التضامن العالمي لم يدم طويلا بعد هجمات سبتمبر

كان هناك تعاطف واسع النطاق وشعور بالكفاح المشترك ضد عدو جديد وغير مرئي

الجنديان الأردنيان عيسى الصمدي وناصر سليمان بمطار قندهار في عام 2002 ضمن القوات الدولية (واشنطن بوست)
TT

كان الحرس الملكي البريطاني في قصر باكنغهام يعزف النشيد الوطني الأميركي، والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات يتبرع بالدم للضحايا أمام عدسات المصورين، وعرضت كوبا على الولايات المتحدة استخدام مجالها الجوي ومرافقها الطبية، وخرجت صحيفة «لوموند» الفرنسية في صفحتها الأولى تقول «كلنا أميركيون». كان هذا هو المشهد السائد في شتى بقاع المعمورة في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001 والأيام التي تلته، حيث كان هناك تعاطف واسع النطاق وشعور بالكفاح المشترك ضد عدو جديد وغير مرئي. وبين عشية وضحاها، كان الأمر يبدو وكأن الحرب على الإرهاب قد أعادت تعريف النظام العالمي وحولت الأعداء القدامى إلى حلفاء جدد.

ولكن ثبت فيما بعد أن ذلك لم يكن سوى سحابة عابرة بعدما لم يدم الشعور بالتعاطف والتضامن طويلا، حيث أظهر مركز «بيو» للأبحاث ضمن مشروع اتجاهات الرأي العالمي أن أغلبية كبيرة من المسلمين في الكثير من الدول، بدءا من مصر وحتى باكستان، لديها آراء سلبية تجاه الولايات المتحدة وسياساتها في الخارج بعد مرور 10 سنوات على هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. وحتى بين حلفائها التقليديين في أوروبا، يتم النظر إلى الولايات المتحدة على أنها تتصرف من جانب واحد وأنها فشلت في أن تضع في الاعتبار مصالح الدول الأخرى عندما تتخذ القرارات التي تتعلق بسياستها الخارجية.

وفي بعض البلدان الأخرى مثل الصين، زاد العداء تجاه الولايات المتحدة والشك في النيات الأميركية. ويشعر الأشخاص العاديون بالاستياء من الانشغال الأميركي بالحرب في العراق وأفغانستان.

«بالمقارنة بالوضع قبل عشر سنوات، أصبحنا نشعر بغضب أقوى وليس أقل»، كانت هذه هي كلمات لو روكسي (24 عاما)، وهو خريج جامعي يداوم على الذهاب في نهاية الأسبوع إلى مكتبة يسارية في بكين تحمل اسم يوتوبيا.

وأضاف: «أعتقد أنهم بدأوا كل هذه الحروب لتحويل الانتباه عن أزمتهم الداخلية. ومعروف للجميع أنهم يسيطرون على الدول الأخرى».

وفي الواقع، تتحمل واشنطن جزءا من الانهيار الذي حدث في وحدة الصف، وربما كان غزو العراق - الجدل الذي استمر لعدة شهور والمسيرات الهائلة المناهضة للحرب في جميع أنحاء العالم والفشل في العثور على أي أسلحة للدمار الشامل - هو المسؤول الأول عن انهيار التضامن العالمي بعد الحادي عشر من سبتمبر. وربما كان السبب في ذلك هو انتهاكات حقوق الإنسان وسقوط ضحايا من المدنيين على يد القوات الأميركية، وربما لأن العالم قد أنهك من الصراعات بعد مرور عقد من الزمان، أو ربما لأن التضامن الذي ظهر بعد الحادي عشر من سبتمبر كان مصطنعا وهشا، وهو احتمال وارد أيضا.

وحتى وقت وقوع الهجمات على الولايات المتحدة، لم يكن رد الفعل متعاطفا في جميع أنحاء العالم، حيث كان هناك ارتياح، بل وابتهاج، في بعض الدوائر لأن القوة العظمى التي تختال بنفسها قد نالت القصاص العادل الذي تستحقه. وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات يتبرع بالدم للضحايا، كان هناك احتفالات معادية للولايات المتحدة في شوارع قطاع غزة؛ تم إطلاق النار في الهواء وقام مسلحون بتوزيع الحلوى على الأطفال.

وفي الصين أيضا، كان هناك عداء على نطاق واسع ضد الولايات المتحدة، ويعود السبب في ذلك بصورة جزئية إلى القصف الأميركي غير المقصود للسفارة الصينية في بلغراد أثناء حرب كوسوفو في عام 1999 ومقتل طيار صيني في وقت سابق في عام 2001 بعدما اصطدمت طائرته بطائرة تجسس أميركية فوق بحر الصين الجنوبي.

وكان رد الفعل الأولي للكثير من الصينيين هو الفرحة العارمة بعد الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة. وتذكر تشانغ لينا، وهو منتج سينمائي وتلفزيون يبلغ من العمر 25 عاما وكان في المدرسة الثانوية في عام 2001، قائلا «كان يجب عليهم ألا يفجروا برجي مركز التجارة العالمي، بل كان يجب عليهم تفجير البيت الأبيض».

ورأى الكثير من قادة العالم أن هناك فرصة ثمينة قد خرجت من رحم مأساة الحادي عشر من سبتمبر، حيث رأى الرئيس الروسي في ذلك الوقت فلاديمير بوتين أن هناك فرصة للانخراط بشكل مثمر مع الولايات المتحدة بعد المشاعر السيئة التي سادت خلال حرب كوسوفو، وكان بوتين أول زعيم أجنبي يتصل بالرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بعد الهجمات. ومن جهته، رأى الرئيس الصيني جيانغ زيمين فرصة في ذلك أيضا، حيث كانت العلاقات الصينية - الأميركية سيئة للغاية، ولكن جيانغ لم يكن يريد المواجهة وأراد بدلا من ذلك التركيز على تحديث اقتصاد بلاده.

بالطبع كان لدى بوتين وجيانغ الدوافع للانضمام إلى «حرب بوش على الإرهاب»، فبالنسبة لبوتين، كانت الفرصة مواتية لطلب الدعم الأميركي في صراع روسيا مع المسلمين في الشيشان على اعتبار أنها حرب ضد «الإرهابيين»، أما بالنسبة لجيانغ، فكان لديه رغبة في كسب التأييد لحرب الصين ضد الانفصاليين المسلمين اليوغور في حركة شرق تركستان الإسلامية التي يريد جيانغ أن يطلق عليها اسم «منظمة إرهابية».

وكان هناك آخرون يأملون في أن تنظر الولايات المتحدة إلى من يحاربهم على أنه عدوها هي أيضا، مثل الإسرائيليين الذين عانوا لسنوات طويلة من الهجمات الانتحارية الفلسطينية، والإسبان الذين اعتادوا على الاغتيالات التي يقوم بها انفصاليو الباسك في منظمة إيتا - واعتقد كثيرون أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر سوف تجعل الأميركيين يقدمون مزيدا من الدعم لهم.

وفي الوقت الذي تم فيه إنهاك الولايات المتحدة بسبب تدخلاتها العسكرية لدرجة أنها تصارع الآن من أجل دفع ديونها الضخمة، استمرت الصين في البناء والنمو على مدى العقد الماضي وقفزت لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعدما تجاوزت اليابان. وتوقع صندوق النقد الدولي أن يتفوق الاقتصاد الصيني على الاقتصاد الأميركي بحلول عام 2016، وهو الإنجاز الذي جعل كثيرا من الصينيين يقولون إنه يتعين عليهم تقديم الشكر لكل من أسامة بن لادن وصدام حسين.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»