مثقفو العراق يفقدون تفاؤلهم بعد اغتيال الإعلامي والناشط هادي المهدي

أحد أصدقائه: لقد أصبحنا نشعر بخوف شديد مما نقوم به ومما نكتبه

TT

في رسالة لأصدقائه مليئة بالتحدي والتأملات الشعرية والاقتباسات من السيد المسيح والإمام الحسين وغاندي وتشي غيفارا وبوذا، توقع الإعلامي العراقي هادي المهدي مقتله. وكان نص الرسالة يقول: «أنام بسلام.. هناك تحت نصب الحرية أريد أن أرقد.. وأنام.. أنام طويلا.. أحلم بأن يكتب اسمي بشكل صحيح على شاهدة قبري.. وأحلم بأن يأتي لزيارتي ولو لمرة واحدة.. ابني.. الذي لا يجيد العربية.. أحلم بأنه سيجيد قراءة اسم أبيه عاشق الحرية وشهيدها بشكل صحيح».

وكان المهدي قد كتب تلك الرسالة في شهر يونيو (حزيران) الماضي، وتم اغتياله في شهر سبتمبر (أيلول) بمسدس كاتم للصوت، لينضم إلى قائمة الصحافيين الذين تم اغتيالهم في العراق، ولكن لم تترك أي من هذه الاغتيالات الصدى العميق الذي تركه اغتيال المهدي في المجتمع العراقي.

وقد ترددت أصداء هذا الاغتيال في أوساط الفنانين والصحافيين والكتاب العراقيين، وهو ما أثار لحظة من التأمل العميق في أوساط المثقفين العلمانيين الذين فر كثير منهم من العراق بسبب القمع الشديد في عهد الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وعادوا إلى وطنهم بعد الغزو الأميركي على أمل أن يكونوا بمثابة الضمير الليبرالي في أمة جديدة.

وكان الكثير منهم يشعر بالتفاؤل حتى في أحلك وأسوأ سنوات الحرب، ولكن الآن، وهم يشاهدون رحيل القوات الأميركية ومشاهد انتصار الثورات في البلدان العربية المجاورة، بدأ هؤلاء المثقفون يعيدون النظر في تجربة بلادهم في التخلص من الديكتاتورية.

وقال علي السومري، وهو رئيس تحرير إحدى الصحف ومخرج سينمائي عاد إلى العراق في عام 2003 من الأردن وكان صديقا مقربا من المهدي: «بالنسبة لي، كنت أشعر بالتفاؤل حتى عام مضى. وحتى خلال الحرب الطائفية، كنت أعتقد أن الأمور سوف تستقر. ولكن هذه الأيام، بدأت أشعر بالخوف من عدم قدرة العراق على أن يصبح بلدا مستقرا».

ويكاد ينعدم الفرق في كثير من الأحيان بين الصحافيين والفنانين والناشطين، ولذا كان الصحافي المهدي الذي قتل وهو في الخامسة والأربعين من عمره يقدم برنامجا إذاعيا شهيرا أصبح فيما بعد صوتا قويا لأولئك الذين ينتقدون الحكومة وبعض المسؤولين بالاسم، وكان يتلقى تهديدات متكررة بالقتل. بالإضافة إلى ذلك، قام المهدي بإخراج الكثير من الأفلام وكتب الكثير من المسرحيات والكتب والمقالات وأصبح قائدا لمجموعة صغيرة من الأشخاص الذين كانوا يتجمعون في معظم أيام الجمعة منذ شهر فبراير (شباط) بساحة التحرير في بغداد للاحتجاج ضد الحكومة.

ومثلهم مثل المعارضين السياسيين السابقين للحكومة العراقية، كان المثقفون العراقيون لديهم أمل كبير في وضع أفكار تدعم وترسخ الديمقراطية الجديدة، ولكن مع الأسف عاد السياسيون إلى رئاسة الدولة وعاد الصحافيون إلى المعاناة تحت وطأة التكتيكات التي وصفوها هم ونشطاء حقوق الإنسان بأنها نفس التكتيكات التي كانت تستخدم من قبل الحكومة السابقة.

