ظهور الشابة زينب الحصني على التلفزيون السوري لتنفي مقتلها يعيد إلى الأذهان «لعبة» السفارة السورية في باريس

ناشطون يسألون عن هوية الشابة المقطوعة الرأس والمشوهة التي سلمت لأهل زينب على أنها ابنتهم

صورة تلفزيونية تناقلتها وكالات الأنباء العالمية لحظة استلام أهل الفتاة لجثتها
TT

أعادت المقابلة التي بثها التلفزيون مع الشابة زينب عمر الحصني، والتي ادعى الأمن أنه سلم جثتها المقطعة والمشوهة إلى أهلها قبل أسابيع، وتبنت قصتها منظمة العفو الدولية، التذكير بقصة السفيرة السورية في باريس لمياء شكور في منتصف العام الحالي، التي نفت إدلاءها بتصريحات لمحطة «فرانس 24» أعلنت فيها استقالتها اعتراضا على وحشية النظام، وقالت إن امرأة انتحلت شخصيتها. وتسببت القصة حينها في جدل كبير، خصوصا وأن القناة أكدت أنها حصلت على رقم شكور من السفارة السورية، وأن لديها رسائل التواصل عبر البريد الإلكتروني التي تثبت ذلك. واتهمت القناة السلطات السورية بتضليلها عمدا لضرب مصداقيتها، بينما اتهمت الحكومة السورية القناة الفرنسية باختلاق قصص لتشويه صورة النظام. وقد فتح القضاء الفرنسي تحقيقا لمعرفة حقيقة ما جرى.

وكان ناشطون أكدوا أن زينب تعرضت للاختطاف من قبل أجهزة الأمن في حمص، وأنها قضت تحت التعذيب وتعرضت جثتها للتنكيل والتشويه وقطع رأسها وأطرافها. وقد ذكرت منظمة العفو الدولية في تقرير لها الأسبوع الماضي أن أهل زينب عثروا على جثتها المشوهة والمقطعة في مشرحة عن طريق الصدفة عندما ذهبوا لتسلم جثة ابنهم، وأجبروا على التوقيع على ورقة تقول إن ولدهما وابنتهما قتلا على أيدي جماعات إرهابية.

ويوم أمس فاجأ التلفزيون السوري المشاهدين ببث مقابلة مع فتاة قال إنها زينب الحصني، التي قالت إنها لم تُعتقل وإنما هربت من بيت العائلة لأن إخوتها يقومون بضربها. وقال نديم حوري المتحدث باسم «هيومان رايتس ووتش» في بيروت، لوكالة «رويترز»، إن ممثلي المنظمة تحدثوا مع الأسرة التي أكدت أن المرأة التي ظهرت في التلفزيون هي زينب الحصني وأن الأم قالت إنها ابنتها. وأضاف حوري أن ظهور الحصني يجب أن لا يصرف الانتباه عن أن شابة مقطوعة الرأس سلمت إلى أسرة الحصني لدفنها.

وأصبحت الحصني (18 عاما) رمزا للانتفاضة السورية المناهضة للرئيس بشار الأسد بعد أن جاء في تقارير لـ«هيومان رايتس ووتش» ومنظمة العفو الدولية أن أسرتها عثرت في مشرحة الشهر الماضي على جثة امرأة مصابة بحروق شديدة ومقطوعة الرأس. لكن التلفزيون السوري أذاع أول من أمس مقابلة مع الحصني تظهر أنها ما زالت حية تُرزق، وعرض ما قال إنه بطاقة هويتها. وقال إن وفاتها لفقت «لخدمة المصالح الأجنبية». وقالت الشابة في المقابلة: «جئت اليوم إلى الشرطة لأقول الحقيقة. أنا حية، على نقيض ما تقوله محطات التلفزيون الفضائية الكاذبة».

وكانت زينب ترتدي ثوبا أسود اللون وتضع حجابا، وعرضت بطاقة هوية باسم زينب الحصني. وأضافت: «لا يعرفون أني على قيد الحياة. عرفت بقصتي عبر التلفزيون حيث توالت الأخبار التي تقول إن الأمن السوري اعتقلني وأحرق جثتي وقطعها». وتابعت أنها «أخبرت من أقيم لديهم أنني أريد إخبار الشرطة بالحقيقة، لكنهم نصحوني بأن لا أفعل وأخافوني من أن الأمن سيقوم بتعذيبي (...) وأتيت اليوم إلى قسم الشرطة لأقول الحقيقة». وقالت: «أكذب خبر مقتلي، فأنا حية أرزق، بعكس ما قالت القنوات الكاذبة ،واخترت قول الحقيقة لأنني سأتزوج في المستقبل وسأنجب أطفالا وأريد أن أتمكن من تسجيلهم».

