د. مفلح القحطاني ملفا «البدون» و«السجناء الأمنيين» في حاجة لـ«حلول عاجلة»

رئيس حقوق الإنسان لـ«الشرق الأوسط»: أدعو إلى فتح «حوار وطني» حول مسألة «قيادة المرأة».. ترفع نتائجه للملك

مفلح القحطاني رئيس جمعية حقوق الإنسان خلال حديثه مع «الشرق الأوسط» (تصوير: مسفر الدوسري)
TT

لأكثر من ساعة، ومن داخل مكتب يقع في الطابق الخامس، في بناية تشرف على أهم طريقين في العاصمة السعودية الرياض، حاورت «الشرق الأوسط» الدكتور مفلح القحطاني، رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، حوارا لم يخل من الصراحة والمكاشفة في كثير من الأمور. وكان قرار خادم الحرمين الشريفين المتعلق بمشاركة المرأة في مجلس الشورى والانتخابات البلدية، محل ترحيب الجمعية الحقوقية، والتي يرى رئيسها أن الإرادة السياسية باتت هي «حجر الزاوية» في قضايا السعوديات.

لكنه، لا يرى ما يمنع في ذات الوقت، من فتح «حوار وطني» حول مسألة قيادة المرأة للسيارة، كون هذا الموضوع تتداخل فيه كثير من العوامل، داعيا مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني إلى تبني هذا الأمر، وأن يتم رفع كافة النتائج التي سيتوصل إليها المجتمعون للملك.

وعلى الصعيد الداخلي، لا تزال الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان (ذات صفة مستقلة عن الحكومة)، وتحظى بدعم أوامر سامية، تعتقد أن ملفا «البدون» و«السجناء الأمنيين» في حاجة لـ«حلول عاجلة» على الرغم من اعترافها بالتقدم المحرز في هذين الملفين، وخصوصا «السجناء الأمنيين»، حيث ذكر رئيسها القحطاني أنهم اطلعوا على المجهودات التي بذلتها وزارة الداخلية لصالح رعاية ذوي هؤلاء. وفي مايلي نص الحوار:

* دعنا نبدأ حديثنا حول القرارين التاريخيين اللذين أصدرهما خادم الحرمين حول مشاركة المرأة في كل من مجلس الشورى والمجالس البلدية، كيف تنظرون إلى هذا القرار وتوقيته؟

- موافقة خادم الحرمين الشريفين على عضوية المرأة في مجلس الشورى وفتح الباب أمامها للترشح للانتخابات البلدية، هي خطوة مهمة وإصلاحية، وتأتي تجسيدا لاهتمام الملك الشخصي بموضوع حقوق المرأة في المملكة، ولا شك أن تأكيده على رفض تهميش دور المرأة هو أمر مهم جدا، فالمرأة هي شريك الرجل، ولها أدوار ينبغي أن تقوم بها في هذا الجانب. فالجمعية ترحب بهذه الخطوة ونثمنها عاليا، وأن المرأة في هذا الوقت تستحق هذه المكانة.. ونعتقد أن مثل هذا القرار سيدفع المرأة في المجتمع السعودي للمشاركة في البناء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وهو أمر مهم، كما نعتقد أن هذه الخطوة تأتي استكمالا لما تم البدء به في السلطة التنفيذية من تعيينات للنساء في مناصب عليا، والآن أتى دور السلطة التنظيمية والتشريعية لتكون المرأة طرفا فيها، كما نعتقد أن العمل جار على إدخال المرأة في النواحي العدلية كمستشارة ومستقبلة لشكاوى نظيراتها في المحاكم.

* إذن تعتقدون أن الملك أكمل بهذا القرار مشاركة المرأة في مثلث الدولة بأضلاعه الثلاثة (القضائية والتنفيذية والتشريعية)؟

- نعم، نحن نعتقد ذلك تماما.