وفي شهر فبراير الماضي، تم إلقاء القبض على السومري والمهدي بعد مشاركتهما في احتجاج ضد الحكومة في بغداد، وتعرضا للضرب وتم اتهامهما بالتعاطف مع حزب البعث، وكان هذا هو أسوأ أنواع الإهانة في العراق، وخاصة لرجلين كانا قد فرا من العراق في ظل حكومة حزب البعث تحت قيادة صدام حسين.

وقال السومري: «يمكنك أن تتهمني بأي شيء، وحتى لو اتهمتني بأنني إرهابي، ولكن لا تصفني بأنني أنتمي لحزب البعث لأن ذلك يعد مهانة لإنسانيتي».

ويمثل المفكرون والكتاب الذين عادوا للبلاد الوجه الآخر للطبقة المتوسطة المتعلمة التي هاجرت من العراق بشكل جماعي ولم يعد كثير منهم حتى الآن، وهو ما ترك فجوة كبيرة في بنية العراق الاجتماعية، والتي لا تضم الآن سوى النخبة السياسية الفاسدة في كثير من الأحيان والطبقة الدنيا التي تمثل الغالبية العظمى من الشعب العراقي.

وكان المهدي قد فر إلى سوريا ومنها إلى الدنمارك التي لا يزال أولاده يعيشون بها، أما السومري فكان قد فر إلى الأردن. وهناك صديق آخر مقرب منهما وهو أحمد حسين، وهو رئيس تحرير إحدى الصحف تنقل بين سوريا ولبنان وكندا قبل الغزو الأميركي. وكان حسين زميلا للمهدي أثناء الدراسة الجامعية في بغداد، وكان هو من عرفه على زوجته الأولى. وقال حسين «عندما عدت كنت متفائلا للغاية وكنت أعتقد أن الأميركيين أكثر ذكاء مما اتضح بعد الآن».

وكان حسين قد تواصل مع المهدي على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» قبل مقتله بساعات قليلة وناقش معه تنظيم أحد الاحتجاجات المقبلة. وقال حسين: «لم يكن المهدي متفائلا فقط، ولكنه كان حالما. كان يعتقد أن العراق سيصبح دولة ليبرالية وعلمانية، وكان يحلم هذا الحلم حتى أيامه الأخيرة».

وهناك أصدقاء آخرون للمهدي لم يغادروا العراق وتذكروا مشاهد السعادة ولم الشمل بعد سقوط الحكومة في شارع المتنبي، وهو شارع مزدحم يعج بالأكشاك التي تبيع الكتب، ويعد هذا الشارع مركزا للحياة الفكرية في الحي القديم من العاصمة بغداد. وقالت كريمة هاشم التي تعرف المهدي منذ الثمانينات من القرن الماضي عندما كانا يعملان سويا في السينما ووسائل الإعلام في بغداد: «كنا في غاية السعادة لعودته إلى العراق، وكان هو سعيدا بعودته لأنه كان يعتقد أن العراق أصبح بلدا حرا».

وكانت كريمة التي تدير معهد وأكاديمية الفنون الجميلة في بغداد، قد تحدثت في الآونة الأخيرة خارج أحد المساجد خلال تشييع جنازة المهدي. وكانت كريمة ترتدي ملابس سوداء وتمسك منديلا في يدها لتمسح الدموع التي تتساقط من عينيها، وقالت: «كنت سعيدة للغاية لأن كل أصدقائي عادوا إلى العراق. كنا نمتلئ بالطاقة والطموح. والآن، يمر العراق بأحلك وأسوأ أوقاته. أعرف أنه سيتم قتلي يوما ما».

وقال ستار محسن، وهو صديق آخر للمهدي كان قد عاد إلى الحياة الفكرية بعد سقوط الحكومة ويقوم حاليا ببيع الكتب في شارع المتنبي: «لقد أضعت أفضل سنوات عمري في الجيش في عهد صدام حسين في الحرب والقتل والجوع والخوف».

ويرى البعض أن اغتيال المهدي قد زاد من الخوف في أوساط الصحافيين لدرجة أن الكثير منهم يعيدون النظر في عملهم كصحافيين. وقال السومري إنه قد يتوقف عن الكتابة لفترة مؤقتة. وأضاف: «لقد أصبحنا نشعر بخوف شديد مما نقوم به ومما نكتبه. إننا نغير أماكن الاجتماعات ولا ننام في منازلنا».

* خدمة «نيويورك تايمز»