وقالت منظمة العفو الدولية أمس، بعد ظهور زينب على التلفزيون السوري، إنها تراجع صور الفتاة التي خرجت على التلفزيون السوري أمس. وقال متحدث باسم المنظمة لوكالة الأنباء الألمانية: «تابعنا التقارير التي بثها التلفزيون السوري وتفيد بأن الحصني لا تزال حية، ونراجع الموضوع حاليا مع مصادرنا الموثوقة داخل سوريا».

ولكن ظهور زينب على التلفزيون السوري لم ينهِ الجدل، إذ قال ناشطون: «إذا كان صحيحا أن زينب لم تُعتقل ولم تُقتل وأن التي ظهرت هي حقا زينب الحصني، فإن ذلك لا ينفي وجود جثة مقطعة سلّمت لأهل زينب وتم التوقيع على أوراق تسلم ذكر فيها أنها قُتلت على أيدي العصابات المسلحة، وجرى دفنها». وطالبوا بالكشف عن هوية تلك الجثة، وقالوا: «إن ظهور زينب لا ينفي وقوع الجريمة، بل يؤكدها».

وذكر الناشطون بقصة أحمد البياسي الذي ظهر في فيلم «قرية البيضا» الشهير، الذي يصور عناصر الأمن والشبيحة يدوسون على معتقلي قرية البيضا في بانياس من عدة أشهر، وحينها قالت السلطات إن الفيلم مفبرك وتم تصويره في العراق، إلا أن أحمد البياسي ظهر في فيلم فيديو وأكد أنه كان بين المعتقلين واختفى بعدها، ما دفع الناشطين إلى توجيه نداءات استغاثة للمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية لإنقاذ حياته قبل أن يقضي تحت التعذيب. فما كان من السلطات السورية إلا أن بثت مقابلة تلفزيونية مع أحمد البياسي لدحض مزاعم اعتقاله، إلا أن تلك المقابلة أثبتت بالدليل القاطع صحة فيلم «قرية البيضا» الذي نفت صحته السلطة.

واعتبر الناشطون أن مقابلة زينب دليل يثبت أن الأجهزة الأمنية تقوم «بتمثيليات وخدع تهدف إلى ضرب مصداقية» ما تبثه وسائل الإعلام الخارجي عن الانتهاكات في سوريا، لكنها أيضا تثبت حصول تلك الانتهاكات، لأن جثة مقطعة ومشوهة سلمت إلى أهل زينب.

وكان ناشطون بثوا فيديو لشخص قال إنه يدعى يوسف الحصني شقيق زينب، وإن «شقيقته البالغ عمرها 18 عاما اختطفت من الشارع بتاريخ 27 - 7 من قبل قوات الأمن السورية، وإن قوات الأمن اتصلت بالعائلة وطلبت منها تسليم شقيق زينب مقابل تسليم جثتها».

وأدان تقرير التلفزيون السوري مسارعة منظمة «هيومان رايتس ووتش» الحقوقية الأممية لإدانة مقتل زينب ومطالبة الأمم المتحدة بإجراء تحقيق في دور السلطات السورية باغتيال زينب بعد أن اتهم نائب مدير المنظمة جو ستورك قوات الأمن السورية بقتلها والتمثيل بجثتها. واعتبر ذلك جزءا من «المؤامرة»، واتهم التلفزيون السوري «قنوات مثل (الجزيرة) و(العربية) و(فرانس 24) و(بي بي سي) بالكذب والتضليل وإلصاق التهم بقوى الجيش والأمن لتشويه سمعتها وإثارة القلاقل والتأليب دوليا على القيادة السورية».

وأدلى المحامي نبيل الحلبي، مدير المؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان، برأي قانوني حول قضية زينب الحصني في وسائل الإعلام يوم أمس، بعد تأكيده أن أهل زينب قالوا إن من ظهرت على التلفزيون هي ابنتهم، وإن السلطات السورية في حمص كانت قد أكدت لهم سابقا أن «الجثة التي تسلموها لابنتهم وجرى دفنها على هذا الأساس، وتم تأكيد هوية الجثة حين تم تسليمها من المستشفى العسكري في حمص ومحافظ المدينة، إلا أن السلطات عادت وأنكرت روايتها السابقة».

