شيخ قراء الديار الشامية ينتقد «عقوق» الجيش السوري وقائده الأسد

الشيخ كريم راجح يدين الدوس على المصاحف وانتهاك حرمة المساجد ويهاجم رجال الدين الموالين للنظام

صورة مأخوذة من مواقع سورية معارضة للشيخ كريم وهو يلقي خطبة الجمعة
TT

أحدثت خطبة الشيخ كريم راجح أول من أمس (الجمعة)، والتي وجه فيها انتقادات صريحة للنظام وللرئيس بشار الأسد كقائد للجيش ولعلماء الدين الموالين له، صدى واسعا في الأوساط السورية، للمكانة العلمية والدينية الرفيعة التي يحتلها شيخ قراء الديار الشامية الذي قارب من التسعين عاما.

واعتبرت خطبة راجح التي جاءت لتعبر عن موقفه مما تعرض له مسجد عبد الكريم الرفاعي ليلة القدر والأحداث الجارية في البلاد «كلمة حق تقال لوجه الحق»، حيث اتهم الجيش السوري وقائده بالعقوق، لأنه جيش بني من مال الشعب ويستخدم ضد الشعب. وأدان استباحة حرمة المساجد والدوس على المصاحف واعتبار ذلك من قبل السلطة خطأ فرديا مقابل عدم اعتبار الدوس على صورة الرئيس حادثا فرديا، بل قد تدمر لذلك منطقة بأكملها. ولمح إلى انتقاده إلى بعض الخطباء من الذين حجم عمامته بحجم (قبة مسجد بني أمية) ولهم مؤلفات تملأ الأرض ولم يقولوا «كلمة الحق» في إشارة إلى الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، إمام الجامع الأموي.

واعتبر الشيخ كريم راجح في خطبته أن المشكلة «التي نعيشها أننا نتوجه بهذا الكلام إلى ناس لا يعملون به ويسمعونه ويمر على آذانهم ولكن لا يلامس لا آذانهم ولا قلوبهم»، لافتا إلى أن «كل إنسان مهما علا كعبه لو أصابه صداع لا يستطيع أن يزيله عن نفسه إن لم يزله الله عنه»، في إشارة إلى ما قيل عن ممارسات الأمن والشبيحة بحق المعتقلين السوريين وإكراههم على القول إن «ربهم بشار». وبضمير المخاطب تابع راجح قوله متعجبا «من أنت؟ أنت عبد. أنت مخلوق من التراب الذي يوطأ فما بالك تتكبر على الله وتتعجرف ولا تحمل شيئا من آياته ولا من كتابه».

وعن دور المساجد في حياة الأمة الإسلامية قال الشيخ راجح، إن «رسول الله عمرها من أجل أن تقال فيها كلمة حق من أجل أن تقوم منها الدولة من أجل أن ينتخب منها الخليفة من أجل أن يكون القضاء فيها من أجل أن تعلم الناس الأخلاق، وأن الشيخ على المنبر هو خليفة رسول الله، ولذلك يجب أن يعرف من هو وما هو المقام الذي أقامه الله به ومن أجل أن يقول كلمة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يخاف في ذلك لومة لائم».

وأضاف راجح في انتقاد غير مباشر لعلماء الدين الموالين للنظام «إذا كان الشيخ ذا أغراض فإن الناس لا يعتبرونه ولا يقيمون له وزنا ويصبح شخصا من الناس ولو كانت عمامته قدر قبة مسجد بني أمية ولو كانت مؤلفاته تملأ الأرض»، في إشارة للشيخ البوطي الذي وقف إلى جانب النظام وبرر ممارسته القمعية تجاه المتظاهرين. وقال راجح إن «على الشيخ أن تكون مواقفه صادقة وينصح الدولة لوجه الله وألا يتعلق بفلان أو بفلان فهو صديق للدولة لأنه يريد أن يجعل من الدولة عبدا لله وهو صديق للشعب لأنه مخلص ويريد أن يجعل من الشعب عبدا لله، ولذا فإن المساجد من حرمات الله، وهي مقدسة قداسة الكعبة ومع كل ذلك فحرمة رجل مسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة». وشدد على أن «المساجد لا يضرب فيها رصاص ولا يضرب فيها بعصا ولا يثار فيها أصوات غير أصوات الذكر، فالمساجد للصلاة والعبادة والتعليم». واستنكر ما تتعرض له المساجد في سوريا ومن بينها جامع الحسن الذي تخرج منه مظاهرات الميدان في العاصمة دمشق، وتعرض أكثر من مرة لاعتداءات من قبل الأمن والشبيحة. وذكر راجح بفترة الانتداب الفرنسي وقال «أعهد وأنا صغير كنا نفر أمام الجنود الفرنسيين وكنا إذا وصلنا مسجدا ودخلناه وقف الجنود بعيدا وعادوا إلى ثكناتهم لأننا احتمينا بمعبد ديني، لأن العرف من دخل بيتي فهو آمن، ولكن ولأننا ضللنا عن ديننا صار العرف من دخل بيتي كان خائفا». وتطرق راجح إلى فساد الحكام بالقول «يوم ترك الحكام المساجد ولم يعمروها هم بالذكر وتركوها للعامة بلغوا ما بلغوه». واستطرد قائلا إن «المساجد كل شيء في حياة المسلمين ونحن شعب مسلم وكلنا مسلمون وليس عندنا طائفية الشيعة العلويين. كلنا مسلمون»، معتبرا وصول الفساد إلى المساجد «مصيبة»، وفوقها «لا تراعى حرمتها». ولام النظام الذي يلاحق المتظاهرين إلى داخل المساجد، وقال «أنا أخاطب النظام بأن هذا ليس من مصلحة النظام وأن هذا الذي يقضي على النظام». وأعطى مثالا من التراث العربي بأن العرب كانوا «إذا تبارز اثنان ووقع سيف أحدهما فإن الآخر يقف ينتظره حتى يعاود التقاط سلاحه لإكمال المبارزة»، في إسقاط على أن المتظاهرين لا يملكون سلاحا ومع ذلك يتعرضون للضرب بالسلاح إلى الحد الذي وصل إلى قصف المآذن وهدم المساجد. وقال «لو أننا استعملنا العدالة مع الناس لما وصلت الأمور إلى هنا»، متوقفا عند «الفساد الذي أصاب المجتمع وقسمه طبقات إذ ليس من العدالة أن يدخل الموظف إلى الوظيفة ومعه عشر ليرات ويخرج ومعه مليارات». وأضاف «لا نجد وجودنا في بلدنا وإنما نجد أنفسنا في بلادنا غرباء حتى الواحد كان يخاف من أخيه ومن جاره».

