئل عما إذا كان القذافي في البلدة كما سبق أن أعلن قادة عسكريون بالمجلس الانتقالي، فقال الترهوني إنه بالنسبة للقذافي نفسه فإن المجلس يعرف مكانه.

وكانت قوات النظام الليبي الجديد وجهت إنذارا تنتهي مهلته صباح اليوم لمدينة بني وليد (180 كلم جنوب شرقي طرابلس) للاستسلام حيث يتواجد الساعدي القذافي نجل العقيد معمر القذافي كما أعلن مسؤول محلي في هذه القوات لوكالة الصحافة الفرنسية.

وقال عبد الرزاق ناضوري الرجل الثاني في المجلس العسكري في ترهونة (على بعد نحو 80 كلم شمال بني وليد) «وجه الثوار إنذارا لزعماء قبائل بني وليد: أما أن يرفعوا الراية البيضاء ويستسلموا أو تبدأ المعارك. أمامهم 24 ساعة اعتبارا من هذا الصباح». وكانت أنباء سابقة قد أشارت إلى توجه 200 عربة عسكرية للثوار نحو المدينة.

غير أن رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل قال في بنغازي إن الهدنة التي أعلنت حتى العاشر من سبتمبر (أيلول) لا تزال قائمة.

وقال عبد الجليل في مؤتمره الصحافي «أعطينا سرت وبني وليد.. وسبها أسبوعا آخر».

وتابع: «هذا التمديد لا يعني أننا غير واعين لخطر القذافي..».