تركيا تبدأ مناوراتها العسكرية على الحدود مع سوريا.. وتحضر لحربها الاقتصادية على نظام الأسد

خبير اقتصادي لـ«الشرق الأوسط»: 2.5 مليار دولار حجم التبادل التجاري بين البلدين في العام الحالي

مظاهرة طلابية تأييدا للمجلس الوطني في قارة بريف دمشق، أمس
TT

في وقت تستعد فيه لإعلان سلة عقوبات ضد النظام السوري، بدأ الجيش التركي أمس مناورات في محافظة هاتاي، الواقعة على الحدود مع سوريا، التي لجأ إليها أكثر من سبعة آلاف سوري هربا من قمع المظاهرات المناهضة للحكومة منذ ستة أشهر، كما أعلنت قيادة أركان الجيوش التركية. وجاء في بيان لقيادة الأركان نشر على الإنترنت أن تدريبات «التعبئة» هذه التي كانت مقررة مسبقا ستتواصل حتى 13 أكتوبر (تشرين الأول) في إسكندرون. وتتزامن هذه التدريبات العسكرية مع زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الأحد المقبل إلى مخيمات اللاجئين الواقعة في المحافظة. وتشارك في المناورات التي تنظم كل سنة في مواقع مختلفة في البلاد، كتيبة مشاة مؤللة ونحو 800 احتياطي.

والعلاقات بين أنقرة ودمشق التي كانت ودية سابقا، تدهورت إلى حد كبير منذ بدء حركة الاحتجاج ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد. إلا أن العلاقات بين البلدين مرت في السابق بهزات كبيرة؛ ففي عام 1998، ظن السوريون أن حربا ضروسا ستقع بين البلدين وستطيح بالعلاقات الاقتصادية التي كانت قد بدأت بفي لنمو والاتساع، تزامنا مع مرحلة الانفتاح الاقتصادي التي انتهجها النظام السوري منتصف التسعينات. وبدأت مخاوفهم حين حشد الجيش التركي قواته على امتداد الحدود التركية - السورية، مهددا باجتياح الأراضي السورية ردا على دعم النظام الحاكم في دمشق حزب العمال الكردستاني.

لكن الأزمة بين البلدين الجارين في ذلك الحين لم تأخذ منحى عسكريا؛ إذ سارع الرئيس الراحل حافظ الأسد آنذاك إلى نزع فتيل الأزمة، فطرد عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، تمهيدا لتسليمه إلى الحكومة التركية. كما اضطر إلى التوقيع على اتفاقية أضنة التي تسمح للقوات التركية بالدخول إلى الأراضي السورية حتى عمق 15 كلم لتعقب الإرهابيين وفقا لبنود الاتفاقية.

فرض الوضع الجديد آنذاك هدوءا سياسيا ترك آثارا إيجابية في مجالات التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين. وخلق ارتياحا لدى النخب الاقتصادية السورية، خصوصا تلك التي تنتشر استثماراتها في مدينة حلب القريبة من الحدود التركية.

يعود تاريخ التبادل التجاري بين سوريا وتركيا، وفق أحد الخبراء الاقتصاديين، إلى حقبة الاحتلال العثماني، «حيث كان تبادلا بسيطا يرتبط بتنقلات الأفراد بين أراضي البلدين، ليترسخ بعد مرحلة الاستقلال بسبب استقرار عدد من الأتراك في سوريا وحصولهم على الجنسية السورية، وكذلك استقرار عدد من السوريين في تركيا. لكن وتيرة هذا التبادل البسيط انخفضت كثيرا في حقبة الاحتلال الفرنسي لسوريا، لينقطع كليا بعد اقتطاع لواء إسكندرون من الأراضي السورية ومنحه لتركيا بموجب اتفاقية سان ريمون».

ويلفت الخبير الاقتصادي لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «مع تسلم الأسد الأب السلطة في عام 1970، شهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين نموا بسيطا اقتصر على المواد الغذائية والسلع والمنتجات الاستهلاكية الأخرى. ومع النهضة الاقتصادية التي حققت في تركيا نموا ضخما، صار هذا التبادل محسوسا بشكل أكبر. بدأت سوريا باستيراد السيارات المجمعة من تركيا إضافة إلى استيراد المواد الأولية كالإسمنت والحديد، مقابل تصديرها منتجات تحويلية إلى الأراضي التركية كالفستق الحلبي والسمن البلدي الذي يستخدم في صناعة الحلويات، ليصل حجم التبادل في ذاك الحين إلى 200 مليون دولار سنويا».

ويوضح الخبير الاقتصادي أن «التبادل التجاري بين البلدين لم ينقطع حتى في فترة التسعينات التي شهدت أزمة حادة بين الجارين على خلفية دعم النظام السوري حزب العمال الكردستاني، لكن هذا التبادل أخذ منحى غير شرعي عبر معابر التهريب المنتشرة على امتداد الحدود السورية - التركية التي يقدر طولها بـ850 كلم. ومن هنا صعوبة معرفة حجم التبادل الاقتصادي الفعلي الذي يجري عبر هذه المعابر بطريقة غير شرعية».

تزامن وصول الأسد الابن إلى السلطة في سوريا في عام 2000 مع إحكام الإسلاميين قبضتهم على الحكم في الدولة ذات التقاليد الأتاتوركية، مما خلق مصلحة مشتركة لإرساء شبكة مصالح سياسية واقتصادية بين البلدين؛ إذ أراد الإسلاميون المنحدرون من حزب «العدالة والتنمية» تصفير المشكلات مع دول الجوار وبناء علاقات مميزة معها، بينما أراد النظام السوري اللعب على التناقض التركي - الإيراني في المنطقة في ظل الفراغ العربي، والاستفادة من هذا التناقض لترسيخ موقعه وتحقيق مكتسبات جديدة.

وشهد التبادل التجاري في هذه المرحلة تطورا لافتا على جميع الصعد؛ إذ يشير الخبير الاقتصادي المطلع عن كثب على هذا الملف، إلى أن «شركات تركية كثيرة بدأت الدخول إلى سوريا والتأسيس لأعمال استثمارية ومشاريع كبرى لا تستطيع الشركات السورية منافستها فيها». ووصل حجم هذه الأعمال الاستثمارية، وفق المصدر عينه، إلى ما يقارب 300 مليون دولار، خصوصا أن وجود مدن صناعية في مدن سورية عدة سهل عمل هذه الشركات، إضافة إلى القرارات التي اتخذتها الحكومة السورية بقصد تسهيل عمل الشركات التركية كالإعفاء من الضرائب.

ويشير الخبير الاقتصادي، في هذا السياق، إلى أن رقم التبادل التجاري بين سوريا وتركيا بشكل إجمالي وصل في العام الحالي إلى مليارين ونصف المليار دولار أميركي، وهو «رقم لم تبلغه سوريا في تعاونها الاقتصادي مع أي بلد آخر»، على حد تعبيره. إلا أن اشتعال الانتفاضة السورية، وتجاهل سوريا موقف الجار التركي منذ بداية الأزمة في 15 آذار (مارس) الماضي، ينذر ببداية حرب اقتصادية تظهر معالمها تدريجيا بين الطرفين. وفي حين يشن الإعلام المقرب من النظام السوري حملة على تركيا، مطالبا بمقاطعة بضائعها المنتشرة في السوق السورية، يتوعد رئيس الوزراء التركي بفرض عقوبات اقتصادية على النظام وإغلاق الأسواق التركية أمام البضائع السورية في حال استمر الأسد في نهجه القمعي.