وفي كلمة وجهها إلى الجيش السوري قال «يا أيها الجيش الكريم ويا قائد الجيش والذي هو الرئيس، في سوريا لم يكن هناك جيش وعندما أنشئت إسرائيل شكلنا الجيش وكنت أنا من الذين أسهموا في ذلك، إذ جلت على المحافظات مع رياض العابد لجمع التبرعات من القرى والبلدات، لشراء الطائرات والدبابات والمدافع والأسلحة للجيش.. أنا كنت الخطيب وأستخرج مالا من جيوب الناس وصناديقهم لنأتي بها إلى جيشنا.. نحن تعبنا جدا لبناء الجيش فهو من الشعب وللشعب ولصالحه وبنيناه من أجل محاربة إسرائيل ولا نتصور أن هذا الجيش ينقض علينا ويضربنا ويسجننا ويقتلنا ويفعل بنا ما فعل». ودعا الجيش إلى ألا يكون «عاقا»، معتبرا ممارساته الآن بحق الشعب السوري «عقوقا من الجيش وقائد الجيش وكل ما يتعلق بالجيش». كما خاطب قوات الأمن بالقول «يا من تسمون بالأمن أنتم أيضا تستعملون المال من جيوبنا نحن من ندفع الضرائب ونحن نعطيكم الرواتب أنت لنا لا علينا فماذا تفعلون؟ ماذا يكتب التاريخ عنكم؟». وسألهم «هل ضاعت عقولكم مطلقا أليس فيكم رجل رشيد». ودعا النظام إلى كلمة سواء «تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم»، منوها بأنه يقول كلمة الحق ولا يماري فيها ولا يداري وأنه منذ ستة أشهر وهو يسعى لتهدئة الناس، وحضهم على التزام الهدوء وعدم الخروج إلى الشوارع والصراخ، إلا أن ذلك لم يجد نفعا لأن الدولة جاءت بالأمن والشبيحة وصعدوا الأمور وحاربوا الناس وكأن معهم سلاح روسيا وأميركا، وبزعم أن هناك مجموعات مسلحة وأن هناك سلاحا دخل إلى دمشق عن طريق التهريب، سخر الشيخ راجح مفندا هذا الادعاء بالقول «كيف يهرب السلاح وأنا عجزت عن تهريب عشرة مصاحف». وقال إن «دل ذلك على شيء فيدل على أن الأمن مرتش والعلة منه وفيه ولا يجب أن يضعها في الشعب».

وعقب انتهاء الصلاة خرجت مظاهرة من جامع الحسن، وقامت قوات الأمن على الفور برمي قنبلة غاز داخل حرم المسجد لتفريق المتظاهرين وجرت عملية ملاحقة في الحارات والأزقة وقام المتظاهرون برمي قوات الأمن بالحجارة. وقال أحد الناشطين إنه تم تهريب الشيخ راجح فورا بعد بداية المظاهرة خوفا من الاعتداء عليه كما سرت شائعات لم تتأكد عن محاولة الشبيحة اغتياله.

ولوحظ أول من أمس الجمعة غياب ثلة من أشهر خطباء دمشق وريفها من المفوهين كالشيخ بلال الرفاعي والشيخ خالد كوكي والشيخ راتب النابلسي والشيخ نعيم عرقسوسي. وفي مدينة دوما في ريف دمشق يتداول الأهالي معلومات عن منع خمسة خطباء من الخطابة على رأسهم خطيب مسجد حسبية خالد طفور، وتهديد الأمن لخطيب المسجد الكبير عبد الله السيد، في حين نقل ناشطون عن الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي الذي اختار الوقوف إلى جانب النظام منذ انطلاقة الثورة ألقى خطبة الجمعة، وتعرض فيها للمفكر المعارض السوري برهان غليون وقال إن «أميركا والموساد اختارته». وتراجعت شعبية الشيخ البوطي كثيرا في الأوساط السورية، بعدما كان يحتل مكانة مرموقة، وتم تصنيفه في خانة رجال الدين الموظفين لدى النظام والضاربين بسيفه.

وفي مدينة دوما والتي كانت البؤرة المركزية لانطلاق المظاهرات في ريف دمشق ألهبت خطبة إمام الجامع الكبير المتظاهرين، إذ تحدث عن القنوط وروح الله، مشيدا بتضامن الأهالي في العيد والامتناع عن الاحتفالات، وتحولت المظاهرة التي انطلقت من الجامع الكبير إلى اعتصام في ساحة كان أقرب إلى احتفال استمر لنحو ساعة قبل تفريقه من قبل قوات الأمن.