مصارف أوروبا في «عين الإعصار»

مَن في مهب الريح بعد إنقاذ بنك ديكسيا؟

TT

مَن في مهب الريح بعد إنقاذ مصرف ديكسيا الفرنسي البلجيكي؟ لقد باتت مصارف أوروبا في عين الإعصار مع تعثر عمليات إنقاذ ديون اليورو. أخيرا ربما تضطر مصارف كبرى في أوروبا إلى الاعتراف بخسائرها. وفيما تتردد قيادات حكومية ومصرفيون تنفيذيون في الاعتراف بأن مئات المليارات من اليورو في صورة دين يوناني لدى مؤسسات مالية تستحق قيمة أقل كثيرا من قيمتها الاسمية، نجدهم يقبلون رويدا بالواقع الكئيب، مع ازدياد قلق المستثمرين والعملاء والمقرضين.

ويوم أول من أمس قال «بنك دويتشه» إنه لن يحقق مستهدفاته للأرباح خلال العام الحالي، مبررا ذلك بشكوك لدى مستثمرين وخسائر في حيازات سندات يونانية. ويتناقش مسؤولون حكوميون بشأن تفكيك «ديكسيا»، المصرف الفرنسي البلجيكي، ووضع أصوله المتعثرة في مصرف خاص.

وقد أدت هذه الآلام الأخيرة إلى استثارة تخلص بالبيع داخل أوروبا، ووجهت ضربة قوية للمصارف في فرنسا وألمانيا بشكل خاص. وتحسنت وول ستريت، التي عانت مبكرا من المشاكل داخل القارة، عند وقت الإغلاق، وذلك بعد تقارير عن أن مسؤولين ماليين أوروبيين يدرسون وسائل لتعزيز القطاع.

ومع استمرار أزمة الدين الأوروبي في التفاقم، تواجه الشركات المالية المعرضة للدين السيادي المتعثر تداعيات قاسية. وتقترب المصارف الأضعف من أحضان حكوماتهم. وانهارت أسهم «ديكسيا» - الذي حاز على أكثر من 21 مليار يورو في صورة سندات يونانية وإيطالية وإسبانية وبرتغالية نهاية العام الماضي – خلال الأيام الأخيرة. وقد دفع ذلك الوضع الحكومتين البلجيكية والفرنسية إلى ضمان الاحتياجات المالية المستقبلية للمصرف، بعد قيامها بتقديم مساعدات إنقاذ لـ«ديكسيا» قبل 3 أعوام.

وبالنسبة إلى المصارف الأقوى مثل «دويتشه بنك»، وهو المصرف الأكبر داخل ألمانيا، تزداد الضغوط من أجل تخفيض التكاليف وزيادة رأس المال. ويوم أول من أمس قال المصرف الألماني إنه لم يعد في مقدوره الوفاء بمستهدف الأرباح لعام 2011 والمقدر بـ10 مليارات يورو (أي ما يعادل 13.3 مليار دولار تقريبا). وأضاف أنه سوف يتكبد خسائر قدرها 250 مليون يورو في دينه اليوناني وسيلغي 500 وظيفة في القطاع الاستثماري، معظمها خارج ألمانيا.

ووفقا للأرقام فإن تخفيض قيمة الدين اليوناني يجب أن يكون محتملا، وقد بدأت بعض المصارف بالفعل تخفض قيمة حيازاتها إلى أسعار السوق. ولكن الكثير من أصحاب أكبر الحيازات، بما في ذلك «ديكسيا» و«سوسيتيه جنرال» و«بي إن بي باريبا» ومصرفيين حكوميين ألمانيين، عارضوا الإقرار بأن سنداتهم اليونانية تستحق على أحسن تقدير 50% من القيمة الاسمية. ولدى «ديكسيا» 3.4 مليار يورو في أرصدته، فيما يحوز «دويتشه بنك» 1.1 مليار يورو.

ويخشى صناع السياسات الأوروبيون من دفع اليونان إلى العجز عن السداد. ويرغب منظمون في الانتظار حتى يمكنه توفير حماية للدين الإسباني والإيطالي وحماية المصارف الأوروبية التي تحوز السندات في ميزانياتها قريبا من القيمة الاسمية.

