المجلس العسكري ينفي نيته تقديم مرشح للرئاسة.. والقوى السياسية تعيد حساباتها

أميركا تفتح قنوات اتصال بـ«حزب الإخوان».. والجماعة تنتقد توقيع حزبها على «وثيقة عنان»

المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري المصري، (الثاني من اليسار)، يضع إكليلا من الزهور على قبر الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، في ذكرى حرب أكتوبر 1973، أمس (رويترز)
TT

تبددت سريعا أجواء الاستقرار السياسي في مصر، في أعقاب مراجعة أحزاب مصرية وثيقة ترسم خارطة تسليم السلطة للمدنيين، وقعتها تلك الأحزاب مع رئيس أركان الجيش المصري مطلع الأسبوع الحالي. وبينما توقع المجلس العسكري (الحاكم) أن ينتهي الجدل السياسي حول ترتيبات المرحلة الانتقالية قبل احتفالاته بذكرى انتصاره على إسرائيل في 6 أكتوبر (تشرين الأول) 1973، بدا أن الأيام القليلة المقبلة سوف تشهد مزيدا من الضغط لإقرار جدول زمني لتسليم السلطة لرئيس منتخب قبل منتصف العام المقبل.

وحاول المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، تطمين القوى السياسية، نافيا وجود مرشح من المؤسسة العسكرية في انتخابات الرئاسة المقبلة، قائلا في تصريحات عقب افتتاحه لأعمال التطوير في المجمع الطبي التابع للقوات المسلحة، أمس، إن «هذه شائعات لا ينبغي التوقف عندها ولا يجب استهلاك الوقت في الحديث عن شائعات».

من ناحية أخرى، أكد طنطاوي أمس أن «وضع سيناء العسكري آمن 100%»، بعد أن دعاه مسؤول أميركي إلى تعزيز الأمن في هذه المنطقة التي تعتبر إسرائيل أنها تستخدم قاعدة خلفية لشن هجمات على أراضيها.

ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن القائد الأعلى للقوات المسلحة قوله إن «وضع سيناء العسكري آمن 100%».

ورغم تطيمنات قيادات المجلس العسكري المتكررة بشأن رغبتهم في تسليم السلطة للمدنيين، فقدت أحزاب مصرية حماسها سريعا لـ«خارطة طريق» ترسم ملامح انتقال السلطة للمدنيين، وقعتها مطلع الأسبوع الماضي مع المجلس العسكري، وذلك بعد انتقادات واسعة من داخل هذه الأحزاب ومن قوى سياسية أخرى لم تشارك في الاجتماع الذي انتهى بوضع وثيقة قال معارضوها إنها لا تسمح باختيار رئيس للبلاد قبل مطلع عام 2013.

وانضم حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، إلى القوى السياسية التي تنادي بالإسراع في تسليم السلطة لرئيس منتخب، وقال الحزب الذي وقع على وثيقة المجلس العسكري إن «الموعد المحدد للانتخابات الرئاسية، بعد الإعلان عن استفتاء الدستور بالإيجاب، يعد أجلا متأخرا، ويحتاج إلى إعادة نظر».

وأشار حزب الإخوان المسلمين في بيان له، صدر مساء أول من أمس، إلى أن الإعلان الدستوري الحالي يحتمل بأن تجرى الانتخابات الرئاسية قبل الانتهاء من وضع الدستور.

وتابع البيان: «إن المجلس كان يرى أنه ليس طرفا في العملية السياسية لدرجة أنه أراد أن يتجنب الوجود في السلطة أثناء وضع الدستور، وهو الآن يميل إلى أن يكون طرفا في عملية سياسية، هو ليس طرفا فيها، وكلما دخل فيها خسر أكثر، وربما يتورط في شأن يؤثر سلبا على مكانة المؤسسة العسكرية».

ومن جهتها وجهت جماعة الإخوان المسلمين، الأكثر تنظيما في البلاد، أول انتقاد لأداء ذراعها السياسية، حزب الحرية والعدالة، معربة في بيان لها، أمس، عن رفضها الوثيقة التي وقع عليها رئيس حزب الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي.

وقال الدكتور محمود غزلان لـ«الشرق الأوسط» إن «اجتماع مكتب الإرشاد اليوم (أمس) حضره ممثل عن الحزب هو الدكتور سعد الكتاتني، الأمين العام، وبدا أن قيادات الحزب تداركت القصور الذي احتوته (وثيقة عنان).. البيان الذي صدر عن الحزب لتوضيح موقفه النهائي تقريبا متوافق مع رؤيتنا في الجماعة.. نحن لا نتدخل وإنما نستمع لوجهة نظر قيادات حزب الحرية والعدالة».

وقالت الجماعة في بيانها إن «معنى ما صدر عن لقاء الفريق عنان برؤساء الأحزاب أنه تم ضرب عرض الحائط بما جاء في رسالة المجلس العسكري رقم (28) بتاريخ 28 مارس (آذار) 2011، (وهي رسالة أكد فيها المجلس أن انتخابات الرئاسة ستجرى قبل نهاية العام الحالي)، وأن انتخابات الرئاسة في أحسن الأحوال سوف تتم في آخر 2012، وقد تمتد إلى منتصف 2013، وهو ما ينذر بخطر جسيم نتيجة استمرار الفترة الانتقالية باضطراباتها وقلقها وتأثيراتها السلبية على الأمن والاستثمار والإنتاج، وانغماس الجيش في الخلافات السياسية».

