ماذا حدث في «الجزيرة»؟

وضاح خنفر لـ «الشرق الأوسط»: لست إخوانيا .. ولا «الجزيرة» ولا القنوات الإخبارية ستحقق أرباحا مادية

عاملون يمرون من أمام أكداس من الأشرطة في أحد الاستوديوهات بقناة الجزيرة الفضائية في قطر أمس (رويترز)
TT

أسئلة عدة فرضتها استقالة وضاح خنفر مدير عام «الجزيرة» على الساحة: لماذا استقال؟ وهل هي استقالة فعلا أم إقالة؟ وما أسبابها؟ ورافق هذه التساؤلات الشهر الماضي عشرات التحليلات والاستنتاجات التي حاولت إيجاد إجابات، بعضها فرضه الاهتمام بالخبر، والبعض الآخر حمل إسقاطات وتلميحات نبعت من اختلاف في المواقف، أو لأهداف المنافسة المهنية.

«الشرق الأوسط» توجهت إلى وضاح خنفر المدير العام لـ«الجزيرة» المستقيل، وكان صدره رحبا عبر الهاتف في الإجابة على كل التساؤلات التي رافقت استقالته. يقول إن سياسة «الجزيرة» لن تتغير بتغير موظف ولا مدير، لأن «روح الجزيرة ليست مرتبطة بشخص وإنما بالقيم والمبادئ».

وبرر مغادرته موقعه مديرا عاما للشبكة في الاتصال الهاتفي، بأن ثمانية أعوام من العمل الإداري كافية لتقديم ما لدى المدير أو القائد أو المسؤول من عطاء. وقال: «كنا نتحدث في هذا الجزء من العالم عن التغيير، عن الرؤساء الذين يبقون لعدة عقود في مناصبهم، وقد فكرت في أنه من الجيد أن أقدم مثالا على ذلك، بينما شبكة (الجزيرة) في قمة أدائها. فهذه هي اللحظة المناسبة».

ونفى وضاح خنفر لـ«الشرق الأوسط» أن يكون سبب استقالته متعلقا بوثائق «ويكليكيس» المسربة، والتي قالت «إنه تعاون مع المخابرات العسكرية الأميركية قبل 6 سنوات»، مضيفا أنه لم تكن هناك أي ضغوط أميركية لإقالته من قبل إدارة «الجزيرة»، وإنما السبب وراء ذلك هو رغبة شخصية لديه تمنى اتخاذها قبل سنوات لكن جاء الربيع العربي، فجعله ينتظر قليلا لاتخاذ القرار في الوقت المناسب الذي تكون فيه الجزيرة في أقوى حالاتها.

وأوضح خنفر أن 8 سنوات من العمل كافية لأي قائد لمنبر إعلامي مثل «الجزيرة»، مشيرا إلى أن القادة يجب عليهم عدم التشبث كثيرا بالسلطة، وأن يتركوا الفرصة لغيرهم من الشباب.

ويأتي ذلك بعد أقل من شهر من نشر موقع «ويكيليكس» برقية دبلوماسية صادرة عن السفارة الأميركية في قطر تشير إلى أن خنفر وافق على التخفيف من حدة بعض المواد التي نشرتها «الجزيرة» في موقعها على الإنترنت بعد قيام مسؤولة العلاقات العامة في السفارة بانتقادها خلال لقاء معه في الدوحة.

وقال خنفر لـ«الشرق الأوسط» إن اسمه تردد في «ويكيليكس» 420 مرة، وكثيرا ما جاءت إلى مكتبه المسؤولة الإعلامية في السفارة الأميركية في الدوحة تعترض على نوعية بعض المواد التي تبثها «الجزيرة».

وحول ما تداولته بعض وسائل الإعلام من أنه تعاون مع الأميركيين بشأن بعض السياسات التحريرية المرتبطة بتغطية الحرب في العراق، قال خنفر إنه «آثر في الفترة الماضية عدم التعليق على هذا الموضوع لأنه اختير من بعض الجهات التي ركزت على وثيقة واحدة، في حين أن اسمي تردد في ويكيليكس أكثر من 420 مرة، وعلى الذين يريدون أن يعرفوا ما قاله ويكيليكس أن يعودوا إليه، فالوثائق كلها موجودة».

