أكد الأمير عبد العزيز بن عبد الله، نائب وزير الخارجية، عضو مجلس إدارة مكتبة الملك عبد العزيز العامة، رئيس مجلس أمناء جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة، أن الجائزة نجحت في أن تصنع حراكا ملموسا، وتدفع بآليات حية في مشهد الترجمة العربي والإقليمي والدولي، من خلال استقطابها الكثير من المؤسسات العلمية والأكاديمية المعنية بالترجمة في جميع أنحاء العالم، وباتت بذلك منبرا للاستفادة والحوار والاعتدال والتسامح، مشيرا إلى أن هذا المشروع الثقافي والعلمي الرائد يلبي حاجة حقيقية لدى الباحثين والمتخصصين، لوجود قنوات فاعلة ومتجددة للتواصل المعرفي في مجالات العلوم الإنسانية والتطبيقية.
وأضاف الأمير عبد العزيز بن عبد الله في حوار مع «الشرق الأوسط» بمناسبة حفل تسليم جائزة خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة للفائزين بها في دورتها الرابعة لعام 2011، الذي تستضيفه الصين، أن الجائزة تمثل نواة لنهضة ثقافية عربية جديدة، تنطلق من قناعة بضرورة استئناف علاقة التواصل بين الثقافة العربية والثقافات الإنسانية الأخرى، مشيرا إلى أن اقتران الجائزة باسم خادم الحرمين الشريفين ورعايته لها منحها قوة دفع كبيرة لتأكيد عالميتها، وتحقيق أهدافها في تنشيط حركة الترجمة من اللغة العربية وإليها، وإثراء المكتبة العربية بعدد كبير من الأعمال المتميزة، التي تدعم جهود الحوار بين الحضارة العربية والإسلامية والحضارات الإنسانية، والإفادة من النتاج العلمي والفكري في بناء مستقبل أفضل لكل أعضاء الأسرة الإنسانية. وفي ما يلي نص الحوار..
* بمناسبة إقامة حفل تكريم الفائزين بجائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة في دورتها الرابعة، كيف تنظرون إلى النتائج التي تحققت لهذه الجائزة؟
- بداية يجب أن نتوقف عند معطيات واضحة في مسيرة تقدم الدول والشعوب، هذه المعطيات تؤكد أن الترجمة كانت دائما أداة فاعلة، ليس فقط للتواصل الإنساني بين البشر، بل أيضا وسيلة للإفادة من كل ما ينتجه عقل الإنسان من علوم ومعارف.
وعندما ضعفت أو تعطلت حركة الترجمة ظهرت دعاوى الفرقة والصراع الحضاري بين أعضاء الأسرة الإنسانية، كما تأخرت برامج التنمية في بعض الدول، ومن هنا فإننا يجب أن ننظر إلى هذه الجائزة، التي جاءت لتلبي حاجة حقيقية لمد جسور التواصل بين الثقافة العربية والثقافات الأخرى، باعتبارها وسيلة لاستئناف علاقتنا بهذه الثقافات والتفاعل معها أخذا وعطاء، من خلال تنشيط حركة الترجمة من اللغة العربية وإليها، وهناك دلائل ومؤشرات واضحة وقاطعة على نجاح جائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة في تحقيق هذا الهدف، وفي مقدمة هذه الدلائل والمؤشرات هذا العدد الكبير من الأعمال التي تقدمت للتنافس على الفوز بالجائزة منذ انطلاق دورتها الأولى قبل 4 سنوات، حيث وصل عدد هذه الأعمال في مجالات الجائزة الـ5 إلى ما يزيد على 460 عملا في العلوم الإنسانية والتطبيقية، جزء كبير منها تم ترشيحه من قبل مؤسسات علمية وبحثية رفيعة، نثق في أنها تمثل إضافة للمكتبة العربية، كما تمثل نافذة للتعريف بالتراث العلمي والثقافي العربي والدولي.
* انطلقت الجائزة من رؤية خادم الحرمين الشريفين للحوار بين الحضارات، فإلى أي مدى أضاف ذلك إلى الصفة العالمية للجائزة؟
- لعله من حسن الطالع أن يتزامن حفل تكريم الفائزين بالجائزة في دورتها الرابعة مع احتفال المملكة العربية السعودية، قيادة وشعبا، بذكرى ملحمة توحيد المملكة، وسط زخم عربي وإسلامي ودولي يعكس تقدير العالم أجمع لجهود وإسهامات سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في دعم السلم والأمن الدوليين، ومبادرته من أجل تحقيق التعايش السلمي بين كافة الدول والشعوب. ولا شك في أن ارتباط الجائزة باسم سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ورعايته لها منحاها ثقلا هائلا، ورسخا في سنوات قليلة عالميتها؛ لما يحظى به - حفظه الله - من مكانة رفيعة على المستويات الدولية والإقليمية، ونرفع الشكر لراعي الجائزة؛ لما يوليه لها من رعاية خاصة، وحرص على تطويرها بوصفها أحد عناوين اهتمام المملكة بالإبداع والمبدعين، وجسرا للحوار والتواصل مع أبناء الثقافات المختلفة في جميع دول العالم.
