إغلاق المقبرة الملكية في عاصمة سومر الأثرية

خبير آثاري عراقي لـ«الشرق الأوسط»: الفعاليات العسكرية تسببت في انهيار جزء من زقورة أور

جنود أميركيون فوق زقورة أور قرب مدينة الناصرية («الشرق الأوسط»)
TT

بينما أعلن مصدر عراقي مسؤول أمس إغلاق المقبرة الملكية في مدينة أور الأثرية جنوب مدينة الناصرية (375 كلم جنوب بغداد) خوفا من انهيارها بفعل العوامل الطبيعية، أفاد خبير آثاري عراقي بأن أسباب الانهيار تعود إلى الفعاليات العسكرية التي جرت وتجري في مدينة أور الأثرية، والتي ستتسبب في انهيار زقورة أور التاريخية.

فمن الجو، ومن خلال طائرة الهليكوبتر التي تحلق على ارتفاع منخفض منطلقة من قاعدة طليلة، تبدو الآثار السومرية في مدينة أور عاصمة سومر، أقدم حضارة في وادي الرافدين، وخاصة الزقورة، مهجورة، ومقفرة، هذه المنطقة التي كانت تزدحم بالآثاريين والسياح من جميع أنحاء العالم، مستذكرين القيثارة السومرية (6 آلاف عام) والكتابة المسمارية التي ابتدعت هناك، والعجلة التي حركت العالم من تلك البقعة.

سومر مهجورة منذ سنوات الحرب العراقية الإيرانية، بل منذ أن قرر الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين إنشاء أكبر قاعدة جوية في المنطقة واختار موقعها هضبة عالية تقع ضمن منطقة أور الأثرية، كون هذه الهضبة تشرف على باقي المناطق المنخفضة التي تحادد العراق، وخصوصا إيران ودول الخليج العربي، وأطلق عليها تسمية «قاعدة الإمام علي»، وشاع اسمها باعتبارها «القاعدة السرية»، وكانت أول قاعدة عسكرية عراقية تحتلها القوات الأميركية لدى دخولها العراق عام 2003 وأطلقوا عليها اسم «قاعدة طليلة».

وقال الخبير الآثاري العراقي المقيم حاليا في برلين لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف أمس إنه «خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980 - 1988) كانت الطائرات العراقية المقاتلة تنطلق من على مسافة قصيرة جدا من القاعدة التي يقع سورها على مقربة من زقورة أور، وكانت أصوات محركات الطائرات وحركتها قد تسببت في حركة في طابوق المعبد الأثري (الزقورة) المتكون من سبع طبقات، والذي بني قبل ستة آلاف عام»، مشيرا إلى أن «الحكومة العراقية لم تهتم وقتذاك، ولا حاليا، بإجراء أي ترميمات متخصصة لدعم بناء هذا الأثر الحضاري المهم».

وأضاف الخبير الآثاري الذي كان يشغل منصبا مهمّا في المؤسسة العامة للآثار والتراث بوزارة الثقافة العراقية في النظام السابق: «لقد كنا قد استقدمنا في منتصف الثمانينات خبراء آثار من ألمانيا وأجروا فحوصات متخصصة لجدران الزقورة وبقية آثار أور، من ضمنها المقبرة الملكية، وحذروا من انهيارها تدريجيا، وقد أبلغنا المسؤولين وقتذاك بهذه المعلومات، إلا أنهم لم يحركوا أي ساكن لانشغالهم بالحرب»، موضحا أن «إنشاء القاعدة الجوية في منطقة أثرية مهمة كان منذ البداية خطأ فادحا، ولكن لم يكن أحد ليجرؤ على إبلاغ صدام حسين بهذه المعلومة».

وقال الخبير الآثاري الذي فضل عدم نشر اسمه، إن «منظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة كانت هي الأخرى قد حذرت من انهيار الزقورة وبقية آثار أور بسبب الطلعات الجوية قربها»، مذكرا بأن «هذه المنطقة تعرضت أيضا لقصف صاروخي إيراني وأميركي خلال الحرب العراقية الإيرانية وخلال حرب تحرير الكويت عام 1991، وكذلك في عام 2003 لدى سيطرة القوات الأميركية على القاعدة الجوية، بل إن أحد الصواريخ الإيرانية (أرض - أرض) كان قد سقط قرب الزقورة مباشرة حيث كان يستهدف القاعدة الجوية». يذكر أن بابا الفاتيكان السابق يوحنا بولس الثاني كان قد طلب موافقة السلطات العراقية في نهاية التسعينات لزيارة أور باعتبارها موطن النبي إبراهيم، إلا أن صدام حسين رفض منحه الموافقة «لأسباب أمنية» و«لعدم إمكانية العراق تأمين سلامة البابا في هذه الزيارة». من جهتها قالت وصال نعيم مدير مفتشية آثار الناصرية لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إنه تم إغلاق المقبرة الملكية أمام الزائرين والسياح العرب والأجانب والمحليين خوفا من انهيارها بفعل الظروف الطبيعية التي تتعرض لها، والمتمثلة في ارتفاع نسبة الرطوبة والمياه الجوفية، مشيرة إلى «أن المقبرة لم تعد تتحمل دخول السياح».

وكشفت المسؤولة العراقية عن قرب عودة البعثات الفرنسية والأميركية للتنقيب عن الآثار بعد الحصول على الموافقات واستكمال الإجراءات الرسمية لمواصلة التنقيب في مواقع أثرية في المحافظة، من بينها مدن لارسا ولكش وتلو التاريخية. وأشارت إلى أن «هناك خططا لدى دائرة الآثار في وزارة الثقافة بالتنسيق مع الجانب الإيطالي لإجراء أعمال ترميم لمدينة أور لتهيئتها لاستقبال السياح من جديد».