وثائق الاستخبارات الليبية تكشف عن حجم التعاون الوثيق مع نظيرتيها الأميركية والبريطانية

متحدثة باسم «سي آي إيه»: ليس مفاجأة تعاوننا مع استخبارات أجنبية > ويليام هيغ: هذا يتعلق بالحكومة السابقة وإذا فتحنا ملف الوثائق فلن يغلق

TT

تقدم وثائق عُثر عليها في مكتب مدير الاستخبارات السابق في ليبيا تفاصيل جديدة عن علاقات قوية بين وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والاستخبارات الخارجية البريطانية وخدمة الاستخبارات الليبية - وأبرز ما أشارت إليه أن الأميركيين أرسلوا متهمين بالإرهاب على الأقل ثماني مرات للاستجواب داخل ليبيا على الرغم من أن ليبيا معروفة بممارسة التعذيب وذلك وفقا لتقارير وردت في «نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال» و«الإندبندنت» البريطانية.

ومع أنه معروف أن خدمات الاستخبارات الغربية بدأت التعاون مع ليبيا بعد أن تخلت عن برنامجها لبناء أسلحة غير تقليدية في عام 2004، تظهر الملفات التي عثر عليها بعد أن سقطت طرابلس في أيدي الثوار أن التعاون كان أوسع مما كان معروفا مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ونظيرتها البريطانية.

وفي واشنطن رفضت أمس جانيفار يونغ، المتحدثة باسم وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، التعليق على أخبار تعاون «سي آي إيه» مع استخبارات القذافي. وقالت: «لا يمكن أن تكون مفاجأة أن الاستخبارات المركزية تتعاون مع حكومات أجنبية للمساعدة في حماية وطننا من الإرهابيين ومن الأخطار الأخرى». وأضافت: «هذا هو بالتحديد ما يجب أن نفعل».

وقال مراقبون في واشنطن إن كشف التعاون يمكن أن يسبب توترا في العلاقات بين الحكومة الأميركية والثورة الليبية، خاصة لأن التعاون شمل عبد الحكيم بلحاج، أحد القادة العسكريين لقوات المعارضة التي شاركت في إسقاط نظام القذافي.

وقال تقرير «نيويورك تايمز» إن بعض الوثائق تشير إلى أن الخدمة البريطانية كانت مستعدة لتعقب أرقام هواتف لصالح الليبيين، وبدا أن وثائق أخرى تتضمن كلمة مقترحة كتبها الأميركيون للعقيد معمر القذافي عن تخليه عن أسلحة الدمار الشامل.

وقالت صحيفة «الإندبندنت» إن ما عثر عليه من وثائق يبين أيضا أن مكتب رئاسة وزراء السابق توني بلير هو الذي طلب أن يجري اللقاء مع القذافي في طرابلس عام 2004 في خيمة بدوية.

غير أن وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ رفض أمس التعليق على هذه المسألة قائلا إنها تتعلق بالحكومة السابقة.

وردا على سؤال حول تلك التقارير قال هيغ «ليس لدي تعليق في الواقع لأنه أولا ما يهمنا هو ما سيحدث في ليبيا في المستقبل وهي مهمة ضخمة».

وتابع متحدثا إلى تلفزيون «سكاي نيوز» البريطاني «بالنسبة لمسألة تلك الوثائق فإنها تتعلق بالحكومة السابقة ومن ثم لا أعرف ما كان يدور وراء الكواليس وقتها».

وأضاف «ليس بإمكاني التعليق على مسائل استخباراتية بهذا الشأن أو أي شأن استخباري آخر لأنه كما تعرفون إذا فتحنا هذا الباب فلن يغلق».

وتابع قائلا «ما نركز عليه هو تقديم المساعدة اللازمة لليبيا والمزيد من الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي (للمتمردين) والإفراج عن الأصول المجمدة حتى نتجنب أي مشكلات إنسانية في ليبيا».

وعثر صحافيون وممثلون لـ«هيومان رايتس ووتش» على الوثائق يوم الجمعة. وكان هناك على الأقل ثلاثة مجلدات تضم وثائق باللغة الإنجليزية، كتب على إحداها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وكتب على الأخرى «إم آي 6» (الاستخبارات الخارجية البريطانية) إلى جانب كمية أكبر من الوثائق باللغة العربية.

وقالت «نيويورك تايمز» كان مستحيلا التأكد من صحة هذه الوثائق، ولم يكن لأي منها ترويسة. ولكن تضمنت المجلدات بعض الوثائق التي كانت فيه إشارة خاصة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وبدت تفاصيلها متسقة مع ما هو معروف عن نقل متهمين بالإرهاب إلى الخارج للاستجواب ومع ممارسات أخرى للوكالة.