* أشرتم إلى أن الجائزة تلبي حاجة حقيقية من أجل التواصل المعرفي، فهل يعني ذلك أن المجتمع الدولي يعاني من غياب آليات هذا التواصل؟
- أجل؛ هذا صحيح إلى حد كبير، ومن المعروف أن أُفول بعض الحضارات وتراجعها يرجع إلى تراجع قيمة العلم فيها، وضعف حركة الترجمة، ولا شك في أن ثورة المعلومات وفرت إمكانات أكبر للتواصل، لكن تجاوز عقبة اللغة ضرورة لتحقيق أفضل استفادة من هذه الثورة المعلوماتية.
والتاريخ العربي حافل بالأدلة على أن تطور الحضارة الإسلامية والعربية ارتبط باهتمامها بالترجمة، كما أن الترجمة أسهمت في استفادة الحضارة الأوروبية مما أنتجته الحضارة العربية والإسلامية في عصور نهضتها، وعندما نجد من يتجاهلون هذه الحقائق التاريخية، ويروجون لدعاوى صراع الحضارات في هذا العصر، يتأكد لنا أن الجائزة جاءت في وقتها تماما، من أجل تواصل معرفي مفيد ومثمر يغلق الباب أمام دعاوى الصراع الزائفة والمفتعلة، ويمنح فرصة للثقافة العربية لاستئناف علاقتها مع الثقافات الأخرى بقوة وفاعلية.
* هناك اتفاق على وجود هوة واسعة بين المنجزات العلمية في كثير من الدول المتقدمة والدول العربية.. مما يدفعنا للتساؤل عن أهمية الجائزة في تضييق هذه الهوة؟
- في العصر الحالي أصبح من الأهمية بمكان الاستفادة مما لدى الآخر من نتاج علمي وفكري، بما يتناسب مع هويتنا العربية والإسلامية، لكي نعمل على تجسير هذه الهوة العلمية واللحاق بركب التطور، وهنا تكمن أهمية الجائزة ومثيلاتها من المشاريع؛ للوقوف على أحدث ما أنتجه العقل في جميع بلدان العالم، وتقديمه للباحثين وطلاب العلم في بلادنا، ولا حرج في ذلك؛ فالحضارات الإنسانية تتفاعل وتتلاقح لخير الإنسانية.
ولا يعني ذلك الاستفادة من الآخر فقط، بل وأن نقدم إسهاماتنا من العلوم والمعارف، ولدينا بالفعل ما نقدمه في العلوم الإنسانية والتطبيقية، فالمعرفة لا تسير في اتجاه واحد، بل في اتجاهات متعددة.
* في ظل تعدد جهود ومبادرات خادم الحرمين الشريفين لتعزيز آليات الحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات؛ ما موقع الجائزة من هذه الجهود؟
- الحوار الفاعل بين أتباع الأديان والحضارات، يعتمد على تنوع آلياته وتعدد مستوياته العلمية والثقافية، بما يحقق التواصل المنشود مع الآخر، والالتقاء حول القواسم المشتركة التي تحقق التعايش السلمي والتعاون المستمر لخير الإنسانية، وتبني خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - للجائزة ينبع من حرصه على تكامل آليات هذا الحوار، وفي مقدمتها الترجمة؛ انطلاقا من إدراكه أن اختلاف اللغة من الحواجز التي لا يمكن إغفالها عند البحث عن الحوار الفاعل، الذي يقوم على معرفة صحيحة بالسمات الأساسية للدول والشعوب وتقاليدها، والملامح التي تشكل هويتها، ومن دون الترجمة يصبح من الصعوبة بمكان قيام هذا الحوار، أو على الأقل لا يسهم في تحقيق أهدافه؛ فالمعرفة هي الأصل في التواصل المعرفي والحضاري.