ويقول كارل لانو، المسؤول التنفيذي بمركز دراسات السياسات الأوروبية في بروكسيل لصحيفة «نيويورك تايمز»: «بمجرد أن تقوم بتخفيض قيمة الدين اليوناني لديكسيا، سيكون لذلك تبعات على المصارف الفرنسية والألمانية». وقال إنه قد يكون «ديكسيا» في أسوأ الأوضاع ولكن «القضية هي ذاتها بالنسبة لكل المصارف – سيكون على دافعي الضرائب الدفع مقابل ذلك».

وما زال صناع السياسات الأوروبيون منقسمون بدرجة كبيرة إزاء كيفية التعامل مع المصارف غير المستقرة. وتدعم الحكومة الفرنسية مبادلة بين اليونان ومصرفيين تم التوصل إليها في يوليو (تموز) في إطار حزمة إنقاذ ثانية لأثينا. ولكن تضغط ألمانيا بصورة متزايدة على المصارف للمساهمة بحصة أكبر في فاتورة الإنقاذ اليونانية المتنامية. ويقول مسؤولون في وزارة المالية الألمانية إن أفضل السبل للقيام بذلك أن تتحمل المصارف خسارة 50% على سنداتها اليونانية.

ومنذ التوصل إلى اتفاق القطاع الخاص في يوليو (تموز)، تراجعت أسعار السندات اليونانية في أسواق ثانوية إلى نحو 36% من القيمة الاسمية، بدلا من 75%. وقد وضع ذلك ضغوطا إضافية على صناع السياسات الأوروبيين لتغيير بنود الاتفاق. ويوم الاثنين، ذكر جان كلود يونكر، رئيس وزراء لوكسمبورغ الذي يترأس مجموعة عمل دائمة لوزراء مالية منطقة اليورو، الظروف المتغيرة داخل السوق، وأشار إلى أن أوروبا تناقش «مراجعات تقنية» للاتفاق.

ويشير محللون لصحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن تكلفة مبادرة القطاع الخاص هذه قد ارتفعت بدرجة كبيرة. وكما كان مخططا أولا، كان يفترض أن تقترض اليونان 35 مليار يورو لشراء سندات (AAA) لازمة لدعم الأوراق المالية الجديدة من أجل مبادلة الدين. ولكن الارتفاع العالمي في الدين عالي الجودة جعل السندات أكثر تكلفة. ويقول أشخاص مشاركون في الصفقة حاليا إن اليونان تحتاج إلى اقتراض 12 مليار يورو إضافية.

وفيما يبقى سؤال هل سيتحمل دافعو الضرائب أم الشركات المالية الفارق، ربما تتحرك هيئات أوروبية أقرب تجاه جهد منسق خاص بالمصارف.

وقال أولي رين، المفوض الأوروبي المسؤول عن الشؤون الاقتصادية، لـ«فايننشيال تايمز» يوم أول من أمس إن وضع رأسمال المصارف «يجب تعزيزه لتوفير هوامش أمن ومن ثم تقليل حالة الضبابية». وقال إنه يوجد «شعور بإلحاح الأمر»، معترفا بأن بعض المسؤولين كانوا يناقشون إجراءات لتعزيز المصارف.

وتبدو تعليقات رين الواردة متناقضة مع زميله مايكل بارنير، المفوض الأوروبي المسؤول عن الخدمات المالية. ففي يوم أول من أمس وبعد اجتماع لوزراء مالية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ، قال بارنير إنه رغم رسملة المصارف، لا توجد حاجة لإجراءات جديدة. ويقول عدد متنام من الاقتصاديين، وبعض الأصوات داخل صندوق النقد الدولي، إن المصارف في حاجة لأن تعترف رسميا بخسائرها لاستعادة مصداقيتها. وقال مسؤول بارز في صندوق النقد الدولي رفض عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول للحديث علنا عن هذه القضية الحساسة: «من الصعب معرفة كيف ستخرج اليونان من هذا من دون تخفيض قيمة دينها».