وتابع البيان: «هذا ما يرفضه الإخوان المسلمون جملة وتفصيلا، ويصرون على الانتهاء من الانتخابات في أقرب وقت وإجراء انتخابات الرئاسة فور تشكيل البرلمان دون الانتظار حتى إتمام الدستور، فهذا هو أخف الضررين، لأن الشعب لن يقبل بهذا التسويف».

وتصب مواقف القوى السياسية الراغبة في الإسراع بتسليم البلاد لرئيس منتخب قبل انتصاف العام المقبل، مع جدول زمني وضعه 6 من المرشحين المحتملين للرئاسة يتضمن انتخاب رئيس جديد للبلاد نهاية فبراير (شباط) من العام المقبل.

وبدأ المرشحون المحتملون للرئاسة وهم: عمرو موسى، ومحمد سليم العوا، وحمدين صباحي، وحازم صلاح أبو إسماعيل، وعبد المنعم أبو الفتوح، اجتماعا مغلقا صباح أمس لوضع اللمسات الأخيرة على الجدول الزمني، ووضع مهلة محددة للمجلس العسكري من أجل الاستجابة لمطلبهم.

وفي غضون ذلك، بدأت دعوات مكثفة من شباب الثورة وقوى وحركات سياسية للتحرك في الشارع في مسيرات تجوب القاهرة، للضغط على المجلس العسكري. ودعت هذه القوى إلى مظاهرة حاشدة في ميدان التحرير يوم غد، الجمعة، تحت شعار «شكرا وعودوا إلى ثكناتكم»، لرفض وثيقة المجلس العسكري والأحزاب الـ13 الموقعة على البيان. وقالت قيادات في ائتلاف شباب الثورة إن الدعوة لمظاهرة يوم الجمعة المقبل تأتي في إطار التأكيد على أن السيادة للشعب وحده.. «ليس من المعقول أن يجتمع المجلس العسكري بمجموعة من رؤساء الأحزاب ليقرروا مستقبل البلاد.. الشعب المصري دخل المعادلة ولن يقصيه أحد منها». وأعلنت قوى سلفية مشاركتها في الدعوة إلى التظاهر يوم غد، للمطالبة بوضع جدول زمني لانتقال السلطة في البلاد لا يتجاوز منتصف العام المقبل، وتعليق حالة الطوارئ، المعلنة في البلاد منذ اغتيال الرئيس المصري الأسبق، أنور السادات، مطلع ثمانينات القرن الماضي.

واستقبلت الأوساط السياسية بفتور قرار اللجنة العليا للانتخابات، برئاسة المستشار عبد المعز إبراهيم، بفتح باب الترشح للانتخابات البرلمانية يوم الأربعاء المقبل، وتحديد رموز القوائم الانتخابية للأحزاب، والمرشحين على المقاعد المخصصة للفردي، التي تمثل ثلث مقاعد البرلمان. وتبدأ الانتخابات البرلمانية في مصر 28 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وتجرى على 3 مراحل وتنتهي في يناير (كانون الثاني)، بينما تبدأ انتخابات مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان)، نهاية الشهر نفسه وتنتهي جولتها الأخيرة في مارس. ولم يتحدد موعد الانتخابات الرئاسية، لكن الوثيقة التي صدرت عن اجتماع الأحزاب بالمجلس العسكري ربطت بين وضع دستور جديد للبلاد والموافقة عليه في استفتاء شعبي، وموعد انتخابات الرئاسة، التي تجرى بعد 45 يوما من إعلان نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد.

إلى ذلك، قالت قيادات في حزب الإخوان المسلمين (الحرية والعدالة) إن قياديا في الحزب التقى مساء الاثنين الماضي مسؤولين أميركيين، وذلك عقب يوم واحد من تصريحات نسبت لدبلوماسي أميركي بثتها «رويترز» عن اتصال الإدارة الأميركية بقيادات الحزب، وهو ما نفاه حينها الدكتور عصام العريان، النائب الأول لرئيس الحزب.

وقال الدكتور سعد الكتاتني، أمين عام حزب الحرية والعدالة، إنه استقبل قبل يومين بريم كومار، مدير قسم مصر في الأمن القومي الأميركي، وإيمي ثيا كاثرين، سكرتير أول السفارة الأميركية في القاهرة، في مقر الحزب بمحافظة الجيزة (المتاخمة للعاصمة المصرية).

وأبدى الكتاتني في لقائه الذي استمر نحو ساعة، العديد من الملاحظات على السياسة الأميركية في العديد من الملفات، على رأسها التدخل في الشأن المصري الداخلي، وملف حقوق الإنسان، والصراع العربي - الإسرائيلي، ودعم الإدارة الأميركية للأنظمة العربية المستبدة.

وقال الكتاتني لـ«الشرق الأوسط» إن «اللقاء اتسم بالطابع البروتوكولي.. وجاء في إطار استطلاع وجهة نظرنا بشأن التحول الديمقراطي في مصر. لقد عبروا عن احترامهم لإرادة الشعب المصري، لكن على أي حال هناك فارق كبير بين الأقوال والأفعال».

وكان الكتاتني قد التقى في وقت سابق السفيرة الأميركية في القاهرة بصفته البرلمانية ضمن وفد من البرلمانيين المصريين. كما استقبل الحزب منذ تأسيسه في أعقاب الثورة المصرية العديد من السفراء العاملين في مصر.

وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» بشأن اختيار مدير قسم مصر في الأمن القومي الأميركي ليشارك في أول اتصال رسمي بين حزب الإخوان المسلمين (الحرية والعدالة) والإدارة الأميركية قال الكتاتني: «لم نقرأ منصب الضيف الأميركي سياسيا.. هو رجل متخصص في الشأن المصري وربما أراد التأكد من صحة التقارير التي يتلقاها من مصر بنفسه».