إيران استضافت سرا وفدا لطالبان

استعدادا لما بعد الانسحاب الأميركي

طفلة أفغانية تستند على باب منزلها في مخيم للاجئين الأفغان في إسلام أباد أمس (أ.ب)
TT

استضافت إيران سرا وفدا من أعضاء حركة طالبان في طهران، خلال الشهر الماضي، في إشارة قوية إلى تطلعاتها لتشكيل مسار الصراع الأفغاني مع بدء القوات الأميركية في الانسحاب من أفغانستان.

وكان من الواضح أن المسؤولين الإيرانيين يأملون في ترتيب اجتماع بين الوفد وبرهان الدين رباني، الرئيس الأفغاني السابق وقائد جهود المصالحة في البلاد، الذي كان يحضر المؤتمر نفسه في طهران، بحسب مساعدين له. وعلى الرغم من عدم حدوث اللقاء، فإن وجود أعضاء طالبان في طهران يشير إلى رغبة إيران في ترسيخ علاقاتها مع الجماعة المتمردة أكثر من السابق، وزيادة جهودها للتأثير على جارتها الشرقية في ظل تراجع الدور الأميركي هناك.

وقد كانت العلاقة بين إيران وقيادة طالبان مشوبة بالتوتر الدائم أثناء حكم طالبان لأفغانستان في التسعينات، وكانت الدولتان على وشك الدخول في حرب.

ومن جانبهم، اتهم المسؤولون الأميركيون إيران بإذكاء الصراع في أفغانستان من خلال توفير التدريب والأسلحة المتطورة إلى قادة الفصائل المتمردة، على الرغم من وصفهم الدور الإيراني بالضعيف مقارنة باللاعبين الإقليميين الآخرين، إذا لم تكن هناك سوى إشارات محدودة على وجود اتصالات على مستوى بارز بين طالبان وإيران.

ربما تكون استضافة أعضاء حركة طالبان في مؤتمر طهران محاولة من قبل المسؤولين الإيرانيين لرأب الصدع في علاقتهم بطالبان والتي تبين لهم أنها ستكون طرفا رئيسيا في معادلة السلام في أفغانستان في أعقاب انسحاب آخر القوات الأميركية المقاتلة في 2014، بحسب محللين. ومن جانبهم دشن المسؤولون الأميركيون مبادرتهم الخاصة بالحوار مع طالبان، والتي لم تسفر عن نتائج تذكر. ويقول مايكل سمبل، الذي يحمل خبرة في الشؤون الأفغانية امتدت لعقود كدبلوماسي وباحث «تعتبر إيران نفسها لاعبا إقليميا له نصيب مشروع في أفغانستان ولا ترغب في حدوث أي تقدم يعارض مصالحها السياسية. وإذا ما كان ثمن الدور الإيراني هو التعامل مع طالبان، فهم مستعدون للقيام بذلك».

وعقد مؤتمر الصحوة في طهران تحت رعاية المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي يملك القول الفصل في سياسات الدولة، في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، وشارك فيه أكثر من 700 عالم وشخصية سياسية إسلامية من جميع أنحاء العالم.

وقد تمثلت الحكومة الأفغانية في شخص رباني الذي أوكل إليه قبل عام قيادة مجلس السلام الأعلى في أفغانستان. وبعد أيام قلائل من نهاية المؤتمر قتل رباني على يد رجل زعم أنه مفاوض من طالبان، ولا يبدو وجود رابط بين الحدثين.

ويشير أعضاء المجلس إلى أنهم لم يحققوا تقدما كبيرا في محادثات السلام، لأن طالبان لم تبد رغبة في التوصل إلى تسوية تفاوضية لإنهاء الحرب. ويوضح آرسالا رحماني، الذي رافق رباني إلى المؤتمر، أنه فزع عندما رأى نيك محمد هوراكزي الذي كان زميلا له لسنوات في حكومة طالبان. وقال رحماني، الذي عمل نائبا لوزير التعليم خلال سيطرة طالبان على السلطة في أواخر التسعينات «نادرا ما يحضرون المناسبات العامة، وعندما يقومون بذلك يستخدمون أسماء مستعارة». وأشار رحماني إلى أن الرجلين تصافحا لكنهما لم يتبادلا أكثر من عبارات المجاملة. وقال «لم تكن الطريقة المعتادة التي يتبادل بها الأفغان التهنئة مع بعضهم بعضا. لقد جرى ذلك بطريقة باردة للغاية». وأضاف رحماني أن محمد الذي كان يرأس وفدا صغيرا لطالبان، قائد بارز تربطه اتصالات بالأعضاء البارزين في مجلس شورى كويتا، الذي يقود طالبان.