* هل تعتقدون في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان أن القضايا المتصلة بشأن المرأة، بحاجة دائمة إلى إرادة سياسية حتى تتحقق على أرض الواقع؟

- لا شك أنه حينما يكون هناك اختلاف ووجهات نظر متعارضة، تحتاج إلى من يرجح وجهة نظر على أخرى، بناء على ما يرى أنه يحقق المصلحة العامة، لأن البقاء في وجهات النظر المتعارضة قد يكون لفترة محددة، ولكن على المدى المتوسط لا بد من التدخل بالإرادة السياسية لحسم الموضوع بما يحقق مصلحة المجتمع والاستمرارية في بنائه، لأن الخلاف لفترات طويلة يعوق المجتمع من التطور ويعوق انضباطية الأمور، ويؤدي إلى التردد في كثير من الأمور التي يكون التردد فيها سببا لتأخر تطور المجتمعات، فبلا شك أن الموافقة السامية على إشراك المرأة في الشورى والمجالس البلدية، هي حاسمة في هذا الموضوع، ونتمنى أن يستتبعها قيام المرأة بدورها بما ينعكس على تطور الحياة الاجتماعية وشعور الجميع بالحصول على حقوقه.

* وهل ذلك ينسحب برأيكم على قيادة المرأة للسيارة، وهو الموضوع الذي أثار جدلا في الأشهر القليلة الماضية؟

- موضوع قيادة المرأة للسيارة تتداخل فيه عوامل دينية واجتماعية واقتصادية وسياسية، ولا شك أن المجتمع يتطور، والأجيال الجديدة لديها أفكار غير تلك التي كانت لدى الأجيال السابقة، وهذا يفرض على المخططين في الدولة أن يأخذوا في الاعتبار أن ما كان يقبل بالأمس قد لا يقبل به اليوم، نعم نحن ننطلق من قواعد ثابتة من عقيدتنا المتمثلة بالشريعة الإسلامية، وينبغي ألا نتخذ قرارا يخالف الشريعة، ولكن حينما تسمح الشريعة الإسلامية بهذا الموضوع وتتوفر الضوابط اللازمة في هذا الشأن، فيمكن العمل على بيان الإيجابيات والسلبيات لموضوع قيادة المرأة للسيارة، وأنا أعتقد أن طرح هذا الموضوع في أحد الحوارات في مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، وسماع وجهات نظر المعارضين والمؤيدين، وإبداء السلبيات والإيجابيات، لينتهي الموضوع بتوصيات تقدم لخادم الحرمين الشريفين كما جرت العادة، هو أمر مهم جدا في هذا الشأن.

* إذن، هل نعتبرها دعوة منكم لمركز الحوار الوطني بأن يضع ملف قيادة المرأة للسيارة على الطاولة للنقاش؟

- نعم.. نعم، ليستطيع صاحب القرار أن يتخذ قراره وفق رؤية واضحة بهذا الشأن، ومرتبة لآثارها، أي بمعنى أن كلا الطرفين قد علم وجهة نظر الطرف الآخر، وعلم ما قد يترتب على وجهة نظره من مصالح أو مفاسد، وبالتالي يؤخذ الأمر عن بينة. الآن لدينا أعداد كبيرة من النساء بدأون يعملن، وأعداد كبيرة من السائقين تحتاج لهم الأسر لإيصال المرأة إلى مقار عملها، فمسألة قيادة المرأة للسيارة تتداخل فيها كما ذكرت عناصر اقتصادية ودينية واجتماعية وثقافية، وكل هذه الأمور من خلال الحوار وإجراء دراسة معمقة حول هذا الموضوع، يمكن أن نصل إلى نتيجة، ويكون الموضوع بعيدا عن التشنج أو الانتصار لوجهة النظر المؤيدة أو المعارضة، وأخذا بالاعتبار بما يترتب على هذا الموضوع من آثار إيجابية أو سلبية، فأعتقد أنه إن تحقق ذلك سيكون هناك رؤية واضحة لصاحب القرار أن يقول رأيا مبنيا على أمور ومعايير واضحة ونتائج معلومة.

* إذن أنت لا تحبذ أن تكون هناك إرادة سياسية في مسألة قيادة المرأة للسيارة تسبق بحث هذا الموضوع تحت مظلة وطنية يشارك فيها خبراء الشريعة والاجتماع والاقتصاد والقانون؟

- نعم، أنا مع أن يكون هناك حوار، ثم دراسة، ثم الإرادة السياسية، أو البقاء على الوضع الحالي، وهو أمر كذلك يجب أن ينتج عن الحوار.

* لكي نغلق هذا الملف تحديدا، كيف تنظرون إلى قيادة المرأة للسيارة من وجهة نظر حقوقية إذن؟

- الإنسان عندما لا يكون هناك قاعدة شرعية أو نظامية تحرمه من حق، فهذا الحق له، ومسألة قيادة المرأة للسيارة يقال إن الحق من حيث المبدأ موجود، لكن المشكلة فيما قد يترتب عليه من آثار، لذلك منع هذا الحق إعمالا لمبدأ سد باب الذرائع.

