سلفيون سوريون يعقدون لقاءات سرية مع أميركيين ومسيحيين لبنانيين

بهدف طمأنة الأقليات وشرح وجهة نظرهم للغرب

مظاهرة في القصير بحمص أمس، تضامنا مع الرستن (أوغاريت)
TT

يأخذ السلفيون السوريون مخاوف مسيحيي لبنان والغرب منهم بعين الاعتبار، ويعتبرون أن النظام القائم شوه صورتهم وأثار الذعر منهم، على غير وجه حق، مما انعكس سلبا على المواقف الدولية تجاه الثورة السورية. لذلك يقوم سلفيون سوريون معارضون فروا من سوريا إلى لبنان هربا من النظام، باتصالات حثيثة، في الوقت الحالي، مع قيادات وشخصيات مسيحية، ويعقدون لقاءات توصف بـ«السرية» يشرحون خلالها وجهة نظرهم، ويطرحون رؤيتهم لنظام جديد في سوريا يتبنى فكرة «دولة مدنية، ديمقراطية، تعددية»، بحسب ما أكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط». وإذا كانت طمأنة المسيحيين من غربيين ولبنانيين تحولت إلى عنوان رئيسي لهذه التحركات التي تتم على نطاق ضيق ومحدود، فإن السلفيين السوريين لا يخفون أنهم يبحثون عن دور سياسي لهم، كما أنهم طلاب سلطة كما غيرهم من المواطنين السوريين، وهذا حقهم الديمقراطي، كما يقولون.

وقال المصدر المطلع «إن هذه اللقاءات شملت سياسيين سنة ومسيحيين بشكل خاص، لكن التركيز هو على لقاء القيادات المسيحية». ويشرح المصدر: «الأمر لا يتوقف على لقاء واحد مع كل جهة، بل ثمة جهات مسيحية عقد معها سلفيون سوريون ما يزيد على 5 لقاءات، ليصبح الأمر أشبه بحوارات مفتوحة تجري بين الطرفين». وتحدث المصدر عن «ارتياح مسيحي لما سمعوه من طروحات جديدة، في خطاب السلفيين، لم يعهدوها من قبل».

وعلمت «الشرق الأوسط» أن «سياسيين مسيحيين لبنانيين ساعدوا السلفيين على عقد لقاءات مع أميركيين وأوروبيين لشرح وجهة نظرهم الجديدة، لحث الغربيين على اتخاذ موقف حاسم من النظام، دون خوف من بدائل إسلامية إقصائية تسعى للتفرد بالأقليات والاقتصاص منهم».

ويتحدث من يصفون أنفسهم بالسلفيين الجدد عن «رؤية سياسية جديدة لهم لا تقوم على التعصب»، معتبرين «أن الفكر الذي يقوم على نبذ الآخر والعداوة له قد ولى زمنه، وأن سقوط النظام الحالي من المفترض أن يكون فاتحة لعهد جديد في سوريا تحكمه صناديق الاقتراع وإرادة الناس».

وإذ يرفض المصدر المطلع نفي أو تأكيد اجتماع السلفيين بممثلين عن حزب الكتائب أو تسمية أي جهة بعينها التقوها، نظرا لدقة الموضوع، لكنه يقول: «إن مسلمين ومسيحيين يتعاونون لإنجاح هذه اللقاءات». ويضيف: «السلفيون يتفهمون مخاوف البطريريك الماروني بشارة الراعي، التي عبر عنها أثناء زيارته الأخيرة إلى باريس، كما أنهم استمعوا جيدا إلى ما قاله الرئيس أمين الجميل ونجله سامي الجميل في الإعلام حول «ضرورة طمأنة أصحاب الثورات للأقليات»، لذلك فإن تحركاتهم تصب في هذا الاتجاه تماما».

وعلمت «الشرق الأوسط» أن لقاءات السلفيين السوريين شملت أيضا سلفيين لبنانيين، حيث دارت نقاشات بين الطرفين لم تتسم بـ«ود كبير». لكن «التنسيق مع سلفيي لبنان ليس الأولوية الآن»، بحسب ما قيل لنا، بقدر ما هو تعريف من لا يعرفون بأن «السلفية لا تعني بالضرورة الإقصائية ونبذ الآخر، وإنما العودة إلى مسار السلف الصالح ونهجه، وهذا يحتمل اجتهادات كثيرة».

