أميركا على وشك معاقبة الصين لتلاعبها باليوان

السعر المصطنع لعملتها ضرب التجارة والوظائف الأميركية

TT

في واحدة من المعارك الدائرة منذ وقت طويل في كابيتول هيل، لجأ معارضون لسياسات الصين التجارية إلى التهديدات والمفاوضات والاحتجاجات من جانب الشركات الأميركية الصغيرة، بل وحتى الاجتماع مع مسؤولين صينيين على مأدبة شهية، في محاولة فاشلة لمنع الصين من التلاعب بعملتها.

بعد ثماني سنوات، باتت تلك الحملة على وشك الوصول إلى إنجاز مؤثر، حينما أبدى مجلس الشيوخ يوم الخميس استعداده للتصديق على إجراء صارم أرجئ تنفيذه عدة مرات سابقة: وهو قانون لمعاقبة الصين من خلال فرض رسوم جمركية كبيرة على بعض صادراتها، في حالة عدم التزامها بإعادة تقييم عملتها بما يتوافق وسعر الصرف السائد في بالسوق.

ويشير اقتصاديون إلى أن عملة الصين الرخيصة بشكل مصطنع قد أدت بالولايات المتحدة إلى خسارة وظائف وتكبد خسائر تجارية تقدر بمليارات الدولارات. لكن المعارضين لفرض الرسوم الجمركية، ومن بينهم شركات صناعية بارزة، لها أعمال داخل الصين، يحذرون من احتمال شن الصين حربا تجارية من شأنها أن تلحق المزيد بالضرر بالشركات الأميركية.

«نحن بالفعل في حرب تجارية»، هكذا قال عضو مجلس الشيوخ تشارلز إيه شومر، الديمقراطي عن نيويورك، والذي كان على رأس المؤيدين لفرض رسوم جمركية على صادرات الصين، في لقاء أجري معه. واستطرد قائلا: «لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي. هذه رسالة موجهة إلى الصين بأننا اكتشفنا احتيالها أخيرا».

وقد أسهمت مشكلة البطالة الأميركية في منح اقتراح فرض الرسوم الجمركية زخما جديدا، إذ خصص مجلس الشيوخ معظم فترة الظهيرة يوم الخميس لمناقشة هذا الأمر.

وكان مؤيدو هذا الاقتراح، ممن نظروا إلى هذا الإجراء باعتباره وسيلة لخلق فرص عمل جديدة، على ثقة من أن مجلس الشيوخ سيصدق على هذا الإجراء. وحتى أشد المعارضين لهذا الإجراء كانوا يتوقعون، على نحو مشوب بخيبة الأمل، أن يتم التصديق على هذا الاقتراح في مجلس الشيوخ، وربما في مجلس النواب.

غير أن الرفض لمدة 11 ساعة من قبل قادة جمهوريين بارزين قد ألقى بتأثيره على النتيجة في مجلس النواب، حيث وصف الرئيس الجمهوري لمجلس النواب، جون بوينر، خطة الرسوم الجمركية بأنها «خطيرة»، وليس من الواضح ما إذا كان سيتم عرضها على مجلس النواب للتصويت عليها أم لا.

وقد أبدت الصين نفسها اعتراضات قوية هذا الأسبوع وأشارت إلى تدخل الولايات المتحدة في العملة الصينية باعتباره انتهاكا لبروتوكولات التجارة الدولية. وقد احتفظت السفارة الصينية بأحد أقوى الكيانات تأثيرا في واشنطن، وهي شركة «باتون بوغز»، لتمثيل مصالحها مقابل 420,000 دولار سنويا.

وقد أبدت جماعات ضغط تابعة لشركة «جنرال موتورز» وشركة «كاتر بيلر» وشركات تصنيع الحديد وشركات الغزل والنسيج وشركات لعب الأطفال وأصحاب مزارع الدواجن، وغيرها من الشركات الأخرى، رأيها، معبرة عن تأييدها أو رفضها لفرض الرسوم الجمركية اعتمادا على علاقاتها التجارية مع الصين.

وبشكل عام، عارضت شركات كبرى، مثل «كاتر بيلر» التي تعمل في الصين، هذا الاقتراح، محذرة من رد فعل عدائي. وقد أيدت شركات أصغر، مثل إحدى شركات صناعة المواسير في أوهايو وشركة لصناعة السيراميك في شمال نيويورك، فرض الرسوم الجمركية، لأنها ترى أن الصين قد خفضت سعر صرف عملتها بشكل مصطنع واكتسبت مكانة لا تستحقها.

وفيما ارتفع سعر صرف الرنمينبي الصيني بنسبة 6 في المائة في مقابل الدولار منذ أن خففت الصين إجراءات مراقبة العملة العام الماضي، يرى اقتصاديون أنه لا يزال أقل من قيمته بدرجة كبيرة. في الوقت نفسه، تبلغ قيمة فائض الصين التجاري مع الولايات المتحدة 273 مليار دولار - أكثر من ثلاثة أضعاف الفجوة منذ عقد مضى.

وفي شهادته أمام مجلس الشيوخ هذا الأسبوع، ذهب رئيس مصرف الاحتياط الفيدرالي، بين إس بيرنانكي، للربط بين خفض الصين قيمة عملتها وبطء الانتعاش الاقتصادي بمختلف أنحاء العالم.