* للتو أنهى السعوديون المشاركة في انتخابات المجالس البلدية، والتي رفضتم أن تقوموا بالمشاركة في مراقبتها، ما هي مسبباتكم في رفض الطلب الرسمي الذي تلقيتموه لمراقبة الانتخابات البلدية؟

- كما تعلم أن الجمعية هي من شكل المجلس الوطني لمراقبة الانتخابات في دورتها الأولى بالمشاركة مع بعض مؤسسات المجتمع المدني الأخرى، وحرصت الجمعية أن تقوم بدور في هذا الجانب، وأن تدعم العملية الانتخابية الأولى في السعودية، ومن الأهمية بمكان تشجيع المشاركة الشعبية في صنع القرار، وكان هناك أمل من الجمعية أن يكون هناك تحرك سريع في تحقيق أمرين، يتمثلان في تعديل نظام المجالس البلدية وإشراك المرأة في الانتخابات. للأسف الشديد أنه لم يسعف الوقت لتعديل نظام الانتخابات البلدية، نعم هناك مقترح لتعديل النظام ولا يزال يدرس، ولكن الوقت لم يسعف لصدور هذا التعديل، بما يمكن أعضاء المجالس البلدية من الصلاحيات المطلوبة، لأن الجمعية رصدت واستقبلت الكثير من الشكاوى والتظلمات فيما يتعلق بأن المجالس البلدية ليس لديها الصلاحيات الكاملة أو المناسبة لطبيعة عملهم، وبالتالي فإن ما يطرحه المرشحون من وعود انتخابية قد لا يتحقق في أرض الواقع بسبب عدم وجود صلاحيات، الأمر الآخر، الجمعية ترى أن هناك إشكالات في الاختصاصات بين مجالس المناطق والمجالس البلدية، فبالتالي لا بد أن يكون هناك آلية واضحة لعمل كل من هذه المجالس أو التنسيق فيما بينهما، أو إحداث نوع من الآلية التي تحقق الإنجاز لكل منهما، نحن نعلم بأن مجالس المناطق لها اليد الطولى بمشاريع المنطقة وتبنيها والتفاوض مع وزارة المالية وترتيب الأولويات لهذه المشاريع، وبالتالي إذا كانت مجالس المناطق تعمل وفق رؤية معينة، والمجالس البلدية تعمل وفق رؤية قد لا تتوافق معها، فهذا قد يحدث نوعا من التعطيل في الإنجاز، وبالتالي عدم تحقيق المبتغى من وجود المجالس البلدية، موضوع عدم إشراك المرأة، الآن صدرت الموافقة السامية لإشراك المرأة في الانتخابات، وهذا مطلب تحقق، ولعدم توفر هذين السببين في حينه، اعتذرت الجمعية عن المشاركة في مراقبة الانتخابات، لأن لديها أيضا التزامات تجاه الاتفاقيات التي انضمت إليها المملكة، وأصبحت الجمعية تدعم كل ما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية من نصوص هذه الاتفاقيات التي انضمت إليها المملكة، والتي أصبحت في حكم القانون الداخلي.

* ألم تحاول وزارة الشؤون البلدية والقروية أن تثنيكم عن قرار الاعتذار أو رفض المشاركة في مراقبة العملية الانتخابية؟

- كان هناك حقيقة تفاوض ومناقشات، وزارنا مندوب لجنة الانتخابات، وتحدثنا كثيرا في الموضوع، ولكن المجلس التنفيذي للجمعية رأى أنه يتعذر على الجمعية المشاركة في المراقبة، إن لم يتحقق هذان المطلبان، الآن زال أحد السببين، والآخر في الطريق وهو تعديل نظام المجالس البلدية الذي يدرس حاليا في مجلس الشورى، والجمعية مع الانتخابات البلدية ومع دعمها، وإن شاء الله نرى الجمعية في مراقبة الانتخابات في دورتها المقبلة.