ويعتبر السلفيون المعارضون الموجودون بشكل مؤقت في لبنان أنهم يمثلون شريحة تستحق أخذها بعين الاعتبار في محافظات كثيرة في سوريا، لذلك فهم يتكلمون وفي تقديرهم أن لهم وزنهم على الأرض. ويبدو أن الاتصالات لا تنقطع بينهم وبين «المجلس الوطني السوري» الذي تشكل حديثا في إسطنبول، لأنهم يعتبرون أنفسهم جزءا لا يتجزأ منه، كهيئة انتقالية بانتظار إسقاط النظام.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصدر مطلع أن لقاء السلفيين مع الأميركيين (الذين لم يكشف عن صفتهم الرسمية أو التمثيلية) انتهى برضا سلفي عما دار فيه. ويضيف المصدر «أن السلفيين شرحوا مواقفهم الجديدة، وتحدثوا عن رغبتهم في أن يشاركوا بالحياة السياسية السورية، كأحد مكونات المجتمع السوري. ولقوا في المقابل تفهما لطروحاتهم». ويضيف المصدر «أن السلفيين سمعوا من الأميركيين الذين اجتمعوا معهم، أن سوريا ذاهبة إلى سيناريو أقرب إلى ما حصل في ليبيا، إذا ما استمر الحال على ما هو عليه».

يشرح المصدر: «يطالب المجلس الوطني بحماية دولية للمدنيين، فيما يستمر النظام في قمع المتظاهرين وقتلهم، وترفض المعارضة في غالبيتها أي تدخل أجنبي مباشر على الأراضي السورية، لذلك فإن الخيار الباقي، بحسب ما قاله الأميركيون، هو حماية المدنيين من الجو وتسليح الثوار، خاصة المنشقين من الجيش السوري والذين باتوا يخوضون بأسلحتهم الخفيفة والمتوسطة معارك ضارية مع الجيش النظامي». وعندما نصر على معرفة الرأي الأميركي بشكل دقيق خلال اللقاء يقول المصدر: «أكد الأميركيون أن النظام السوري بالنسبة لواشنطن قد انتهى، وأن الأيام القليلة المقبلة ستشهد تطورات يصفونها بالمهمة جدا دوليا»، وقالوا بوضوح «إن سوريا ذاهبة باتجاه السيناريو الليبي».

ويؤكد السلفيون السوريون المعارضون في لبنان أنهم شعروا بارتياح تجاه كلام السفيرة الأميركية مورا كونيللي أثناء زيارتها، منذ يومين، لوزير الدفاع اللبناني فايز غصن، حيث أكدت على «الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لدور الجيش اللبناني في حماية الأعضاء المنتسبين إلى المعارضة السورية المقيمين في لبنان». وهو ما قد يخفف الضغط عنهم خلال الأيام المقبلة.

وعما إذا كانت المعارضة متوافقة على تدخل خارجي على الطريقة الليبية وتسليح الثورة، يرد معارض سوري ناشط في لبنان، يتحفظ على ذكر اسمه: «الوضع الاقتصادي سيئ، والناس تعبت وطول أمد الثورة ليس لصالحنا بل لصالح النظام الذي يراهن على كلل الناس. كل اليافطات التي ترفع من قبل المتظاهرين تطالب بالحماية للمدنيين. وتشكيل المجلس الوطني الموحد، هو بادرة لطلب الحماية الدولية للمدنيين». ولا يشعر المعارضون، الذين تحدثنا معهم، بأنهم يورطون بلادهم في حرب خارجية بتدخل على الطريقة الليبية خاصة أن النظام نفسه – بحسب وجهة نظرهم - «بات يسعى لافتعال حرب خارجية أو إدخال البلاد في نزاعات طائفية ليمد بعمر وجوده في السلطة. وبالتالي فثمة حرب مفروضة عليهم لا بد أن يخوضوها».