ويضيف المدير العام السابق أن هناك وثيقة مرتبطة بلقاء جمعه «بمسؤولة في السفارة الأميركية»، مذكرا بأن «الجزيرة» في عام 2005 واجهت «انتقادات حادة». وقال: «مكتبي كان مفتوحا للجميع، وقد استقبلت رؤساء دول ومسؤولين ووزراء خارجية، وتلقينا شكاوى من الجميع من الصين والهند ودول أفريقية، وكنا ننظر في هذه الشكاوى، ونتعاون بشأن ما كان وجيها منها، ونهمل ما كان منها مرتبطا بالضغط السياسي».

وبحسب خنفر فإن «هذه الحادثة، التي جاءت في ويكيليكس وتحدثت عنها بعض المصادر لم تغير شعرة واحدة من سياساتنا التحريرية، خذ مثلا على ذلك حرب غزة والحرب الإسرائيلية على لبنان صيف 2006، التي لم ترض قطعا الأميركيين حسب ما جاء في ويكيليكس، وكذلك تغطيتنا لأخبار المقاومة في العراق». وتابع «نعم لقد التقينا مع الجميع، ولكن لم نرتبط إلا بمشاهدينا وولاؤنا للحقيقة».

وأضاف: «المسألة ليست علاقات مع (سي آي إيه) أو الاستخبارات العسكرية أو ما تردد من هذا الكلام الفارغ، بل كانت المسؤولة الإعلامية للسفارة الأميركية في الدوحة تتردد على مكتبي بالملاحظات التي تأتيها من واشنطن عن تغطيتنا الإخبارية، وهذا الأمر تم عشرات المرات، وكانوا يضغطون باتجاه تحسين صورتهم في الإعلام العربي، من خلال إعطاء معلومات معينة، وكنا نقول لهم إذا كانت اعتراضاتكم مهنية صحيحة وفق القواعد سنتعامل معها، ولكن إن كانت من أجل تحسين صورتهم، كنا نؤكد أننا لا نعمل عند الأميركيين وكلاء لتحسين صورتهم في العالم العربي».

وعن توقيت الاستقالة قال «بالنسبة للاستقالة فلم أتعرض لأي ضغوط، بل كنت قد وضعت لنفسي هدفا بالاتفاق مع رئيس مجلس الإدارة أن أنقل (الجزيرة) إلى العالمية وهذا ما تحقق، وعندما تستمر في منصب ثمانية أعوام ستشعر أن حياتك باتت روتينية».

وبالنسبة للتهم الموجهة إلى «الجزيرة» بأنها ساهمت في التهييج الإعلامي بالنسبة للثورات العربية، قال هذا الاتهام للأسف الشديد حصل، ولكن بصراحة أقول رسالة «الجزيرة» تنص على أننا نقف إلى جانب الإنسان في حقه بالحرية والتعبير الديمقراطي، وما حدث في العالم العربي رسالة لكل إعلامي أن يتبعه ويستفيد منه، أي أننا في نهاية الأمر ننحاز إلى مجموع الناس وليس إلى حزب أو طائفة سياسية، وحق الناس على الإعلاميين أن ينقلوا صوتهم، كما ينقل الإعلاميون أيضا موقف الدول والحكومات، لم نكن نهيج الشارع العربي، بل كنا نتهم بأننا ننقل أقل مما هو موجود في الثورات العربية، وثوار الربيع العربي كانوا متقدمين خطوات علينا في حماسهم وطموحاتهم.

وعن استقالته بعد ثمانية أعوام أمضاها في منصبه، قال إنها جاءت برغبة منه في اعتزال الإدارة، وقد «تفهمت إدارة القناة الأمر»، ومهما كان السبب وراء تنحيه، سيظل إرث المراسل الميداني السابق، والفلسطيني المولد، خنفر، كرائد إخباري متميز، آمنا.

وقال إنه «فخور بأن يترك المؤسسة وهي في هذه الحال من التألق كذلك، ولديها حضور في كل دول العالم». وقال إن البصمة التي تركها بعد ثماني سنوات هي أنه نقلها إلى العالمية.

وأضاف: «وهذا طبعا بفضل جهود جميع الزملاء، وأنا لا أدعي ذلك الفضل لنفسي، وإنما لأني كنت ضمن فريق من أفضل الإعلاميين والإداريين في العالم».

