إلى أين تجر أزمة الديون منطقة اليورو؟

وسط قلق عالمي من تأثيراتها المدمرة على الاقتصاد

أزمة اليورو أصبحت وجع رأس كبيرا للمنطقة والعالم («الشرق الأوسط»)
TT

قد يبدو نضال أوروبا طويل الأمد مع العجز والدين أشبه بآلام الشخصية الشكسبيرية الشهيرة ماكبث حين قال: «غدا ثم غدا ثم غدا، ستستمر هذه الوتيرة الحقيرة من يوم لآخر، حتى المقطع الأخير من الوقت المسجل».

وبالطبع، لا يوجد أمام دول الاتحاد الأوروبي الـ17 التي تستخدم عملة اليورو كل هذا الوقت لإقناع المستثمرين بأن لديهم خطة للمحافظة على العملة ومنع التدافع على المصارف داخل القارة الأوروبية. ويقول بعض المحللين إن أمامهم أقل من 5 أسابيع حتى تنعقد قمة مجموعة الـ20 في نوفمبر (تشرين الثاني)، ويقول آخرون إن أمامهم وقتا أطول قليلا.

ولكن توجد صعوبة في القيام بإجراء سريع بالنسبة إلى اتحاد يعمل بصورة تدريجية، مع الحاجة إلى الوصول إلى اتفاق سياسي في كل خطوة.

وعلى المدى القصير، لا تزال اليونان المشكلة الأساسية، إذ لم تكف حزمتا إنقاذ، وما زال الدين العام اليوناني في تزايد، ومعه الضغوط على الحكومة للبحث عن المزيد من العوائد وإجراء المزيد من الخصومات. وتعتمد استراتيجية أوروبا، على حد ما يمكن استشفافه، على إرجاء إعادة هيكلة الدين اليوناني قدر الإمكان وحشد دعم كاف لصندوق إنقاذ حتى يمكن للمصارف التي لديها عرضة أكبر للدين السيادي اليوناني وغيرها من الدول المتعثرة بمنطقة اليورو مثل البرتغال وآيرلندا وإيطاليا وإسبانيا تحمل عجز يوناني عن السداد بات شبه حتمي.

ولكن حالة الركود المدفوعة بإجراءات التقشف في اليونان جعلت عجز الميزانية لديها أسوأ مما توقعه الخبراء ولم تحافظ الدولة على كل تعهداتها لـ«ترويكا» - الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والمصرف المركزي الأوروبي - التي تجعل أثينا واقفة على قدميها. وقد ترك خبراء من «الترويكا» اليونان قبل شهر، قبل أن يعودوا الأسبوع الماضي بعد حصولهم على تعهدات جديدة بالقيام بشيء.

ومن جديد نجد أثينا على الحافة. ومن دون الدفعة المقبلة من مساعدات «الترويكا» (8 مليارات يورو) ربما تعجز اليونان عن السداد فورا، ولذا تتخذ «الترويكا» تصرفات حازمة، وتحاول إجبار أثينا على إجراء تعديلات هيكلية هامة يعتقد المقرضون أنها لن تتحقق بغير ذلك.

ولكن تعتبر تداعيات العجز فوضى كئيبة مما يعني أن لدى أثينا أوراقا تلعب بها هي الأخرى. وكان من الصعب الحصول على بيانات مالية حديثة بسبب إضراب قام به عمال مكتب الإحصاءات الوطني. وقالت الحكومة إنها ستواجه عجزا بحلول منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) إذا لم تحصل على مساعدات، ولكن يقول مسؤول أوروبي بارز: «نعتقد أنهم يبالغون عن قصد بهدف ممارسة ضغوط علينا». وعند الحديث سرا، يقر مسؤولون بأن دين اليونان، الذي يتم تداوله بنسبة 40 في المائة فقط من قيمته الاسمية، غير مستدام، وأن المقرضين سيكون عليهم إسقاط بعض منه. والنتيجة التي يكثر ذكرها هي (تقليم) بنسبة 50 في المائة، يتبعه إعادة رسملة للمصارف إذا تحتم الأمر.

وألمانيا وفرنسا غير مستعدتين لدراسة القيام بذلك حتى الآن، ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى أن تخفيف الضغوط على اليونان سيعني إزالة حافز لتعديل مصادر تمويلها وجعل اقتصادها أكثر قدرة على المنافسة. وإذا حصلت اليونان على هذه الصفقة، فلماذا لا تحصل البرتغال وآيرلندا والآخرون على مثل ذلك؟ وعلى نفس القدر من الأهمية، ترغب ألمانيا وفرنسا في إرجاء أي عجز يوناني، سواء بصورة منظمة أو لا، حتى يعززا من صندوق الإنقاذ ويتخذا خطوات أخرى لحماية إيطاليا، صاحبة الاقتصاد الأكبر في جنوب أوروبا.

