«الوفد» يفك الارتباط الانتخابي بـ«الإخوان» قبل الاقتراع على البرلمان.. ويبقي على تحالفهما السياسي

الجماعة نفت لـ«الشرق الأوسط» أنباء عن اتصالها بمسؤولين أميركيين واعتبرتها جزءا من «حملة تشويه»

TT

دخل الصراع السياسي في مصر منعطفا جديدا، بتوقيع أحزاب رئيسية وثيقة تفاهما بشأن انتقال السلطة للمدنيين، مع المجلس العسكري الحاكم في البلاد. وبدا أن المجلس العسكري سيكون لبعض الوقت خارج الصراع الذي يتشكل في وقت تستعد فيه القوى السياسية لخوض أول تنافس ديمقراطي على مقاعد برلمان هيمن عليه حزب الرئيس المصري السابق حسني مبارك طوال 30 عاما قضاها في سدة الحكم.

وتؤشر بوادر فك الارتباط الانتخابي بين قطبي أوسع تحالف سياسي في البلاد، وهو التحالف الديمقراطي من أجل مصر، الذي يقوده حزب الوفد الليبرالي، وحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، إلى الاحتدام المبكر للمنافسة التي ستنطلق بعد 10 أيام مع فتح باب قبول أوراق الترشح في الانتخابات البرلمانية.

ووضع الدكتور عصام العريان، النائب الأول لحزب الحرية والعدالة، ما نُسب لدبلوماسي أميركي وبثته «رويترز» أمس عن إجراء اتصال مباشر بين قيادات رفيعة بالحزب ومسؤولين أميركيين، في خانة الصراع السياسي، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «نحن في لحظة دقيقة ومفصلية ومقبلون على أهم انتخابات برلمانية أجريت في البلاد والكل يستخدم أدواته لتشويه الخصوم»، نافيا وجود أي اتصال بين قيادات الحزب وأي مسؤول أميركي.

وردا على سؤال بشأن ما إذا كان حزب الإخوان يعتبر إجراء اتصال بمسؤولين أميركيين قد يؤثر على صورة الإخوان لدى الرأي العام المصري، قال العريان: «بطبيعة الحال إجراء لقاء معلن لن يؤثر على صورتنا.. منذ أن قالت الإدارة الأميركية إنها تسعى للتواصل معنا رحبنا بذلك، موقفنا معلن وواضح، ولا نجري لقاءات سرية». كانت واشنطن قد أعلنت أنها ستجري اتصالات مباشرة مع الجماعة التي تزايد دورها منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك. وأعلنت واشنطن الخطط في يونيو (حزيران) وصورت هذه الاتصالات على أنها استئناف لسياسة طبقتها من قبل. لكن محللين رأوا أنها تعكس نهجا جديدا في أسلوب تعاملها مع الجماعة التي كانت محظورة في عهد مبارك. وقال الدبلوماسي الكبير لـ«رويترز»: أجرينا اتصالات مباشرة مع مسؤولين كبار بحزب الحرية والعدالة الذي تأسس بعد انفتاح الساحة السياسية عقب الإطاحة بمبارك. وتابع: إن المسؤولين الأميركيين لا يميزون بين أعضاء جماعة الإخوان أو حزبها. وأضاف: لا ننتهج أي سياسة تعتمد هذا التمييز. ولم يذكر الدبلوماسي متى جرت الاجتماعات. ونفى نائب رئيس الحزب عصام العريان عقد أي اجتماعات مع مسؤولين أميركيين لدى سؤاله عن تصريحات الدبلوماسي. ولم يتضح على الفور السبب في تباين روايتي الجانبين.

وقال الدبلوماسي الأميركي إن الاتصالات الأميركية جرت مع أعضاء رفيعي المستوى بحزب الحرية والعدالة لكنه لم يذكر أسماء. وأضاف أن الاتصالات من الجانب الأميركي لم تكن على مستوى سفراء ولم يكشف عن مزيد من التفاصيل. ومضى يقول: أجرينا هذه الاتصالات من وقت لآخر فيما مضى... الاختلاف أننا فيما مضى كنا نقابل برلمانيين.

وتم حل البرلمان المصري بعد سقوط مبارك. ومن المقرر بدء انتخابات مجلس الشعب في نوفمبر (تشرين الثاني) على أن تجرى انتخابات مجلس الشورى أوائل العام المقبل. ومن المتوقع أن يكون أداء جماعة الإخوان جيدا في الانتخابات على الرغم من أن الكثير من المحللين يتوقعون برلمانا مفتتا. وقال الدبلوماسي: إن الاتصالات مع الإخوان جزء من محاولة لفهم مصر بشكل أفضل وشرح السياسات الأميركية. وأضاف: من المهم، من وجهة نظرنا، أن نكون على اتصال مع جميع القوى السياسية الصاعدة هنا في مصر التي تكون سلمية وملتزمة باللاعنف. وتابع: هذا يساعد في فهم مصر والطريقة التي يتطور بها النظام السياسي، وهذا يساعدنا في توصيل رسالتنا ومساعدتهم في فهم وجهة نظرنا.