* لو طلبنا منك أن ترسم لنا خريطة تبين من خلالها أهم المشكلات الحقوقية الموجودة في السعودية، كيف سيكون شكلها من وجهة نظركم، وفقا لما تلقيتموه من شكاوى وتظلمات؟

- لا شك أن لدينا قضايا تتكاثر، وهناك متابعات بشأنها مع الجهات ذات العلاقة. وتأتي هناك قضيتان في مقدمة اهتمامات الجمعية، قضية السجناء الأمنيين، والآن طبعا كما تعرفون بدأت وزارة الداخلية والجهات ذات العلاقة بإحالتهم إلى المحاكمات، وبدأ يسمح بالحضور الإعلامي لها، وبعض منسوبي هيئة حقوق الإنسان الحكومية، ووزارة العدل كما سمعنا من بعض مسؤوليها يرحبون بحضور الجمعية، وهذا أمر جيد ومفيد، ولكن ما زالت قضية السجناء الأمنيين في مقدمة اهتمامات عمل الجمعية، وما زالت الجمعية ترى أن من الأهمية بمكان أن يكون هناك بحث أكثر لأوضاع هؤلاء، بحيث يفرق بين من كفر وفجر وألحق الأذى ببلده وبنفسه وأسرته، وبين الأشخاص الذين دخلوا لهذا الموضوع دون نيات مسبقة أو لظروف معينة، بحيث تؤخذ هذه الأمور في الاعتبار، وهناك تواصل مع مقام وزارة الداخلية في الموضوع، ومتابعات لبعض القضايا الفردية، وأطلعتنا وزارة الداخلية على الجهود المبذولة لدعم أسر هؤلاء، ودعم هؤلاء السجناء أنفسهم فيما يتعلق بالدعم المالي أو إدماجهم في المجتمع من خلال مركز المناصحة، أو سداد بعض الديون أو تقديم بعض الإعانات لمن أراد منهم الزواج، وهذا محل تقدير الجمعية، وترى بأنه عامل إيجابي فيما يتعلق بإصلاح سلوك هؤلاء، ولكن لا تزال لدينا تظلمات تتعلق ببطء المحاكمات، ووجود بعض ممن لم يحالوا إلى المحكمة حتى الآن، ونحن في تنسيق مستمر مع وزارة الداخلية وبإذن الله ستجد هذه القضايا حلول. الموضوع الآخر، هو موضوع الأشخاص بلا هوية، والجمعية وجدت أن هناك الكثير من هؤلاء الأشخاص، سواء ممن يحملون بطاقة الـ5 سنوات، أو ممن لا يحملون بطاقات، فهؤلاء نرى أن أوضاعهم تحتاج إلى تدخل عاجل لحصر إعدادهم وإيجاد حلول عاجلة لأوضاعهم لأن بقاءهم يتكاثرون بهذه الطريقة، يلحق الأذى بهم وبأسرهم وبالمجتمع ككل، وليس فيه مصلحة لأي طرف، فنسبة كبيرة منهم محرومون من الحق في العمل والعلاج والتعليم والتنقل، بل ويواجهون صعوبات عند الرغبة في الزواج أو توثيق الولادة أو حتى الدفن في المقابر فأغلب الإجراءات الآن أصبحت تتطلب رقم السجل المدني وهو متعذر بالنسبة لهم مما يقتضي التدخل من قبل الجهات المسؤولية والبدء بمعالجة أوضاعهم من خلال إتباع طرق تجعل أعدادهم تقل ولا تكثر عن طريق منح المواليد الجدد الهوية الوطنية ومعالجة أوضاع الكبار وفق ما صدر من أوامر سامية في هذا الشأن لأن بقاءهم على هذا الحال فيه مخاطر اجتماعية وأمنية وسياسية، فهم إذا لم يجدوا عملا بطريق مشروع بسبب تخلف الأوراق الثبوتية سيلجأون لوسائل أخرى للحصول على لقمة العيش وهذا الأمر يحتاج إلى حل سريع.

* ما هي المناطق التي يتمركز بها غالبية هؤلاء الذين لا يحملون الجنسية؟

- عادة ما يتركز وجودهم في المناطق الحدودية. ولكن بعضهم انتقل إلى المدن الكبرى لطلب الرزق وأصبحت أوضاعهم ماسأوية.