«سياسة العملة الصينية تعرقل سير تلك العملية»، هكذا تحدث بيرنانكي. واستكمل قائلا: «من ثم، فإنها تؤثر سلبا بدرجة ما على الانتعاش الاقتصادي».

ومع ذلك، فإن إدارة أوباما لم تحدد موقفها بوضوح بشأن اقتراح الرسوم الجمركية.

ففي مؤتمر صحافي عقد يوم الخميس، لم يفصح الرئيس أوباما عما إذا كان سيرفض مشروع القانون إذا ما تم تمريره أم لا، لكنه أعرب عن بعض المخاوف. قال إنه من ناحية «كانت الصين عنيفة جدا في التلاعب بالنظام التجاري لمصلحتها»، كما أنه «مما لا شك فيه أنهم يتدخلون بشكل كبير في أسواق العملة».

إلا أنه أعرب عن عدم رغبته في أن يرى منظمة التجارة العالمية تلغي أي خطوات يحتمل أن تتخذها الولايات المتحدة. قال أوباما: «حينها، ستخضع الشركات الأميركية فجأة لمجموعة كاملة من العقوبات».

ويرى كل من مؤيدي ومعارضي اقتراح الرسوم الجمركية أن النتيجة ستكون ذات تأثير كبير على المستويين المالي والسياسي.

اتضح ذلك هذا الأسبوع عندما حذرت «كلاب فور غروث»، مجموعة محافظة مؤيدة للسوق الحرة والتي تزعمت جبهة معارضة مشروع قانون الرسوم الجمركية، المشرعين من أن التصويت بالموافقة على هذا الاقتراح «سينظر إليه بدرجة كبيرة على أنه إجراء مضاد للنمو» في «بطاقة تسجيل الأهداف» الخاصة بالمجموعة لدى مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين، وهي البطاقة التي تساعد في تحديد مستوى الدعم المقدم للمجموعة.

يبدو الثقل السياسي لمجموعة «كلاب فور غروث» واضحا بالفعل. فداخل مجلس النواب، أيد 99 عضوا جمهوريا خطة لفرض رسوم جمركية على الصين العام الماضي. لكن بعد أن زادت المجموعة من حدة معارضتها، حذر النائب تيم ريان، الديمقراطي عن ولاية أوهايو والمؤيد لفرض الرسوم الجمركية، هذا الأسبوع من أنه «على حين غرة، لن تتمكن من الحصول على أي قدر ولو بسيط من دعم الجمهوريين».

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، بدا كريس شوكولا، عضو سابق في الكونغرس ويترأس مجموعة «كلاب فور غروث» متشائما بشأن احتمالات عدم التصديق على مشروع القانون.

«ليس من الملائم سياسيا الدفاع عن الصين، لذلك، لن تجد كثيرين يدافعون عنها سواء بالقول أو الفعل»، هكذا تحدث شوكولا. وفي منتصف الأسبوع، بعد تعليقات تنطوي على انتقادات حادة من جانب بوينر يوم الثلاثاء، بدت نظرة شوكولا أكثر تفاؤلا.

قال شوكولا: «أثق بدرجة كبيرة في بوينر. من الواضح أنه لا يرغب في أن يتم التصديق على هذا القانون. ونحن نحاول أن نبذل قصارى جهدنا في سبيل الحيلولة دون التصديق عليه».

تجلت عدم القدرة على اتخاذ قرار نهائي بشأن الأمر برمته منذ عام 2003، حينما اقترح شومر والسيناتور ليندسي غراهام، الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا، لأول مرة فرض رسم جمركي نسبته 27.5 في المائة على البضائع الصينية.

وقد زار عضوا مجلس الشيوخ الصين في عام 2005 للضغط على مسؤولين اقتصاديين هناك من أجل رفع قيمة العملة الصينية بما يتوافق وأسعار الصرف في السوق. وقد أعدت لهما مأدبة فاخرة في قاعة الشعب الكبرى - وقال شومر إن الأطباق الصينية التي قدمت «تفوق الوصف» - وأشار لتأكيد الصين على أنها ستبدأ في التخفيف من حدة القيود المفروضة على السياسات النقدية وستسمح لقوى السوق بتحديد قيم العملات.

ارتأت الولايات المتحدة مؤشرات أولية على تحسن الوضع، لكن التقدم توقف. فقد حولت إدارة أوباما، بعد تجنبها مواجهات مع الصين لسنوات حول هذا الموضوع، الأمر إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2007 في إطار مناقشة الحواجز التجارية.

وفرضت الولايات المتحدة رسوما جمركية على الإطارات الصينية في عام 2009، وتبعتها الصين في العام التالي بفرض رسوم جمركية على واردات الدواجن الأميركية. وينظر معارضو الرسوم الجمركية إلى سياسة الرد بالمثل على أنها شكل أضيق نطاقا من نوع الحروب التجارية التي يتنبأون بحدوثها في وقت واحد في حال ما إذا تحولت الخطة الحالية المقترحة إلى قانون فعلى. «في كل مرة نشترك فيها في جهود من أجل تفعيل إجراء وقائي، تحدث تبعات غير مرغوب فيها».

* خدمة «نيويورك تايمز»