المتظاهرون يلاعبون الأمن والشبيحة بالحيل والمقالب.. والشبيحة يردون بالاعتقال والقتل أو بتصرفات بذيئة

يخدعونهم بإطلاقات نارية وهمية.. وفي دمشق عبر تكبيرات وأغاني القاشوش بالريموت كنترول

TT

ربما في سوريا فقط يمكن للمتظاهرين العزل المغامرة بالانخراط في ألعاب خطرة مع قوات الأمن والشبيحة المدججين بالسلاح، فالفترة الطويلة لوجود الطرفين في الشارع ولدت علاقة من نوع خاص، إذ يتم التغلب على عدم تكافؤ القوة، بالحيل واختراع المقالب، أو استدراج رجال الأمن والشبيحة إلى التورط في لعبة (طميمة) أو (التخباية) التي يختفي فيها اللاعبون عن عيني أحدهم، والأخير عليه اكتشاف أماكنهم قبل محاولة احتلالهم مكانه.

ففي حمص بث ناشطون فيديو يظهر فيه رجال الأمن والشبيحة ومعهم رجال شرطة يقفون عند ناصية شارع فرعي في سوق الحشيش ويطلقون النار باتجاه مصدر أصوات لعدد من المتظاهرين، يختبئون في مكان ما غير ظاهر، وهم يخاطبونهم بكلام استفزازي مثل «يا جبان لولا باردوتك حقك فرنك» بمعنى لولا سلاحك لا قيمة لك، وأيضا تنغيم بعض الشتائم المقذعة لرموز النظام وترديدها مغناة وكأن قائلها في حالة استرخاء.

في المقابل، رد الشبيحة بداية بكلمات وإشارات جنسية نابية، قبل أن يقوموا بإطلاق الرصاص الحي باتجاه مصدر الصوت، ومع كل رصاصة يعلو صوت المتظاهر هازئا «آآآآي آآآآآآي انكبت الشاي» في منظر بالغ الدلالة والتحدي، إذ يعبر في خطوطه العريضة على انعدام الخوف من الموت، والاستخفاف بجنون السلاح. وهو «ما لا يفعله إلا صاحب قلب شجاع وإيمان عميق بقوة الإرادة الإنسانية»، بحسب أحد الناشطين الحماصنة، الذي يقول إن «أهل حمص خزان الثورة من التحدي والإصرار، فالسخرية والطرافة زادت منعة الثوار وأيضا ساهمت في تعرية النظام وجعله أضحوكة فاقدا للهيبة»، إنها جزء من حرب نفسية «لتقويض الروايات الأسطورية حول قوة الأجهزة الأمنية».

ويشير الناشط الحمصي إلى أن رجال الأمن «صاروا مثارا للسخرية» لاستنفارهم الدائم وحالة الذعر التي يعيشونها «تراهم يركضون بجنون لدى سماعهم أي صوت، فمثلا هناك شباب متظاهرون ولإشغال الأمن يقومون بتمرير آلة معدنية أو مفاتيح بسرعة وقوة على باب توتياء سحاب - متدرج - فيصدر صوت أشبه برش طلق ناري، بعدها يبدأ الأمن بالركض بحثا عمن أطلق النار وسط ضحكات المتظاهرين»، الأمر الذي يجعل رجال الأمن والشبيحة يفقدون صوابهم.

وهنا يروي الناشط الحمصي حادثة خارجة عن المألوف، عن قيام مجموعة بالعشرات من رجال الأمن والشبيحة وقوات حفظ النظام وبعد أن أدركهم العجز في ملاحقة متظاهرين وما بين كر وفر وتبادل للشتائم النابية، قام هؤلاء أي جماعة الأمن «بخلع سراويلهم وإخراج أعضائهم التناسلية وتهديد المتظاهرين باغتصابهم»، ويقول الناشط إنه «كان يصور عندما رأى ذلك المشهد الجنوني وسط الشارع أصيب بالذهول وتوقف عن التصوير»، ويؤكد الناشط قائلا «علينا الاعتراف أنه لا يمكننا التغلب عليهم في البذاءة والانحطاط».