وعلى الرغم من أن نطاق ترحيل السجناء إلى ليبيا لم يعلن عنه، ذكرت تقارير إعلامية في بعض الأحيان ليبيا كإحدى الدول التي اعتادت الولايات المتحدة استخدامها كجزء من برنامجها لترحيل المتهمين بالإرهاب الذي نالته انتقادات كثيرة.

وعلى الرغم من أن معظم عمليات الترحيل المشار إليها في الوثائق كانت في إطار عمليات لوكالة الاستخبارات المركزية، يزعم أن واحدة على الأقل نفذها «إم آي 6».

وقال بيتر بوكارت، مدير الطوارئ في «هيومان رايتس ووتش»، الذي درس الوثائق في مقر الاستخبارات بوسط العاصمة طرابلس: «يتعلق برنامج الترحيل بالكامل بتسليم هذه الشخصيات المهمة المرتبطة بتنظيم القاعدة حتى يمكن تعذيبهم والحصول منهم على المعلومات التي يريدونها».

وتغطي الوثائق الفترة من عام 2002 حتى 2007، وتركز الكثير منها على أواخر 2003 و2004، عندما كان موسى كوسا رئيسا لمنظمة الأمن الخارجي (كان كوسا أخيرا وزيرا للخارجية الليبية).

وعثر على الخطاب الذي يبدو أنه كتب للعقيد القذافي في ملف وكالة الاستخبارات المركزية ويبدو أنه أرسل قبل الكريسماس عام 2003. ويبدو أن الخطاب الذي جاء في صفحة واحدة كان يهدف إلى تصوير الديكتاتور الليبي بصورة إيجابية. وجاء فيه: «في وقت يحتفل العالم فيه بميلاد المسيح وكتعبير عن مساهمتنا تجاه عالم ممتلئ بالسلام والأمن والاستقرار والرحمة، تقدم الجماهيرية العظمى دعوتها لمنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل بالشرق الأوسط».

وتعود الاتصالات الخاصة بترحيل سجناء إلى فترة ما بعد إعلان ليبيا عن تخليها عن برنامجها للأسلحة. وفي الكثير من الحالات، تحدثت الوثائق صراحة عن قيام دولة صديقة بإلقاء القبض على مشتبه فيه وبعد ذلك اقتراح إرسال طائرة لأخذ المشتبه وتسليمه إلى الليبيين للاستجواب. وتضمنت إحدى الوثائق قائمة بـ89 لليبيين مشتبه فيهم.

وعلى الرغم من أن الوثائق دعت السلطات الليبية إلى احترام حقوق الإنسان، قامت وكالة الاستخبارات المركزية بنقلهم للاستجواب لدى خدمة ليبية لديها تاريخ معروف بالوحشية.

وذكرت وثيقة في ملف وكالة الاستخبارات المركزية أن عملاء كانوا «في وضع لتسليم الشيخ موسى.. كما فعلنا مع أعضاء بارزين بالجماعة الإسلامية المقاتلة في الماضي القريب». وكانت الجماعة الإسلامية المقاتلة تسعى للإطاحة بالعقيد القذافي، ويعتقد مسؤولون أميركيون أن لها علاقة بتنظيم القاعدة.

وعندما طلب الليبيون إرسال أبو عبد الله الصادق، وهو عضو آخر في الجماعة، كتب ضابط في 4 مارس (آذار) من عام 2004 «نحن ملتزمون بتحسين هذه العلاقة لمصلحة كلتا الخدمتين» وتعهد بأن يبذل قصارى الجهد لتحديد مكانه، وفقا لما جاء في وثيقة في ملف وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

وبعد يومين، بعث مسؤول برسالة عبر الفاكس إلى الليبيين ليقول إن الصادق وزوجته الحامل يخططان للسفر إلى ماليزيا ووافقت السلطات هناك على وضعهما على رحلة تابعة لـ«الخطوط الجوية البريطانية» إلى لندن تتوقف في بانكوك. وكتب الضابط «نخطط أن نسيطر على الاثنين في بانكوك ونضعهما على طائرتنا في رحلة إلى دولتكم».

وقال بوكارت، من «هيومان رايتس ووتش»، إنه علم من الوثائق أن الصادق هو لقب يطلق على عبد الحكيم بلحاج، وهو قائد عسكري حاليا ضمن صفوف الثوار.

وفي مقابلة يوم الأربعاء أعطى بلحاج وصفا مفصلا عن سجنه يتطابق مع الكثير من هذه المعلومات الواردة في الوثائق. وقال أيضا إنه عندما اعتقل في بانكوك تعرض للتعذيب على يد اثنين من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

وفي إحدى المرات، حاول الليبيون إرسال طائرتهم الخاصة لتسلم عضو في الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية، يدعى منذر، وزوجته وأطفالهما، اعتقلوا في هونغ كونغ بسبب مخالفات في جوازات السفر.

