«كابوس الديون» يجتاح بنوك أوروبا ويهدد بكارثة عالمية

450 مليار دولار خسائرها وتسعى لبيع موجودات بأثمان بخسة لدعم الرساميل

فرع مصرف سانتاندير في لندن.. أكبر المصارف الإسبانية التي تم خفض تصنيفها أمس
TT

بينما تقف منطقة اليورو عاجزة ومنقسمة عن معالجة أزمة الديون المستفحلة، تتحول أزمة الديون السيادية بسرعة مخيفة إلى أزمة مصرفية توشك أن تعيد إلى المسرح المالي مشاهد عشية انهيار مصرف «ليمان براذرز» الذي أشعل فتيل الأزمة المالية العالمية في عام 2008. ومع إعلان وكالة «موديز» للتصنيف أمس عن تخفيض تصنيف 21 مصرفا أوروبيا بينها مصارف كبرى لتنضم إلى مصرف «كريدي أجريكول» والمصارف التجارية التي تم تخفيضهامن قبل، تدخل أزمة المصارف الأوروبية منعطفا خطيراً . وحذر مصرفيون في لندن أمس من أن تسونامي الديون السيادية في منطقة اليورو كاد أن يبتلع البنوك الأوروبية التي تورطت خلال سنوات الانتعاش في الإقراض بشراهة للمواطنين والدول.

وقدر صندوق النقد الدولي خسائر البنوك التجارية الأوروبية من أزمة اليورو بنحو 200 مليار يورو منذ العام الماضي، إضافة إلى خسائر موجوداتها بسبب مخاطر الائتمان المتعلقة بعمليات القروض الداخلية بين البنوك التي قدرها بنحو 100 مليار يورو. وحسب تقديرات صندوق النقد التي صدرت حديثا في تقرير اطلعت عليه «الشرق الأوسط»، فإن إجمالي حجم الخسائر التي تكبدتها مصارف أوروبا وعلى رأسها مصارف منطقة اليورو من جراء أزمة الديون السيادية تقدر بنحو 300 مليار يورو (نحو 450 مليار دولار) في الشهور العشرين الماضية.

وترجع خسائر مصارف أوروبا إلى ثلاثة أسباب رئيسية وهي: أولا: التكلفة المرتفعة لتأمين السندات السيادية التي تحملها في محافظها وتراجع قيمة موجودات سندات الديون السيادية مع استفحال أزمة اليورو وتضاؤل احتمال معالجتها. وثانيا: النقص الكبير في السيولة خلال الشهور الأخيرة الذي اضطرها إلى الاقتراض بسعر أعلى للحصول على تمويلات قصيرة المدى. وثالثا: الانخفاض الكبير في أسهمها، حيث فقد بعضها 5 في المائة في المتوسط ووصلت خسائر الأسهم لبعض المصارف إلى أكثر من 14 في المائة مثل بنك «دكسيا» البلجيكي - الفرنسي الذي تم تعليق التعامل في أسهمه. وكانت البنوك الأوروبية قد تعرضت لأزمة سيولة حادة خلال الشهر الماضي مما اضطر «المركزي الأوروبي» إلى التنسيق مع كل من مصرف الاحتياط الفيدرالي والبنك المركزي البريطاني والمركزي الياباني والمركزي السويسري لضخ مليارات الدولارات في البنوك التجارية الأوروبية بعد أن وقفت عاجزة عن تمويل الكمبيالات التجارية.

وقالت شركة تدقيق الحسابات العالمية «كي بي إم جي» في تقرير أمس إن البنوك الأوروبية تخطط لبيع موجودات تقدر بنحو 30 مليار يورو (نحو 40 مليار دولار) للحصول على تمويلات جديدة تحت وطأة أزمة السيولة وتعري الرساميل التي تواجهها منذ مدة. وحسب تقرير شركة الحسابات المالية الذي صدر في لندن أمس واطلعت عليه «الشرق الأوسط»، فإن الحاجة الماسة والسريعة للتمويل ستجعل البنوك الأوروبية تبيع موجوداتها بأسعار أقل من أثمانها الحقيقية للحصول على السيولة. ولاحظت شركة «كي بي إم جي» أن معدل القروض التي قدمتها البنوك الأوروبية انخفض بنسبة كبيرة خلال الشهور الأخيرة.

