محافظ كركوك.. جراح الأعصاب الأميركي الجنسية يحدوه التفاؤل حول مستقبل مدينته

نجم الدين كريم: بعد عامين ستكون مدينة مختلفة تماما

نجم الدين كريم
TT

في يوم قائظ هذا الصيف استقل محافظ كركوك، نجم الدين كريم، سيارته المصفحة وذهب إلى شارع الجمهورية، حيث توجد أكشاك بيع الفاكهة والمتاجر في قلب المدينة النفطية المعبقة بالغبار، والتي تقع إلى الشمال من بغداد.

ويرى كريم أنه إذا منحت كركوك وقتا فسيعود شارع الجمهورية إلى ما كان عليه عندما كان طفلا صغيرا، أي واحة من المقاهي ودور السينما، حيث تختلط الجماعات العرقية المختلفة بتناغم.

حتى عام مضى كان كريم الذي يبلغ حاليا 62 عاما جراح أعصاب عمل لفترة طويلة في واشنطن ويعيش مع زوجته في منزل كبير مبني بالطوب الأحمر في حي سيلفر سبرينغ. وبعد 35 عاما في الولايات المتحدة قرر كريم الذي يحمل الجنسية الأميركية العودة إلى العراق. لكن على عكس الأميركيين الآخرين الذي سارعوا إلى المساعدة في العراق وأفغانستان خلال الأيام الأولى من القتال، يعد كريم من جيل جديد من العراقيين العائدين من المنفى ممن حازوا دعم أهلهم لا القوات الأميركية، وهو ما يُنظر إليه هنا باعتباره ميزة.

لقد عاد إلى فوضى مسقط رأسه في وقت يكتنف فيه مستقبل كركوك الغموض، شأنه شأن مستقبل العراق ككل. وفي يوم من أيام الصيف كان كريم يسير بصعوبة لبضع خطوات خارج المنزل عندما كان بجانبه عدد ضخم من قوات الأمن طغى وجودها على الشارع الضيق، ووقف أصحاب المتاجر والزبائن يحملقون مشدوهين. لقد كان التوتر ملموسا في مكان اغتال فيه إسلاميون متطرفون 10 من ضباط الشرطة والشخصيات السياسية خلال العام الحالي واختطفوا 45 ثريا من سكان المنطقة خلال العام الماضي بحسب تقرير الشرطة. وتعاني المدينة ذات الـ900 ألف نسمة التي تعد خامس مصدر للنفط في البلاد من توترات عرقية حادة تعود جذورها إلى عقود.

وتستعد القوات الأميركية التي يبلغ قوامها 4500، والتي ساعدت في تحقيق السلام بين المجموعات العرقية الرئيسية الثلاث في المدينة - الأكراد والعرب والتركمان - لمغادرة البلاد. ويقول مسؤولون أميركيون إنه ستتم مراقبة كركوك جيدا خلال الأشهر المقبلة باعتبارها مؤشرا على سير العملية الديمقراطية الهشة في العراق. ويرى بعض الخبراء أن كركوك ستكون نقطة الانقسام إذا دخل العراق في حالة من الفوضى بعد مغادرة القوات الأميركية.

عاد كريم إلى العراق عام 2010 وفاز بمقعد في البرلمان عن مدينة كركوك، حيث نشأ بين 10 من الإخوة في أسرة ربها معلم، وتم اختياره محافظا الربيع الماضي. وساعد كريم خلال الـ5 أشهر الماضية في المفاوضات حول اتفاق معقد يفصل كركوك عن شبكة الكهرباء المركزية، التي تعاني من مشاكل، ويربطها بإقليم كردستان بحيث تزداد عدد ساعات خدمة الكهرباء لتصل إلى 18 ساعة يوميا. كما يعمل مجلس المدينة على بناء محطتي مياه و700 وحدة سكنية للاجئين.

وكان أكراد تم تهجيرهم من المدينة ووطنت عائلات عربية محلهم إبان حكم صدام حسين قد عادوا إلى المدينة بعد الغزو الأميركي عام 2003 بالآلاف أملا في استعادة منازلهم التي فقدوها. وتكثر الخلافات والنزاعات حول حقوق ملكية الأراضي، ولا يزال الكثيرون بلا مأوى. ويساعد جنود ينتمون إلى الـ3 أعراق على حفظ السلام وأحيانا ينتهي الحال إلى جمود. والسؤال الأهم هو: هل ستظل كركوك جزءا من العراق أم ستصبح تابعة لإقليم كردستان الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي ويقع شمالها؟ لكن توقفت الخطط لإجراء تعداد سكاني في المدينة لتحديد عدد الذين يعيشون في كركوك وإجراء استفتاء من شأنه أن يحدد شكل الحكم فيها بحسب الدستور العراقي الجديد.

ورفض كريم الوصف الشائع الاستخدام لمسقط رأسه بأنها مدينة «مرشحة للانفجار» أو «برميل من البارود» يمكن أن ينفجر في أي لحظة. ومع ذلك يقر بوجود خطر، لكنه يقول: «إنه ليس كبيرا إلى الحد الذي يتم تصويره به من أن الوضع سينفجر ويقتل الناس بعضهم البعض بمجرد مغادرة القوات الأميركية».

لدى كريم كل الأسباب التي تدعوه إلى التفاؤل، فعلى الرغم من عمليات الاغتيال والاختطاف والتفجير المزدوج في مايو (أيار) الذي أسفر عن مقتل 27، تراجعت وتيرة العنف في كركوك خلال العام الحالي. لكن ما من شك أن كريم يريد بقاء القوات الأميركية. ويقول كريم: «يمكنك العودة بعد عامين وستجد مدينة كركوك مدينة مختلفة تماما».

* خدمة: «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»