* لديكم برنامج تدريب وتأهيل طموح تتعاونون فيه مع عدد من الجهات الحكومية، من هم الفئات المستهدفة من هذا البرنامج؟

- نحن لدينا اهتمام كبير بالتدريب والتأهيل نستهدف به القطاعات التي يتصل عمل منسوبيها بإنفاذ الأنظمة والقوانين، فعندما يكون هؤلاء مدركين ومطلعين على الأنظمة والتعليمات الواجب تنفيذها سيكون هناك احترام لحقوق الإنسان، وفي نفس الوقت محافظة على الأمن لكن حينما يكون هناك جهل فقد نعاني من أخطاء في التطبيق، وانتهاك للحقوق ونأمل أن يستمر مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل في القيام بدور في تأهيل القضاة، بحيث أن يكون القاضي قائما بدوره الرقابي فيما يتعلق باحترام القواعد الحامية لحقوق الإنسان، وأن يكون مطلعا على الإجراءات الواجب اتباعها حينما يرصد أو يعلم بأن هناك انتهاكا لحق من يقدم إليه للمحاكمة، وأن يتخذ إجراءات تضمن حصول المتهم على حقه.

* هل هناك جهات حكومية ترون أنها تعرقل عمل الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان؟

- لا نعتقد أن هناك عرقلة بهذا المعنى. ولم نرصد أي محاولات في هذا الأمر، ولكن هناك بعض الجهات تعودت على آلية عمل معينة، ويصعب عليها تغيير طبيعة هذه الآلية، إما للبطء في إجراءاتها وإما اتخاذها لموقف ناف لهذا الأمر، وهم مقابل ذلك يسعون في تلافي أخطائهم التي ننبه لها دون الإقرار بها، وهذا بالنسبة لنا يحقق الهدف في حد ذاته، ولكن في ظل وجود أوامر سامية صادرة بشأن الجمعية وتلزم جميع الجهات والمصالح والوزارات بتسهيل عمل الجمعية، وفي ظل وجود أمر سام صدر في عام 1429هـ ينص على استقلال عمل الجمعية وأنها التي ترسم سياستها بنفسها، فالجميع مطالب بالتعاون، والوضع الحالي بالنسبة لنا مرض إلى حد ما، نعم نطمع بالمزيد، غير أن هناك بعض القضايا التي لها صفة العموم لا تتعلق بمجموعة قليلة من الأشخاص وإنما قد يكونون أشخاصا كثرا، فتلك القضايا يأخذ الأمر في حلها بعض الوقت والأخذ والرد بيننا وبين بعض الجهات، ونأمل أن مثل هذه القضايا تجد الحل السريع.

* يقع من ضمن اهتمامات جمعية حقوق الإنسان متابعة ملف المعتقلين السعوديين في الخارج، وكان هناك حديث سابق عن سوء معاملة المعتقلين في أكثر من بلد عربي، هل لكم أن تكشفوا لنا عن الاختراق الذي حققتموه في هذا المجال؟

- الجمعية تهتم بأوضاع المعتقلين السعوديين في الخارج، فلقد كانت هناك متابعة لأوضاعهم في العراق وسوريا والأردن، وقبلها في أفغانستان والولايات المتحدة، وبعض دول الخليج، لذلك عندما ترصد الجمعية أن هناك معتقلا سعوديا في الخارج أو تقدمت أسرته للجمعية، أو عبر التواصل مع المنظمات الحقوقية، تعمل الجمعية على تنبيه الجهات ذات العلاقة بضرورة تقديم المساعدة القانونية، ونحن نعلم أن هناك توجيهات من خادم الحرمين الشريفين لوزارة الخارجية بضرورة تقديم المساعدة القانونية لأي سعودي معتقل في الخارج، وهذا العمل يتم من خلال السفارات السعودية في البلد المعني، أو من خلال وزارتي الخارجية والداخلية، أو عبر التواصل مع المنظمات الحقوقية من أجل أن تقوم بدور في المساعدة، لا شك بأن أوضاع السعوديين في العراق يحتاج لعمل جاد من أجل إعادتهم إلى المملكة، وخاصة أن هناك من حكم عليهم بأحكام طويلة، ويشتكون من ظروف قاسية يعانونها في السجون هناك، فالحكومة السعودية بذلت جهدا في هذا الجانب، ولكن على الحكومة العراقية أن تبذل جهدا مقابلا بحيث يتم توقيع اتفاقية تبادل السجناء بين البلدين بما يمكن من إتمام عملية التبادل لما فيه من مصلحة لأسرهم والبلدين، وهناك أوضاع مشابهة للمعتقلين السعوديين في سوريا مع عدم وضوح في الرؤية بالنسبة لأعدادهم، فالجمعية تهتم بهذا الجانب، ولكنها تطلب من المواطن السعودي احترام أنظمة البلاد التي يذهب إليها، لكن حينما يصبح موقوفا أو سجينا ينبغي تقديم العون والمساعدة القانونية له.