يمكن فهم أن يجري هذا في حمص، مدينة الطرافة والنكات حتى في أصعب الأوقات وأشدها خطرا، وكأنما الحماصنة يتسلحون بالنكتة للدفاع عن بقائهم، مقابل آلة حربية تجوب شوارعهم ولا ترحم، ولكن الأمر تجاوز حمص ليصل إلى دمشق العاصمة، وأول ألعاب كانت بابتكار مجموعة من الشباب والصبايا طريقة جديدة للتظاهر تغيظ قوات الأمن والشبيحة، وهي الاتفاق على ارتداء قمصان بيضاء أو أي لون آخر والوجود بكثافة في حديقة عامة أو وسط السوق والتحرك بعشوائية وكأنهم لا يعرفون بعضهم بعضا.

والتجمع الذي لا يبدو طبيعيا من حيث الكثافة ليس اعتصاما وليس مظاهرة، وبالتالي لا يمكن للأمن أن يقوم بأي إجراء قمعي لتفريقهم. وقد نجحت هذه الخطة أول مرة أما المرة الثانية فتمت ملاحقة الشباب وجرى اعتقال عدد منهم، كما اعتقل أشخاص لا علاقة لهم وجدوا في المكان صدفة، بتهمة ارتداء قميص أبيض. وبحسب ناشطين فإن سبب تنبه الأمن والقيام بالاعتقال، مزاح إحدى المشاركات مع صديقتها وعلى مسمع من رجل الشرطة الذي يرتدي قميصا أبيض وقولها «يمكن عمو الشرطي جاي يتظاهر معنا».

الشباب صاحب الفكرة لم يهتموا بالاعتقال وحاولوا إعادة الكرة ولكن هذه المرة يفكرون بالتجمع وتبادل النكات والضحك بأصوات عالية فقط. بقصد خلق بلبلة وجلبة.. كتلك التي حصلت عندما دس ناشطون دارت صوت موقوتة على البسطات في سوق الحميدية المزدحمة بالمتسوقين والبسطات التي يقف عندها عناصر في الأمن ورجال من الشبيحة، وفي وقت الذروة تم تشغيل تلك الدارات بالريموت لتنطلق بصوت واحد مسجل من مظاهرات سابقة «تكبير.. الله أكبر» ما أعطى إيحاء بأن مظاهرة انطلقت في السوق، وريثما اكتشف أن الصوت هو دارات صوت حصلت فوضى وجلبة كبيرة وهرع رجال الأمن مع الهراوات وراحوا يقلبون البسطات رأسا على عقب.

الأمر تكرر في ساحة عرنوس في الصالحية وسط دمشق التجاري، حيث وضعت مكبرات صوت على أحد المباني المطلة على الساحة وتم تشغيلها بالريموت وقت الذروة في وقفة عيد الفطر، على أغنية إبراهيم القاشوش «بلبل الثورة السورية» المغني الحموي الذي جزت قوات النظام حنجرته ورمته في نهر العاصي، وعندما صدح صوت القاشوش في ساحة عرنوس التي تحولت منذ عدة أشهر إلى مربع أمني تتمركز فيه سيارتان لقوات الأمن وعدد كبير من رجال الشرطة والأمن والشبيحة، أصيب جميع من في الساحة بدهشة بالغة وهناك من كان يضحك على منظر عناصر الأمن وهم يركضون في كل الاتجاهات بحثا عن مصدر الصوت لإسكاته.

بعدها ظهرت صفحة على موقع «فيس بوك» باسم «الحرية لسبيكرات عرنوس» نصرة لمكبرات صدحت بصوت القاشوش وأقلقت راحة الأمن في عقر داره، والأطرف من ذلك استعار الناشطون من مكبرات الصوت وملحقاتها أسماء للتخفي في صفحات «فيس بوك»، مثل «بافل حر» ومفردات للغة ساخرة تنال من الأجهزة الأمنية المذعورة من مسجلات الصوت، فثمة ناشط في الصفحة نقل خبرا عن «اكتشاف مقبرة جماعية للسبيكرات».