دعوة من مراكش للدول العربية والإسلامية إلى إقرار إجراءات وتدابير تشريعية حول الاتصال الإلكتروني

مشاركون في ندوة «الشباب ومخاطر الجريمة الإلكترونية» يبرزون أهمية التوعية بمخاطر الجريمة الإلكترونية

TT

شكلت ندوة «سبل حماية الشباب من مخاطر الجريمة الإلكترونية»، التي اختتمت أشغالها أمس، بمدينة مراكش، فرصة للتعريف بالقوانين والتشريعات الخاصة بالجريمة الإلكترونية على المستوى الدولي، مع التركيز على الصعوبات التي تعترض مواجهتها، إقليميا ومحليا. وشملت التوصيات، التي تمخضت عنها الندوة أربعة محاور أساسية، تتعلق بجوانب التشريع والتنظيم، والتكوين والبحث العلمي، والتعاون والشراكة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، والتحسيس والتوعية بمخاطر الجريمة الإلكترونية.

وأكد المشاركون أهمية وجود نظام عالمي فاعل للعدالة الجنائية يمكن المجتمع الدولي من مواجهة الجريمة الإلكترونية والحد من مخاطرها، في إطار التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف.

ودعا المشاركون الدول العربية والإسلامية إلى إقرار إجراءات وتدابير تشريعية ذات صلة بالاتفاقية الدولية حول الاتصال الإلكتروني (اتفاقية بودابست 2001)، كما أوصوا بتنظيم دورات تدريبية حول تقنيات التعامل مع الجرائم الإلكترونية لفائدة القضاة وضباط الشرطة القضائية ورجال السلطة وجميع الجهات المعنية بالأمن الاجتماعي والاقتصادي، وحثوا المنظمات العربية والإسلامية المختصة في المجالات التربوية والعلمية على التعاون مع وزارات التربية والتعليم من أجل وضع مقررات دراسية لفائدة التلاميذ للتوعية بمخاطر الجريمة الإلكترونية.

وسعت الندوة، التي نظمت بالتعاون بين المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) ووزارة العدل المغربية، وتواصلت على مدى يومين، إلى إطلاع الملحقين القضائيين في المحاكم المغربية على آخر الاجتهادات الدولية في مجال التعامل مع الجريمة الإلكترونية، خاصة أن هذه الأخيرة وجدت أرضية خصبة في النسبة المرتفعة للشباب في الهرم السكاني المغربي، وارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت بين هذه الفئة، «الشيء الذي يطرح تخوفات من وقوع هذه الفئة في براثن الجريمة الإلكترونية والسقوط في أشكال عديدة ومتنوعة من الانحراف الأخلاقي والسلوكي، والتعرض لحملات التضليل والاستقطاب من طرف جهات وتيارات متطرفة تسعى لتوظيف الشباب من أجل أهداف تخريبية تضر بالبلاد والعباد وتعرقل التنمية المستدامة».

وناقشت الندوة أربعة محاور تمركزت حول واقع وآفاق التعاطي مع الجريمة الإلكترونية، دوليا وعربيا ومغربيا، من خلال عروض تناولت «حاجة المجتمع الدولي لقانون خاص بالاتصال الإلكتروني»، و«المقاربة القانونية لمواجهة الإجرام الإلكتروني في الوطن العربي»، و«الجوانب القانونية لضبط الجريمة الإلكترونية في المغرب»، و«آليات التصدي للجريمة الإلكترونية في علاقاتها بالشباب». وقال الدكتور المحجوب بنسعيد، خبير الاتصال في الإيسيسكو، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الندوة تتوخى تقديم خدمة للملحقين القضائيين الذين يواجهون، اليوم، قضايا تتعدى السرقة أو الاعتداء العادي، بعد أن صرنا إلى قضايا تتم عبر تقنية المعلومات والاتصال، تهم السرقات من الحسابات البنكية بالاعتماد على بطاقات الائتمان، والسب والقذف عن طريق المواقع الإلكترونية، دون أن يوازي هذا المعطى الجديد اجتهاد قانوني».