* ماذا بشأن المعتقل السعودي عبد الرحمن العطوي في إسرائيل، والذي لا يزال موجودا هناك رغم انقضاء فترة محكوميته بحسب المعلومات المتوافرة؟ ما هي السبل المقترحة لديكم لإعادته في ظل عدم وجود علاقة بين الرياض وتل أبيب؟

- الحقيقة نحن تابعنا موضوع العطوي في بداية قضيته، وعملنا من أجل تقديم المساعدة له ومعرفة قضيته، حيث كان هناك تواصل مع بعض المنظمات الحقوقية الفلسطينية، وفي مرحلة معينة رأت أسرته أنها ترغب أن تتم المتابعة عن طريق جهات أخرى، فاحترمنا وجهة نظرها، غير أن هذا لا يعني أن الجمعية تخلت عن العطوي، لأنها تتعامل مع حالة وليس مع شخص، وللأسف الشديد الحكومة الإسرائيلية انتهكت حقه كاملا، واختلقت أعذارا بأنه ليس هناك بلد يريد استقباله، ولذلك هي تبقيه لديها، وهذا حقيقة أيضا يعتمد على عدم معرفة رأيه بوضوح هل يريد أن يعود إلى بلاده أو يذهب إلى بلد آخر، فلذلك بالنسبة لنا تمت المتابعة لمرحلة معينة، ثم تركت المتابعة لجهات أخرى سعودية تتابع موضوعه، ولكن في نهاية المطاف إذا علم أنه يرغب بالرجوع إلى المملكة فهناك آليات وإجراءات من خلال المنظمات الدولية يمكن الضغط على إسرائيل بها لإعادته من حيث دخل.

* هل فتحتم قنوات اتصال مع منظمات حقوقية داخل إسرائيل لحل موضوع المعتقل العطوي؟

- لا.. في الحقيقة نحن نتعامل مع المنظمات الدولية والمنظمات الفلسطينية فقط.

* كيف تنظر الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان لقضايا الفساد، وجهود مكافحته حتى الآن؟

- الفساد عبارة عن مرض إذا لم يعالج فسيصل بالمريض إلى الوفاة، وسيؤدي حتما إلى إعاقة تطور البلاد، ووجوده في أي مجتمع نذير سوء بما ينتظر هذا المجتمع في المستقبل، ولا شك أن القيادة السعودية وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله استشعرت هذا الأمر وعملت على إنشاء هيئة مكافحة الفساد، وهي في طور تنظيم أمورها الإدارية الداخلية، ونأمل أن يكون لها دور فاعل في المستقبل. الوضع القائم، التأخر في المشاريع والتأخر في التوظيف، وغياب التنسيق، وشعور المواطن بوجود الفساد، وانتشار هذا الشعور، كل هذه مؤشرات على أن الأمر يحتاج إلى عمل، رئيس هيئة مكافحة الفساد سمعنا منه بعض التصريحات في هذا الجانب، ونأمل أن تكون هناك خطوات ملموسة وبرنامج عمل. وسوف يكون لنا تنسيق معهم في المستقبل.

* هل تلقيتم قضايا أو شكاوى من مواطنين تنطوي على قضايا فساد أو ما شابه؟

- نعم.. هناك بعض القضايا والشكاوى تتعلق بهذا الموضوع.

* تتصل بأي قطاع تحديدا؟

- في قطاعات مختلفة، وليست في قطاعات محددة، لأن العمل يتداخل في غالبه العام بين جهات متعددة، وبالتالي قد يوجد هنا أو هناك.

* هل شكاوى الفساد التي تلقيتموها تتعلق بالجانب الخدمي تحديدا؟

- في أغلب الأحيان نعم.