واعتبر الحلبي أن «مزاعم السلطات السورية واتهامها لمنظمات حقوق الإنسان وبعض وسائل الإعلام بفبركة قضايا القتل والتعذيب هو خارج عن الصحة». وقال إن «اكتشاف أن زينب لا تزال على قيد الحياة لا ينفي وجود جثتين قضيتا تحت التعذيب، وأن من قال إن الفتاة المقتولة والمشوهة هي زينب الحصني وأعطى جميع الأذونات اللازمة لتسلم الجثة وللدفن هي السلطة القضائية السورية والحكومة السورية». واستنادا إلى ذلك «لا يمكننا أن نضع تصرف السلطات السورية إلا في إطار الترصد العمد، للدفاع المشوّه عن أعمال القتل والتعذيب وفي إطار مواجهة المنظمات الدولية ووسائل الإعلام». وطالب الحلبي «بنقل الفتاة زينب الحصني إن كانت لا تزال على قيد الحياة - عبر الصليب الأحمر الدولي - إلى مكان أكثر أمنا خارج سوريا»، كما طالب «السلطات السورية بالكشف عن هوية الفتاة المقتولة التي جرى دفنها وإخطار أهلها».

من جانبه أصدر اتحاد تنسيقيات الثورة السورية بيانا صحافيا حول زينب الحصني، نشر أمس على موقع «فيس بوك»، أدان فيه «إصرار النظام السوري ووسائل إعلامه الكاذبة على تزييف الحقائق وتغطية الجرائم المنهجية التي يرتكبها بحق الشعب السوري». واعتبر أن المقابلة التي بثها التلفزيون مع زينب «مزيفة»، وقال إن «قوات الأمن السوري كانت قد سلمت جثمان زينب إلى أهلها مقطّعا ومشوّها ومحروق الأطراف ومعه شهادة وفاة رسمية»، وإنه «لو كانت تلك المقابلة صحيحة فهناك جريمتان إذن: زينب المفقودة، والجثة التي تم تسليمها رسميا من قبل قوات الأمن».

ولهذا أكد اتحاد التنسيقيات أن أجهزة الإعلام في سوريا «ما زالت تخضع لإدارة أمنية لا تتوانى عن تلفيق الأكاذيب»، وطالب بـ«تغطية إعلامية مستقلة لكل ما يجري في سوريا من قبل وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية التي يمنع النظام دخولها إلى سوريا منذ بداية الثورة». كما طالب «المنظّمات واللجان الحقوقية وبعثات تقصي الحقائق التي تعمل من خارج سوريا نتيجة لحظر النظام بأن تقوم بمتابعة التوثيق والتحقيق في مقتل أي شهيد يسقط في سوريا، دون التأثر بما يبثّه النظام لتغطية تلك الجرائم».

وأطلق الحماصنة نكتة تسخر بقسوة من الجرائم التي يرتكبها النظام في حمص وتهزأ من قصة زينب التي بثها التلفزيون السوري. والنكتة جاءت بصيغة الإعلان التجاري عن عرض خاص وتقول: «عرض خاص من المستشفى العسكري بحمص تسلم جثت ابنك أو بنتك وخذ جثة مجانا العرض ساري طول فترة بقاء النظام». وكان الحماصنة وفور إعلان التلفزيون السوري بثه للقصة الحقيقية لما جرى لزينب الحصني، وذلك عبر رسائل موبايل (إس إم إس) وزعتها وكالة الأنباء السورية (سانا) لمشتركيها، تبادلوا رسائل إلكترونية إعلانية تقول: «ترقبوا غدا في الثامنة والنصف على التلفزيون السوري: الحمير الذين قتلهم الجيش في مقابلة حصرية يكذبون خبر مقتلهم ويعترفون بسرقة العلف من صوامع الجيش.. ويهتفون بحياة رفيقهم».. في إشارة إلى فيديو بثه ناشطون منذ فترة ويظهر فيه جنود في الجيش السوري يطلقون النار على مجموعة من الحمير. قيل حينها إنها تستخدم في التهريب عند الحدود.

كما أطلقت نكتة أخرى بصيغة إعلان جدي لبرنامج تلفزيوني يقول: «هل فقدت أحد والديك؟؟ هل توفي جدك أو جدتك؟؟ صديقك توفي ولا تستطيع نسيانه؟؟ خالك.. عمك.. جارك.. خرج ولم يعد؟؟ أرسل اسم الشخص المتوفى وبرجه وستشاهده خلال أيام حيا يرزق على شاشة الفضائية.. السورية الفضائية السورية.. أن تكذب أكثر».