من جانبها، نفت الجماعة، التي تحاول أن تبقي مسافة بينها وبين حزبها، وجود أي اتصال مع أي من قيادييها بمسؤولين أميركيين، وقال محمود غزلان، المتحدث الرسمي باسم الجماعة عضو مكتب الإرشاد: «هذا خبر غير صحيح جملة وتفصيلا».

وعلى الرغم من فك الارتباط الانتخابي بينهما، لا يزال من المبكر الحديث عن فض التحالف بين حزب الوفد وحزب الإخوان بشكل كامل. وقال الدكتور السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، أمس، في بيان مشترك مع الدكتور محمد مرسي، رئيس حزب الحرية والعدالة: «إن التحالف الديمقراطي من أجل مصر، الذي يضم أكثر من 40 حزبا سياسيا، لم يجتمع فقط من أجل التنسيق الانتخابي ولكن من أجل الاتفاق على وثيقة مبادئ تحظى بتوافق سياسي داخل البرلمان (...) وليس مجرد الحصول على مقاعد في البرلمان».

وينافس حزب الوفد، الذي يضم نخبة من الرأسماليين، على ثلثي مقاعد البرلمان المخصصة للأحزاب، من خلال قوائم تقتصر على أعضاء الحزب فقط، وقال عصام شيحة، عضو الهيئة العليا بالوفد، لـ«الشرق الأوسط»: «إن الحزب يتوقع إحراز ما بين 30% و35% من مقاعد البرلمان»، مضيفا أنه فيما يتعلق بالدوائر المخصصة للفردي، التي تمثل ثلث المقاعد، سوف تشهد تنسيقا بين الوفد وكل القوى السياسية بما فيها جماعة الإخوان وحزبها.

ويعتمد حزب الوفد العريق على رصيد ممتد منذ الثورة المصرية في عام 1919 التي فجرها أعضاء الوفد المصري برئاسة سعد زغلول للمطالبة باستقلال مصر، وكذلك على إمكاناته المادية التي تسمح له بمنافسة جادة، خاصة في ظل اتساع الدوائر الانتخابية في ظل قانون تقسيم الدوائر الجديد. ويرى مراقبون أن قيادات حزب الوفد، الممثلة في الحكومة المصرية الحالية بـ3 وزراء، يتطلعون إلى منافسة جماعة الإخوان المسلمين الأكثر تنظيما في البلاد، لكنهم يدركون أن ثقلهم السياسي المعتبر لا يتناسب مع قواعدهم الشعبية التي تآكلت خلال العقود الماضية.

وخاض حزب الوفد في ثمانينات القرن الماضي تجربة التحالف الانتخابي مع جماعة الإخوان المسلمين، لكن الانتخابات البرلمانية التي سبقت الثورة المصرية وجرت في عام 2010 اتسمت بالتنافسية الشديدة بين التيارين.

وقال مراقبون: إن حزب الوفد راهن على رغبة نظام مبارك في الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين التي حصلت على 20% من مقاعد البرلمان عام 2005، وقدم نفسه كبديل يصلح للعب دور قيادة المعارضة في البلاد، قبل أن ينسحب من الجولة الثانية في الانتخابات الماضية التي أحرز فيها حزب مبارك أغلبية ساحقة.

وقالت مصادر داخل الكتلة المصرية، وهي تحالف واسع يضم عددا من الأحزاب الليبرالية واليسارية: إن حزب الوفد يسعى للتنسيق مع أحزاب الكتلة.. لكن ربما تحول تطلعات الوفد لإحراز أغلبية في البرلمان المقبل دون التحالف الكامل في مواجهة المد الإسلامي الذي تقوده جماعة الإخوان ويضم عددا من الأحزاب السلفية التي تأسست في أعقاب الثورة. وبدأت شكوك تدور حول التزام جماعة الإخوان المسلمين بالنسبة التي أعلنت عن عزمها المنافسة عليها في البرلمان المقبل. كانت قيادات الجماعة قد قالت في وقت سابق إنها ستنافس على 50% من مقاعد البرلمان في محاولة لطمأنة القوى الليبرالية واليسارية التي تخشى أن يتأثر الدستور الجديد في البلاد بصعود تيارات الإسلام السياسي.

وتستعد القوى السياسية، خلال الأيام القليلة المقبلة، للتوقيع على ميثاق شرف يتضمن مبادئ دستورية حاكمة وقواعد اختيار الجمعية التأسيسية التي تتولى صياغة دستور جديد للبلاد، بحسب اتفاق عدد من الأحزاب مع رئيس أركان الجيش المصري الفريق سامي عنان أول من أمس.