السعوديون يعيدون ضبط الساعة البيولوجية.. مع بدء الدوام الرسمي

عادات السهر طيلة الأيام الماضية بات من الصعب تغييرها

TT

مع بدء الدوام الرسمي لموظفي الحكومة في السعودية، اليوم، بعد إجازة عيد الفطر المبارك، أعاد السعوديون ضبط ساعتهم البيولوجية للفترة الصباحية، بعد أن استمروا لأيام يقضون فيها ساعات النهار بالنوم.

وتزامنا مع قرب بداية العام الدراسي الجديد، بدأ عدد من الطلاب والطالبات، أيضا، بتعديل الساعة البيولوجية وإعادة مواعيد النوم إلى ما كانت عليه قبيل شهر رمضان استعدادا للعودة إلى المدارس.

ففي جدة تحولت المدينة ثاني وثالث أيام العيد إلى مدينة شبه خاوية فأغلقت المحلات أبوابها وهدأت الحركة بشكل كبير على الطرقات واكتست معظم الأحياء الهدوء حتى موعد صلاة العصر حيث تعود الحركة تدريجيا حتى تبلغ ذروتها منتصف الليل.

ومع اقتراب الموعد الدراسي اتخذت الأسر السعودية عددا من الأساليب لإطالة السهر قدر المستطاع بتغيير موعد الزيارات في العيد من المساء إلى الصباح والخروج فترة الظهيرة للغداء خارج المنزل أو عبر تقسيم مواعيد النوم لأبنائها كما تشير إلى ذلك نادية الرقيب ربة الأسرة والمعلمة بإحدى المدارس في جدة، وتضيف أن أصعب ما يواجه الأسر هو تغيير مواعيد النوم والاستيقاظ بعد الإجازة بشكل عام حيث يحرص الأبناء على السهر ولكون الإجازة هذا العام تزامنت مع أيام شهر رمضان يكون الوضع أصعب فنلجأ إلى تغيير ذلك تدريجيا والحرص على الزيارات الأسرية صباحا.

من جهته، يقول غاوي النهدي الموظف في إحدى شركات القطاع الخاص إن المنازل تعيش هذه الأيام حالة من سوء التنظيم فيما يتعلق بساعات نوم الأبناء وأوقات تناولهم الوجبات الغذائية، بعد أن تعودت السهر في ليالي رمضان، ومنها أيضا الأسبوع الأول من شهر شوال وحاولت بعض الأسر منذ الأسبوع الأول من عيد الفطر إعادة الأوضاع إلى طبيعتها داخل المنازل من خلال الاستيقاظ مبكرا وعدم النوم حتى الظهيرة حتى يتسنى لهم النوم في ساعة مبكرة من الليل وتقديم الوجبات الرئيسية الثلاث في أوقاتها.

وقال الدكتور أيمن كريم، استشاري الأمراض الصدرية واضطرابات النوم، رئيس قسم الأمراض الصدرية، مدير مركز اضطرابات النوم بمدينة الملك عبد العزيز الطبية بجدة إن السهر وتغيير مواعيد النوم والالتزام بمواعيد مختلفة، ينتج عنها الكثير من اضطرابات النوم والاستيقاظ لأن المعروف بداهة أن الناس قد فطروا على النوم بالليل وكسب الرزق بالنهار، تماشيا مع دورة الشمس والقمر، وهي المنظمة الكونية للساعة الحيوية الداخلية. لذلك كان من الطبيعي أن يعاني الإنسان من عدد من الاضطرابات المرتبطة بالنوم والاستيقاظ عند خروج نسق نومه الطبيعي عن دورة الليل والنهار.

أوضح كريم أن مما يميز شهر رمضان ارتباط الناس بمواعيد نوم واستيقاظ تختلف عن غيرها في الأشهر الأخرى، وذلك بسبب العبادات الدينية والعادات الاجتماعية التي تحفزهم على السهر ومن ثم الاستيقاظ في وقت متأخر من النهار، الأمر الذي عادة ما ينتهي بتغيير نمط نومهم بالكلية ودخولهم في دورة معاكسة تماما للساعة الحيوية للجسم.

وأضاف أن الإنسان يلجأ في كثير من الأحيان إلى حرمان نفسه من النوم لعدة أيام حتى أثناء النهار بسبب ارتباطه بمواعيد العمل أو الدراسة وحرصه على عدم تفويت متعة مشاهدة البرامج والمسلسلات الرمضانية والارتباطات الاجتماعية المختلفة أثناء هذا الشهر الكريم.

ومن أجل التعويض عن النقص في عدد ساعات النوم الطبيعية، يضطر كثير من الناس إلى النوم في أوقات متقطعة من الليل أو النهار مما قد يضاعف من اختلال الساعة الحيوية.

وأشار الدكتور كريم إلى أنه قد ينتج عن هذه السلوكيات المختلفة الكثير من اضطرابات النوم والاستيقاظ مما يعرف طبيا بالحرمان الحاد والمزمن من النوم واضطرابات الساعة الحيوية، كمتلازمة تأخر مرحلة النوم، واختلال أوقات النوم والاستيقاظ بشكل معاكس، فالإنسان البالغ يحتاج إلى ما معدله 7 ـ 8 ساعات من النوم في الليلة حتى يستطيع القيام بجميع وظائفه الحيوية على أكمل وجه.

ويزيد هذا العدد إلى 16 ساعة بالنسبة للأطفال الرضع ويقل إلى نحو 5، 6 ساعات بالنسبة لكبار السن. ورغم حصول كثير من الأفراد على عدد ساعات نومهم الكافي خلال النهار في شهر رمضان المبارك، فإن كثيرا منهم يشتكي من أعراض نقص النوم الحاد، وذلك بسبب عدة احتمالات منها التغيير المفاجئ في مواعيد النوم والاستيقاظ أو اضطراب إفراز بعض الهرمونات كهرمون الميلاتونين أو الارتفاع النسبي في درجة حرارة الجسم المصاحب لفترة النهار أو رداءة نوعية النوم أثناء ساعات النهار مقارنة بالليل.

ولا يجد كثير من الناس صعوبة في تغيير نمط حياتهم ومواعيد نومهم واستيقاظهم في رمضان وذلك بسبب اجتماع الناس كلهم على نمط اجتماعي مختلف، إلا أن ذلك عادة ما يكون على حساب معاناة كثير منهم من أعراض اضطراب الساعة الحيوية والحرمان من النوم مثل زيادة النعاس والخمول والصداع، وتعكر المزاج، والتململ أثناء النوم في ساعات النهار.

وتختلف القدرة على تغيير نظام النوم والاستيقاظ أثناء شهر رمضان من شخص لآخر ومن فئة عمرية لأخرى، فحديثو السن من الأطفال والمراهقين يمكن لهم أن يغيروا نمط نومهم والتأقلم عليه بصورة أسهل بخلاف كثير من البالغين ومن هم في سن متقدمة. والواضح أن المجتمع المدني الحديث يشجع كثيرا على اختلال مواعيد النوم والاستيقاظ خلال شهر رمضان نظرا للارتباطات الاجتماعية التي عادة ما تبدأ في وقت متأخر من الليل وتمتد إلى ساعات النهار الأولى، كذلك بسبب الانشغال بالإنترنت ومتابعة القنوات الفضائية وانتشار أسواق التبضع العاملة على مدار الأربع والعشرين ساعة.