وأبرز بنسعيد أن الندوة، التي شارك فيها أساتذة متخصصون ورجال قانون وقضاة ومحامون وخبراء إعلاميون وأمنيون، تنعقد في إطار برنامج عمل الإيسيسكو الهادف إلى التوعية بالأبعاد الأخلاقية والثقافية والجنحية لاستعمالات تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وخاصة الإنترنت، مشددا على أهمية «توعية الشباب بالدرجة الأولى للاحتياط عند استعمال تقنيات المعلومات والاتصال في ظل التنامي المتصاعد للمواقع التي تعتبر نفسها (جهادية) وتنشر الفكر المتطرف، الذي أساء إلى صورة الإسلام والمسلمين بالدرجة الأولى، وكذا التوعية بمخاطر المواقع الإباحية التي تتنافى والقيم الإسلامية وتخرب السلوك المتزن وتحفز الجوانب الغريزية لدى شبابنا»، مضيفا أن الأمر يزداد تعقيدا عندما نعلم بأن «مقترفي الجرائم الإلكترونية يقومون باستغلال أوجه الضعف والثغرات في التشريعات الوطنية والإقليمية، كما يحولون عملياتهم إلى البلدان التي لا توجد فيها قوانين ملائمة للتعامل مع الجرائم الإلكترونية حتى يتسنى لهم شن الهجمات على ضحاياهم في ظل إفلات كامل تقريبا من العقاب».

وشدد بنسعيد على أن المقاربة التي تشتغل عليها الإيسيسكو تسعى، في شقيها الأخلاقي والفكري، إلى «تقديم جهد يلتقي مع جهود أخرى تتمثل في عمل المنظمات الدولية، فضلا عن مساهمة المؤسسات الحكومية في الدول الأعضاء، وفي مقدمتها وزارات الشباب والعدل والتربية، علاوة على الدور الذي يجب أن تقوم به منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام في مجال التوعية بمخاطر الجريمة الإلكترونية». وأشار بنسعيد إلى أن اختيار مراكش لم يكن اعتباطا، بل جاء تجسيدا لتضامن الإيسيسكو مع المغرب، بعد الجريمة الإرهابية التي هزت مقهى «أركانة»، التي كانت في جانب كبير منها إلكترونية، من جهة استعمال تقنيات إلكترونية في عملية التفجير.

من جهته، قال عبد الوهاب الرامي، الخبير والباحث في علوم الإعلام والاتصال، إن «وسائل الإعلام تشكل إحدى الدعائم الأساسية لخلق جو لمحاربة الجريمة الإلكترونية، الشيء الذي يستدعي منها التشبع بجملة من البنود المهنية والأخلاقية للوصول إلى هذا المبتغى، خاصة أن المواصفات العامة لتغطية الجرائم داخل وسائل الإعلام تتمثل في الإخبار الانتقائي عن الجريمة والجنوح إلى التهويل وخرق الخصوصية والحميمية، في حين أن الجريمة الإلكترونية تخلق ارتباكا أشد خطورة على ممارسة المهنة، الشيء الذي يستدعي تأمين المؤسسة الإعلامية حتى لا تسقط ضحية الملابسات المرتبطة بالجريمة الإلكترونية، وحتى لا يسقط الصحافيون في الجرائم المرتبطة بالسرقات الأدبية والاعتداء على الملكية الفكرية، وعلى حقوق الأطفال في التغطية النزيهة عبر الشبكة العنكبوتية».

يشار إلى أن موضوع الجريمة الإلكترونية كان قد لقي اهتماما كبيرا في المغرب في الآونة الأخيرة، وبادر جهاز الأمن الوطني (الشرطة) إلى إنشاء جهاز خاص بالشرطة العلمية؛ بين مهامها مكافحة جرائم الإنترنت والتزوير والنصب عن طريق الشبكة العنكبوتية. وازداد الاهتمام بالموضوع بعد مبادرة بعض البنوك المغربية إلى إصدار بطاقات خاصة يمكن عن طريقها التسوق عبر الإنترنت داخل المغرب وخارجه. وقد أعلن عن عدة جرائم نصب واحتيال وقعت مؤخرا عبر استغلال الشبكة.