وعن تمويل «الجزيرة» قال حاولنا في السنوات الماضية أن نرشد الإنفاق، وأن نطلق أيضا بعض المشروعات ذات المردود المالي مثل المحطات الرياضية، ذات العائد الإيجابي، لكن بصراحة أن تكون «الجزيرة» أو مؤسسة إخبارية عربية وتحقق ربحا، في تقديري هذا الأمر سيكون صعبا، لأن سوق الإعلانات في العالم العربي بسيطة ومقارنة بتكلفة التغطية الإعلامية والتي تكون هائلة من حيث الميزانيات المرصودة، ولست واثقا أن القنوات الإخبارية في العالم العربي يمكن أن تحقق أرباحا.

وعن تدخل الحكومة القطرية أو مجلس الأمناء في الخط التحريري لـ«الجزيرة»، قال: «تقليديا مجلس الإدارة لا يتدخل في الخط التحريري، بل هو يشرف على الموازنات والوضع المالي والعمل الإداري والتقييم بصفة عامة، أما الخط العام للتحرير فيدار من قبل هيئة التحرير من مجموعة زملاء في داخل مقر الجزيرة وليس من خارجها، ولهم خبرة واسعة في الإعلام، لكن أحيانا مجلس الإدارة يتساءل عن موضوع ما، إذا وصلت مجموعة من الشكاوى، حول خبر ما أو تحقيق ما، وليس هذا من باب التدخل ولكن من خلال التأكد أن الخط المهني احترم، وليس خروجا عن القواعد المعمول بها».

وعما يتردد أنه مستاء من تدخلات المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة المقيم في الدوحة منذ سنوات في غرفة الأخبار، قال: «أستطيع أن أؤكد أن خروجي من (الجزيرة) ليس لديه أدنى علاقة بتدخل عزمي بشارة أو تدخلات خارجية أو غيره، أو تسريبات ويكيليكس».

وعن مشروعه المقبل قال: «سأتابع عملي في المرحلة المقبلة من خلال تبني مجموعة من الأفكار والقيم وتحويلها إلى مشروعات، سواء من خلال بعض المؤسسات أو بعض الكتابات، ملتزما بهذه الروح الرائعة التي تشكلت، سيكون هدفي الدفاع عن حق الإعلاميين، وعن هذه المهنة، وعن قيم الديمقراطية والحرية، وعن شباب الثورات، وبصفة عامة سيكون له علاقة مباشرة بالإعلام والوقوف إلى جانب زملاء المهنة».

وعن البصمة الإعلامية التي تركها في الجزيرة خلال 8 سنوات قال «الجزيرة» انتقلت إلى العالمية من مؤسسة إعلامية عربية إلى مؤسسة عالمية، وقريبا سيتم تدشين قناة «الجزيرة» التركية من اسطنبول، وقناة البلقان، وأخرى باللغة السواحلية من كينيا، بالإضافة إلى انتشار «الجزيرة» في مختلف قارات العالم.

ولمح إلى أنه كان من المقرر أن تنطلق في الذكرى 15 لانطلاق «الجزيرة» في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، قناة البلقان، بالإضافة إلى بعض الرؤى والتصورات التي ستستمر، بخصوص التطوير في الإعلام الجديد، والوصول إلى مشاهدين جدد، وكذلك تدشين القناة التركية من اسطنبول العام المقبل، والسواحلية من كينيا. وبين خنفر أن كل الرؤساء ووزراء الإعلام العرب الذين التقاهم خلال ثماني سنوات، كانوا غير راضين عن التغطية الإعلامية بحق بلدانهم، «وكانوا في الأغلب يتهموننا بأننا تحاملنا عليهم». وحول الشعور العام لدى الشارع العربي أن من يريد أن يعمل في «الجزيرة» لا بد أن يكون «اخوانجيا» أو ملتزما دينيا، قال «الحقيقة أن هناك 55 جنسية تعمل في شبكة الجزيرة، مسلمون شيعة وسنة، وعرب مسيحيون، ودروز، وكل التيارات الموجودة في العالم العربي، ولم تتدخل الجزيرة من قبل في المسؤولية أو الهوية الشخصية أو الدينية للموظفين، وأنا لا أومن بتصنيف إخوانجي أو إسلامي، لكني والحمد لله، أؤكد أنني لست عضوا في أي تنظيم سياسي أو ديني على الإطلاق، ولا أؤمن بهذه التصنيفات». وعن القنوات التي يتابعها عندما يكون في المنزل قال إنه يشاهد «الجزيرة» بكل قنواتها، وفي السيارة يتابع إرسالها عبر «إف إم» أيضا، وعندما يتعب يتوجه إلى قنوات الأفلام.

صراع بين تيارين قومي عربي وآخر إسلامي