ولذا حتى الآن، يركز الاتحاد الأوروبي على سعيه إلى إقرار اتفاق إنقاذ تم التوصل إليه في 21 يوليو (تموز). وسيقوم ذلك بتوسيع مقتدرات الإقراض الفعال لصندوق الإنقاذ إلى 440 مليار يورو (589 مليار دولار) ويعطي للصندوق سلطات جديدة لشراء سندات في أسواق ثانوية وتقديم قروض لدول وإعادة رسملة مصارف.

وما زالت الصفقة في حاجة إلى إقرارها من مالطا وهولندا وسلوفاكيا. وعلى الرغم من المخاوف حول المزيد من القروض إلى اليونان، فإنه من المحتمل أن يمضوا قدما، بينما لا تزال فنلندا، وهي من الدول المتشككة، راغبة في ضمان يوناني. وفي هذه الأثناء، يقوم المصرف المركزي الأوروبي بشراء كميات كبيرة من الورق الإيطالي والإسباني في سعي إلى جعل تكاليف الاقتراض داخل هذه الدول منخفضة. ويوجد تحد آخر على المدى المتوسط، حيث يوجد إجماع على أنه على الرغم من أن 440 مليار يورو يمكن أن تغطي اليونان والبرتغال وآيرلندا، فإنها لن تكون كافية إذا كانت إيطاليا وإسبانيا والمصارف في الصورة. وعليه؛ فإن الجدل المقبل سيكون حول كيفية توسيع الصندوق أو زيادة تأثيره. وعلى الأقل يجري دراسة 5 نماذج جديدة، بحسب ما يقوله مسؤولون أوروبيون. ويبدو أن واحدا فقط يتجنب الحاجة إلى تغييرات قانونية طويلة، بحسب ما قاله مسؤول أوروبي: العمل بالتوافق مع المصرف المركزي، الذي سيتسمر في شراء الدين السيادي بينما يقدم صندوق الإنقاذ ضمانات ضد الخسائر. ومن غير المحتمل أن يتم اتخاذ قرار بخصوص هذه القضية في قمة الاتحاد الأوروبي المقبلة في 17 أكتوبر. وعلى أي حال فإن ذلك سيحتاج دعم المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والرئيس الإيطالي الجديد للمصرف المركزي، ماريو دراغي، الذي سيتولى مهام منصبه في الأول من نوفمبر. ولا يوجد تأكيد على أن أي منهما سيوافق على ذلك. وتوجد ضغوط سياسية كبيرة على ميركل داخليا كي لا تعرض ألمانيا للمزيد من مخاطر الدين. ومن المحتمل أن يرغب دراغي في إظهار قدراته على مكافحة التضخم في المصرف، ولا يبدو مندفعا من أجل إيطاليا.

ومن المتوقع أن تسيطر مشاكل اليورو على اجتماع قمة أكتوبر، بينما تضغط فرنسا وألمانيا في معرض نقاش حول كيفية تحقيق مقدار أكبر من التساوق والنظام للاقتصادات المتنوعة الـ17 في الاتحاد الأوروبي التي تشارك في العملة. وسيقترح هيرمان فان رومبوي، رئيس المجلس الأوروبي، تقديم بعض التعديلات، بما في ذلك اجتماعات قمة دورية لمنطقة اليورو وتعيين «رئيس» دائم لوزراء مالية منطقة اليورو. ويهدف من هذه التعديلات استكمال مجموعة من 6 إجراءات وافق عليها البرلمان الأوروبي الأسبوع الماضي لإحكام تطبيق قواعد مالية للدول الأعضاء. وربما يتجنبون أزمة دين مستقبلية، ولكن لن تحل الأزمة الحالية.

ولكن لا يوجد شيء سهل مع الاتحاد الأوروبي. وتطالب ألمانيا بأن يفرض على الدائنين قبول خسائر أكبر من دينهم اليوناني، ولكنها لم توافق بعد على دعم نفوذ صندوق الإنقاذ. ويعتقد الكثير من المسؤولين الأوروبيين والأميركيين أن منطقة اليورو يجب أن توسع نفوذ الصندوق أولا، واستخدام الموارد الإضافية من أجل إعادة رسملة المصارف وحماية إيطاليا وإسبانيا، قبل فرض أي خسائر أكبر على المقرضين. ويقولون إنه إذا لم يتم إدارة هذه القضايا بتناغم يمكن أن تؤدي سلسلة من ردود الفعل ال

* أسهم في التقرير من فرانكفورت جاك إوينغ

* خدمة «نيويورك تايمز»