«رجال أحرار».. فيلم يكشف دور مسجد باريس في المقاومة الفرنسية

الإمام قدور بن غبريت أخفى فرنسيين ويهودا لإنقاذهم من التسفير إلى معسكرات الموت

TT

قليلون هم الذين يعرفون أن مسجد باريس الكبير كان، خلال الاحتلال النازي للمدينة، مأوى لرجال المقاومة الفرنسية ولعائلات من اليهود الهاربين من التسفير إلى معسكرات الإبادة ولطيارين بريطانيين من قوات الحلفاء، احتموا به وفتح لهم أبوابه واستقبلهم الإمام المشرف عليه وقدم لهم المساعدة وخبأ مجاميع منهم في الحمام الشرقي التابع له!! إن كتب التاريخ الفرنسية لا تذكر ذلك، لكن فيلما ينزل إلى الصالات، هذا الأسبوع، يكشف هذه الصفحة الناصعة ويروي وقائعها بالاستناد إلى وثائق وسجلات رسمية وشهادات معمرين عاشوا تلك المرحلة.

عنوان الفيلم «رجال أحرار»، ومخرجه هو إسماعيل فروخي، المغربي الأصل، وهو بمثابة التحية، ولو المتأخرة، لرجال أحرار وشجعان، على رأسهم سي قدور بن غبريت، إمام مسجد باريس في تلك الحقبة من الأربعينات. لقد جاءوا مهاجرين للعمل في فرنسا، منذ عشرينات القرن الماضي، وفي بلد الهجرة تفتح وعيهم وعرفوا الحركات السياسية والنقابات وكانوا من أوائل المطالبين باستقلال بلدانهم. ومثلما كانت لهم أحياؤهم ونواديهم ومقاهيهم الخاصة، كان مسجد باريس هو نقطة التقائهم والصلة التي تربطهم بدينهم وبأوطانهم التي جاءوا منها. ولما قامت الحرب، تحملوا مسؤوليتهم الإنسانية وردوا الجميل إلى البلد الذي استقبلهم وتعاملوا بما يفرضه عليهم دينهم من مساعدة الضعيف حتى ولو كان من دين آخر.

كتب فروخي سيناريو الفيلم وقصته بعد الاطلاع على التقارير الفرنسية الموجودة في دوائر الشرطة والتي تتناول تلك الحقبة. وقد ساعده في بحثه اثنان من المؤرخين المهتمين بالموضوع، وهما بنجامين ستورا وباسكال لوبوترومون. وقام بالأدوار الرئيسية ممثلون فرنسيون وأجانب، منهم ميشال لوندال بدور إمام المسجد بن غبريت، وكريستوفر بوخلز في دور القائد الألماني، والممثل الجزائري الأصل طاهر رحيم في دور يونس. وطاهر رحيم هو الممثل الذي كان قد لفت الأنظار ونال عدة جوائز عن الدور الممتاز الذي أداه في الفيلم الفرنسي «النبي».

يأتي يونس، بطل الفيلم، إلى فرنسا سعيا وراء الرزق. وتستغله الشرطة، خلال الحرب، للتجسس على الإمام بن غبريت الذي تدور شبهات حول مساعدته لليهود ولرجال المقاومة الفرنسية. ومن خلال تردده على المسجد، تقوم صداقة بين يونس وبين المغني الجزائري سليم هلال، وهو يهودي انتحل شخصية مسلم، بالتواطؤ مع إمام المسجد، لكي ينجو من الاعتقال.. بل إن الإمام بن غبريت كان يحفر قبورا وهمية في مقبرة المسلمين ويضع على الشواهد أسماء عائلات يهودية لكي يقنع «الغستابو» بأنهم مسلمون ويخلص أبناءهم من الموت.

كان من الطبيعي أن يتم تصوير الفيلم في موقعه الحقيقي، أي داخل مسجد باريس، لكن لسبب ما، لم يوافق المشرفون على المسجد على السماح بالتصوير الذي تم، في نهاية الأمر، في أحد قصور المغرب، البلد الذي كان ملكه الأسبق محمد الخامس قد حمى يهود بلاده وامتنع عن تسليمهم لسلطات حكومة «فيشي» المتعاونة مع الألمان، قائلا إن المطلوبين ليسوا سوى مواطنين مغاربة. وقد رحبت السلطات المغربية بفريق العمل في الفيلم انطلاقا من سمة المغرب في التسامح واستمراره في جمع مواطنيه تحت مظلته، مهما كانت عقيدتهم.

تقدم الفيلم لمهرجان «كان» السينمائي الدولي في فرنسا، ووجد فيه الكثيرون شهادة مؤثرة عن التسامح المطلوب الذي بات عملة نادرة، رغم بعض جوانب الضعف الفني بسبب قلة الإمكانات الإنتاجية. وطبعا، كان هناك من رأى فيه فيلما عاطفيا يبشر بالسلام بين العرب واليهود في ظرف غير واقعي وفي وقت تتأزم فيه القضية الفلسطينية ويزداد التعنت الإسرائيلي. هل هناك وقت غير مناسب للسلام؟