* مشكلة السكن هي من أكثر المشكلات التي تتصل بحياة المواطنين في السعودية، كيف تقيمون هذه المشكلة، وما هو موقفكم من الأراضي البيضاء؟

- فيما يتعلق بموضوع الإسكان وارتفاع الإيجارات السكنية والتجارية وتأثيرها على حياة المواطن المعيشية، لعل الجمعية هي من أولى الجهات التي أثارت الموضوع وعملت على عقد ندوة تحت اسم (الحق في السكن) وهو جزء من الحق في العيش الكريم الذي هو أحد حقوق الإنسان، الآن نعتقد أن العجلة بدأت تدور، والموضوع بدأ يؤخذ بجدية، والقيادة وضعت الحلول، الآن نتحدث عن مسألة التنفيذ والتطبيق، فالأموال رصدت، وخادم الحرمين وجه ببناء مئات الآلاف من الوحدات السكنية، وصندوق التنمية العقارية دعم، ومبلغ القرض العقاري تمت زيادته، والأراضي بدأت تسلم لوزارة الإسكان في أغلب مناطق المملكة المعدة لهذا الموضوع، وهذا مؤشر على أن هذه المعاناة ستبدأ في السنوات المقبلة بالانحسار. ما نريده في مرحلة التطبيق وجود نظام إسكان واضح وميسر، وأن يمنع منعا باتا المنح بمساحات كبيرة لشخص واحد، لأن هذا يعوق عملية المساواة، ويكون هناك برنامج واضح للإسكان وآخر للمنح، بحيث إن القادر على البناء ولديه مشكلة الأرض يتم توفيرها له، ومن ليس لديه قدرة لا على أرض أو سكن، فيكون برنامج الإسكان يلبي هذه الاحتياجات.

* وماذا عن الأراضي البيضاء؟

- هناك إشكالية فيما يتعلق بمعاملة مناطق المملكة معاملة واحدة، هناك بعض المناطق معروفة بأن الملكيات فيها صغيرة ومحدودة بجبال، وبالتالي فإن المساحة التي يمكن استغلالها معلومة، وهناك مساحات مفتوحة، فمعلوم أن الأراضي البيضاء هي مملوكة للدولة وهي ملكية عامة، وبالتالي تطوعها الدولة لخدمة المواطنين من خلال الإسكان أو المشاريع أو بناء المصانع أو تحديدها كمنح، ولكن لا تزال الرؤية غير واضحة حول وجوب وضع ضوابط تحترم من الجميع تنظم كيفية الاستفادة منها، فالأمر متداخل ويعاني من نقص تنظيمات ونقص شفافية، وقد يحتاج الأمر إلى جهد لترتيب هذه الأوضاع.

* ألا ترون أن هناك أهمية لتوضيح ملكية الأراضي التي تقع على مساحات شاسعة؟

- ولذلك، عندما جاءت كارثة السيول في جدة، كان من مقترحات الجمعية لدى تواصلها مع لجنة التحقيق أن يكون هناك نوع من التنظيم فيما يتعلق بالمنح، فعندما تكون هناك منح بمساحات شاسعة، ويقوم الممنوح له ببيعها أو تحويلها إلى مخططات، ثم يترتب على ذلك وجودها في مناطق مجاري السيول، تبدأ المشكلات ويختل مبدأ المساواة وتضيع المسؤولية، فالأمر يحتاج إلى وضوح في هذه المسألة، من خلال منع المنح بمساحات كبيرة تزيد على السكن الشخصي وبالتالي، فوجود نظام خاص في هذا الشأن أو ضوابط يتم العمل بموجبها، سيستفيد منه الجميع، فستستفيد الدولة بأن يصبح هذا الموضوع لا يترتب عليه أضرار وتجد الأراضي التي تبني عليها مشاريعها ومرافقها، وسيستفيد المواطن بأن يحصل على المنح بيسر وسهولة. ويسود مبدأ العدالة والمساواة.

* كأستاذ للقانون بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة الملك سعود بالإضافة لعملكم في الجمعية هل لاحظتم أن هناك تغيرا في الثقافة الحقوقية في مؤسسات التعليم العالي ومنها الجامعات؟

- لا شك أن الوعي بالثقافة الحقوقية بدأ ينتشر بين الطلاب ومنسوبي هذه المؤسسات وأن هناك جامعات ومنها جامعة الملك سعود أدخلت في منهجياتها الجديدة مادة عن حقوق الإنسان، بل إن مدير الجامعة الدكتور عبد الله العثمان وجه بإنشاء وحدة للحقوق الطلابية في الكليات من مهامها النظر في تظلمات الطلاب ضد أعضاء هيئة التدريس، وهذا يسهم في تعزيز الشعور بالعدالة في الوسط الجامعي.