وتبحث البنوك الأوروبية عن تمويلات جديدة من دول وصناديق في أعقاب تعرضها لأسوأ هزة مالية في تاريخها القريب. وفي هذا الصدد قالت صحيفة «وول ستريت» إن مصرف «بي إن بي باريبا» ومسؤولين في وزارة الخزانة الفرنسية زاروا دول الخليج بحثا عن رساميل جديدة من الصناديق السيادية أو أثرياء لدعم كفاية رأس المال وتدعيم مستويات السيولة المتدنية. ويسعى مصرف «بي إن بي باريبا» إلى الحصول على تمويلات جديدة تقدر بنحو 2.7 مليار دولار حسب تقرير صحيفة «وول ستريت». وكانت البنوك الأوروبية وعلى رأسها البنوك الفرنسية تأمل في الحصول على دعم مالي من الصناديق السيادية الآسيوية والخليجية في أعقاب السحوبات الضخمة التي تعرضت لها من قبل المؤسسات والشركات الكبرى إضافة إلى صناديق الاستثمار الأميركية. وقدر تقرير أميركي أن صناديق الاستثمار الأميركية قد سحبت أكثر من 50 مليار دولار من المصارف الأوروبية منذ استفحال الأزمة المالية في منطقة اليورو. كما سحبت شركات كبرى مثل «سيمنز» الألمانية قرابة نصف مليار يورو من بنك فرنسي، وسحبت شركة «لويدز أوف لندن»، كبرى شركات التأمين العالمية، إيداعات تقدر بأكثر من 17 مليار دولار من بنوك أوروبية لم تعينها ولكنها قالت في بيان إنه ليس من بينها بنوك يونانية. وقال المدير المالي بشركة «لويدز أوف لندن»، لوك سافاج، في تعليقه على قرار سحب الودائع من بعض البنوك الأوروبية «إذا كنت قلقا من احتمال انهيار الحكومات فبالتأكيد ستكون قلقا بشأن انهيار المصارف.. البنوك يمكن أن تنهار». وفي لندن حذر سير إيدي جورج أول من أمس من الكارثة الاقتصادية الراهنة التي وصفها بأنها الأسوأ التي يمر بها العالم منذ الكساد الكبير الذي ضرب العالم في عام 1930. ودعا رئيس لجنة الخزانة بالبرلمان النائب أندرو تايري، من حزب المحافظين، البنوك البريطانية إلى الكشف عن حجم الديون السيادية الأوروبية التي تحملها في محافظها.

ويسعى البنك المركزي الأوروبي بالتعاون مع حكومات دول منطقة اليورو إلى إنقاذ البنوك التجارية عبر مجموعة خطوات، من بين هذه الخطوات ضخ 400 مليار يورو في شراء بعض سندات الديون السيادية التي تحملها. وذلك حسب تصريح رئيس «المركزي الأوروبي» جون كلود تريشيه أمس. ولكن لا يبدو أن هذه الأموال ستكون وحدها كافية. وهنالك بعض الأفكار التي عومت لإنقاذ المصارف، من بينها الأفكار التي طرحتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في برلين مساء أول من أمس في أعقاب «اجتماع الأزمة» الذي عقدته مع كل من المدير العام لصندوق النقد الدولي ورئيس البنك الدولي ورئيس منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي. وتتلخص أفكار ميركل في أن هنالك ضرورة ملحة لإعادة رسملة البنوك الأوروبية، وعلى الحكومات الأعضاء في منطقة اليورو أن تنفذ كل حكومة بشكل منفرد رسملة بنوكها.