وعادت الطائرات الليبية، ويبدو أن ذلك لأن سلطات هونغ كونغ كانت مترددة في ترك الطائرات الليبية تهبط. وفي وثيقة حملت عنوان «سري - الولايات المتحدة فقط - باستثناء ليبيا»، نصح الليبيون باستئجار طائرة خاصة من دولة ثالثة. وقالت الوثيقة: «إذا كان الدفع مقابل الطائرة الخاصة يمثل قضية، فإن خدمتنا مستعدة للمساعدة ماليا».

وأثناء استجواب أعضاء يزعم في انضمام لمجموعة إرهابية مهمين بالنسبة للغرب، ذهب التعاون إلى ما هو أبعد. وفي إحدى الحالات على سبيل المثال، طلب الليبيون من عملاء تعقب رقم هاتف من أجلهم. وردت وثيقة كانت في ملف «إم آي 6» بأنه يخص شبكة الأخبار العربية في لندن، وليس واضحا لماذا سعى الليبيون لمعرفة مَن يخصه هذا الرقم.

وأشارت الوثيقة أيضا إلى إشارات تظهر منافسة على ليبيا. وفي ملف «إم آي 6»، تفاخرت وثيقة بتسليم شخص يدعى أبو عبد الله إلى الليبيين. وجاء في رسالة عبر الفاكس ليس عليها توقيع: «هذا أقل ما يمكننا القيام به لنؤكد على علاقتنا المتميزة التي تكونت على مدار الأعوام». وأضافت: «من المدهش أنه جاءنا طلب من الأميركيين لنقل طلبات لمعلومات من أبو عبد عبر الأميركيين. ولا أنوي القيام بشيء مثل هذا».

في الوقت ذاته استشهدت صحيفة «وول ستريت جورنال» بوثائق قالت إنه تم العثور عليها في مقر للهيئة الليبية للأمن الخارجي (إن سي آي إيه) نقلت في ظل إدارة الرئيس جورج دبليو بوش متهمين بالإرهاب إلى ليبيا واقترحت أسئلة بعينها يوجهها المحققون الليبيون للمشتبهين.

كما عمدت «سي آي إيه» في عام 2004 إلى تأسيس «وجود دائم» لها في البلاد بحسب الصحيفة التي استشهدت بمذكرة للموظف البارز بـ«سي آي إيه» ستيفن كابس وجهها إلى رئيس الاستخبارات الليبية وقتها موسى كوسا.

وتبدأ الرسالة بين عميلي الاستخبارات البارزين بالقول «العزيز موسى» وقد ذيلت بالتوقيع «ستيفن» بحسب الصحيفة.

وأشار مسؤول أميركي نقلت عنه الصحيفة دون الكشف عن اسمه القول إن ليبيا كانت في ذلك الوقت بصدد كسر الجمود في علاقاتها الدبلوماسية مع الغرب.

وقال المسؤول «بحلول عام 2004 أقنعت الولايات المتحدة الحكومة الليبية بالتخلي عن برنامجها للأسلحة النووية والمساعدة في منع الإرهابيين من استهداف الأميركيين سواء في الولايات المتحدة أو خارجها».

وقالت الصحيفة إن باحثين من منظمة «هيومان رايتس ووتش» المدافعة عن حقوق الإنسان عثروا على الوثائق أثناء تفقدهم للمبنى الحكومي الليبي ونقلوا نسخا منها للصحيفة.

من جانبها أكدت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية أن الوثائق السرية التي تم العثور عليها في مكتب موسى كوسا تظهر أيضا أن بريطانيا بعثت بتفاصيل عن معارضين في المنفى إلى أجهزة استخبارات القذافي.

وتقول صحيفة «الإندبندنت» البريطانية إن تلك الوثائق ستثير أسئلة حول صلات بريطانيا خصوصا فضلا عن الولايات المتحدة مع كوسا ونظام معمر القذافي الذي كانت القوى الغربية تعمل على إخراجه من عزلته في الماضي القريب.

وكان كوسا قد فر إلى بريطانيا في مارس معلنا عن انشقاقه عن القذافي وسمح له بترك الأراضي البريطانية والسفر إلى قطر في الشهر التالي.

وقالت «الإندبندنت» إن الوثائق التي تم العثور عليها تشمل رسائل وفاكسات إلى كوسا معنونة بالقول «إم آي 6 تبعث بتحياتها» في إشارة إلى جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني فضلا عن بطاقة معايدة شخصية بعيد الميلاد وقعها جاسوس بريطاني بارز مقدما نفسه بصفة «صديقك».

وأضافت «الإندبندنت» أن الاستخبارات البريطانية أبلغت في خطاب مؤرخ في السادس عشر من أبريل (نيسان) 2004 هيئة أمنية ليبية بانتهاء احتجاز ناشط ليبي معارض لدى السلطات البريطانية.

وجاء في وثيقة أخرى يفترض أنها من «إم آي 6» طلب معلومات عن مشتبه به يتنقل بجواز سفر ليبي في عملية وصفت بـ«الحساسة».