* كيف يمكن أن تكون الجائزة بداية لرؤية ثقافية عربية تعنى بالترجمة لدفع عجلة التقدم العلمي؟
- يجب أولا أن نتفق على أن الأمة العربية في أمس الحاجة إلى رؤية شاملة تعنى بالترجمة، لا سيما في مجال العلوم التطبيقية بكل ابتكاراتها ومخترعاتها، لما لهذه العلوم من أهمية في تحقيق التنمية بمفهومها الشامل، وهو الأمر الذي يتضح من ضعف الإنتاج العربي في مجالات العلوم الحديثة، ونحن نأمل أن تكون الجائزة حافزا لوجود هذه الرؤية، من خلال تبني كل الدول العربية مشاريع مماثلة تتكامل في أهدافها ولا تتعارض، ويمكن الاستفادة من ذلك في جهود الجامعات العربية والمكتبات الكبرى، وفق سياسة واضحة يقرها وزراء الثقافة والإعلام في جامعة الدول العربية، وتشارك في تنفيذها كافة الهيئات العلمية والأكاديمية والبحثية، على أن تتضمن هذه السياسة ترتيبا دقيقا لأولويات الترجمة، تبعا لاحتياجات الأمة من المعارف الحديثة التي تخدم برامج التنمية الشاملة.
* بمناسبة الحديث عن دور المؤسسات والجامعات، كيف ترون تفاعل المؤسسات والهيئات الدولية والسعودية مع الجائزة؟
- يكفي للإشارة إلى هذا التفاعل أن نذكر أن ما يزيد على 70 مؤسسة جامعية وبحثية رشحت أعمالا صادرة عنها للجائزة منذ دورتها الأولى حتى الآن، ولعل فوز مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة، ومركز الترجمة بجامعة الملك سعود، بجائزة فرع جهود المؤسسات في الدورتين الأولى والثانية للجائزة، وفوز الهيئة المصرية العامة للكتاب بجائزة المؤسسات في الدورة الثالثة، خير شاهد على حرص الهيئات العلمية والأكاديمية الدولية والعربية والسعودية على نيل شرف المشاركة في الجائزة، ونحن سعداء بهذا التفاعل، الذي يبعث على التفاؤل بنمو كبير في مشاريع الترجمة في المملكة خلال السنوات المقبلة، باعتبارها وسيلة للنهوض ومواكبة كل المستجدات في المعارف والعلوم والآداب، ومواصلة مسيرة التقدم التي تنعم بها بلادنا المباركة في كثير من المجالات، حيث إن العمل المؤسسي يفوق كثيرا الجهود الفردية، فضلا عن كونه إطارا جامعا لاستيعاب جهود الأفراد من المترجمين، وتشجيعهم على الترجمة وفق قائمة أولويات واضحة.
* احتفلت الجائزة بالفائزين بها في دورتها الأولى بالرياض، والثانية بالدار البيضاء، والثالثة باليونيسكو في باريس، والرابعة في الصين، فما دلالات ذلك؟
- حرص مجلس أمناء الجائزة على أن يكون انطلاق الجائزة في دورتها الأولى من العاصمة السعودية، الرياض، إلى عواصم ودول أخرى في الدورات التالية من خلال إقامة حفل تسليمها للفائزين، بهدف التأكيد على عالمية الجائزة، والاحتفاء بالدول ذات الإسهامات المتميزة في ميدان الترجمة من وإلى اللغة العربية، واستثمار هذه الاحتفالات في التعريف بالجائزة، ولكننا نؤكد أن هذا التوجه في انفتاح الجائزة على العالم سوف يتواصل - بمشيئة الله تعالى - ونحن سعداء بإقامة حفل الجائزة هذا العام في جمهورية الصين الشعبية، ونشكر للحكومة الصينية ترحيبها باستضافة حفل تسليم الجائزة، ونثق بأن ذلك سوف يسهم - بمشيئة الله تعالى - في تنشيط حركة الترجمة بين اللغتين العربية والصينية، لا سيما أنه يتم تكريم واحد من أكثر الأكاديميين الصينيين اهتماما بالأدب والثقافة العربية هو الدكتور تشونغ جيكون الذي ترجم عددا كبيرا من الأعمال المتميزة من العربية إلى الصينية.
* تتولى مكتبة الملك عبد العزيز العامة الإشراف على الجائزة، فهل ثمة آليات للاستفادة من الأعمال الفائزة بها؟
- تحرص إدارة المكتبة على توفير الإمكانات كافة، للإفادة من هذه الجائزة، بما يحقق رؤية الرئيس الأعلى لمجلس إدارتها، سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - في أن تكون وسيلة لمد جسور التواصل المعرفي بين الدول، ويشمل ذلك جميع الإجراءات التنظيمية، بدءا من استقبال الأعمال المرشحة لها في جميع مجالاتها الـ5، وتطبيق المعايير الدقيقة في اختيار أفضل الأعمال الفائزة، ثم الاستفادة من الأعمال الفائزة من خلال طباعتها ونشرها، والتنسيق مع عدد من الهيئات الثقافية والعلمية في جميع أنحاء العالم في هذا الشأن، فالهدف ليس فقط ترجمة هذه الأعمال، بقدر الاستفادة منها، وإثراء المكتبة العربية بها.