ارتفاع أسعار الذهب يفشل خطط حكومة كردستان في تشجيع الزواج

شاب معين حديثا: راتبي لا يتجاوز 300 ألف دينار أي ما يعادل مثقالا واحدا من الذهب

من قرارات الحكومة زيادة سلف الزواج من مليونين ونصف المليون الى خمسة ملايين دينار
TT

قدمت حكومة إقليم كردستان الكثير من الحوافز والتسهيلات اللازمة للشباب بهدف تشجيعهم على الزواج، والذي أظهرت الإحصائيات الرسمية تدنيا ملحوظا في نسبه، لو قورنت بنسبة الطلاق في الإقليم لظهرت أرقام تبين أن بنيان الأسرة الكردية مهدد. ولذلك خططت حكومة برهم صالح منذ توليها السلطة بكردستان لتقديم الكثير من الحوافز المادية والتسهيلات الضرورية بهدف عكس تلك النسبة وتشجيع الشباب على الزواج.

ومن قرارات الحكومة، زيادة سلف الزواج من مليونين ونصف المليون إلى خمسة ملايين دينار، وزيادة القروض العقارية من 12 مليونا إلى 20 مليون دينار، وكذلك تقديم القروض الصغيرة للمشاريع الخاصة للشباب بشروط ميسرة جدا، وإطلاق القروض الزراعية والصناعية، وتوجت تلك الجهود بتوفير 25 ألف فرصة وظيفية بالحكومة للشباب المتخرجين في الجامعات والمعاهد. ولكن كل تلك الجهود يبدو أنها تواجه بالفشل بسبب الارتفاع الهائل لأسعار الذهب، والذي يعزو الشباب الذين استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم أسباب عدم دخولهم القفص الزوجي إلى هذا الارتفاع غير المسبوق بأسعار الذهب، خاصة أن من أهم شروط قبول الزواج في الأسر الكردية ما زال شراء الذهب للعروس كمقدمة للعقد، وكذلك كمؤخر للصداق، فهناك أسر ما زالت أسيرة تقاليدها المتوارثة في المغالاة بالمهور وطلب الذهب كشرط أساسي من شروط إتمام الزواج وفي معظم الحالات على سبيل المفاخرة ليس إلا.

سألنا الصائغ كاوة فتحي في سوق صاغة أربيل عن سبب هذا الارتفاع الكبير في أسعار الذهب فقال «ليس الذنب ذنبنا، نحن مرتبطون بالأسواق العالمية، ونراقب أسعار الذهب في وسائل الإعلام العالمية، أي ارتفاع في أسعاره سينسحب بطبيعة الحال على الأسعار المحلية، مثلها مثل العملات الأجنبية المتداولة في كردستان التي تتأثر أسعارها بالخارج». ويشير إلى أن «معظم الكميات من الذهب المتداول في أسواق كردستان تأتي من الخارج، وخاصة من الدول الخليجية وفي مقدمتها دولة الإمارات».

ويقول زميله في التجارة علي إبراهيم «لقد سجل الذهب يوم الخميس نهاية الأسبوع ارتفاعا جديدا بوصولها إلى 310 آلاف دينار للمثقال الواحد، بعد أن هبط سعره في الأيام الماضية إلى حدود 290 ألف دينار، هذا التذبذب في الأسعار يجعل الكثيرين أن يترددوا في الشراء والبيع، لذلك فإن سوق الذهب راكدة حاليا ولا تستقر». ويضيف «طبعا هذا الارتفاع من أحد الأسباب الرئيسية لعزوف الشباب عن الزواج، لأن الذهب من أساسيات تجهيز العروس وخصوصا في مجتمعنا الكردي».

ويقول الشاب ديندار «أنا معين حديثا بوظيفة حكومية، وراتبي لا يتجاوز ثلاثمائة ألف دينار، أي ما يعادل مثقالا واحدا من الذهب، فكيف يمكنني تدبر 30 أو 40 مثقال ذهب للزواج، هذا يعني أن علي أن أدخر رواتبي لثلاث سنوات مقبلة حتى أستطيع تدبير هذا المبلغ». وبسؤاله عن سلف الزواج قال «نحن لا نلوم الحكومة فقد بذلت جهدا بتقديم التسهيلات منها سلف الزواج، وكانت هذه السلفة حافزا جيدا قبل ارتفاع الأسعار، ولكن اليوم فقدت هي أيضا قيمتها تجاه هذا الارتفاع المخيف، ولم تعد تساوي شيئا».

ويعرض توانا (24 سنة) حاله بالقول «أنا مقبل على الزواج وأجهد من خلال عملي كسائق تاكسي لكي أدخر ما يسهل علي الارتباط بحبيبتي التي أحبها منذ أكثر من خمس سنوات، وهي تنتظرني بلهفة وشوق، ولكني ما زلت أجري وراء تدبير مبلغ يوفر لي ما تطلبه أسرتها، فهم يشترطون علي شراء 50 مثقال ذهب لها، إلى جانب توفير تجهيزات البيت، وسمعت أن الحكومة تقدم قروضا للشباب لكي تعينهم على القيام بمشاريع صغيرة، وحاولت أن أستغل ذلك لأسد النقص من خلال تسلم هذا القرض، ولكن قيل لي إن هناك الكثير من الشروط التي لا يمكن الإخلال بها لمن يريد أن يستفيد من تلك القروض المحددة لإقامة مشاريعه الصغيرة الخاصة، وما زلت عاجزا عن تدبير ما تطلبه أسرة الفتاة، وأنا بانتظار القدر».

ويظهر خبراء اقتصاديون في كردستان دهشتهم من الارتفاع الحاصل في أسعار الذهب، ولا يعرفون تحديدا الأسباب التي تؤدي إلى هذا التذبذب السريع في الأسعار العالمية، لكنهم يؤكدون أن هذا الوضع أثر كثيرا على سوق الذهب في كردستان، والتي سجلت حركة الشراء والبيع فيها تدنيا كبيرا تجاوز حدود 60 في المائة في التعامل بهذا المعدن الثمين الذي عز كثيرا على من وعد حبيبته بالزواج، أو من رضخ للأمر الواقع بدخول القصف الذهبي مرغما قبل أن يفوته قطار العمر.