وأكد سامبل أنه على الرغم من وضع محمد على لائحة عقوبات الأمم المتحدة، فإنه لا توجد أدلة قوية تشير إلى تورطه المباشر في إدارة التمرد، حيث عمل نائبا لوزير التجارة خلال نظام حكم طالبان.

ويرى وحيد موزداه، المحلل السياسي الذي كان ضمن وفد رباني، أنه علم بشأن وفد طالبان وهو يستعرض برنامج المؤتمر، ووجد اثنين يعرفهما، كانا مدرجين تحت ما وصف بجبهة المعارضة الأميركية في أفغانستان، والممثلة في نيك محمد وطيب أغا. وقد شغل الأخير منصب مساعد للملا محمد عمر الذي قيل إنه أجرى محادثات مع مسؤولين أميركيين في قطر وألمانيا. غير أن أغا أوقف المحادثات مع المسؤولين الغربيين في أعقاب الكشف عنها. لكن أعضاء الوفد المرافق لرباني قالوا إنهم لم يلتقوا أغا، غير أن اثنين من الوفد قالا إن بعض أعضاء وفد طالبان كانوا يغطون وجوههم.

وأشار موزداه إلى أن الإيرانيين سألوا وفدا لرباني، في إحدى المراحل، عما إذا كان لديهم اعتراض على لقاء وفد طالبان كفرصة للخروج بتصريحات عامة. وقال موزداه، الذي عمل في وزارة الخارجية إبان حكم طالبان «كانت هناك آراء متعارضة، وكانت هناك أخرى تقول: دعونا نقابلهم لنرى ما يجول بخاطرهم». وأوضح موزداه أنه اعترض، مؤكدا لرباني أن مثل هذه الخطوة ستدمر العلاقات بين كابل وطهران. وبدلا من ذلك، عرض الإيرانيون على رباني لقاء ممثلي طالبان بشكل منفرد على هامش المؤتمر، لكن اللقاء لم يتم بحسب الفريق المعاون لرباني.

وقال قاضي أمين ويقاد، الذي حضر المؤتمر أيضا «خشينا إذا ما قمنا بذلك أن يكون ذلك دليلا على ضعفنا. كنا قلقين من إمكانية رفض ممثلي طالبان.. نحن بحاجة إلى الحديث مع مجلس شورى كويتا».

وقد رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية التعليق بشكل رسمي على المؤتمر، لكن مسؤولين في الإدارة أشاروا إلى أن إيران لديها مصالح مشروعة في أفغانستان، ودور منوط بها في تعزيز الاستقرار الإقليمي. لكن الإدارة الأميركية بعثت خلالها محاولتها بتعزيز المصالحة مع طالبان بمبعوثين إلى كل الدول المجاورة لأفغانستان عدا إيران.

وكانت إيران ذات الأغلبية الشيعية قد دعمت قوات التحالف الشمالي خلال حربه ضد طالبان خلال التسعينات. وكادت طالبان التي سيطرت على أفغانستان في الفترة من 1996 وحتى عام 2001 تدخل في حرب مع إيران عندما أعدمت طالبان ثمانية دبلوماسيين إيرانيين. وعندما أسقط التحالف الشمالي المدعوم من الولايات المتحدة طالبان في أواخر عام 2001، بدأت إيران في توسيع روابطها الدبلوماسية والتجارية مع أفغانستان. وقد أبدى القادة الإيرانيون قلقا متزايدا نتيجة استمرار التمرد في أفغانستان ودخول المخدرات عبر الحدود الإيرانية الشرقية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»