أسرار جديدة تكشف عن حرب أكتوبر في الذكرى الـ38

مجموعة مقاومين من الجولان نقلوا معلومات خطيرة بوسائل بدائية إلى دمشق

TT

كما في كل سنة، أحيت إسرائيل الذكرى السنوية الثامنة والثلاثين لحرب السادس من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، بنشر أسرار جديدة. ومع وقوع هذه الذكرى قبيل «يوم الغفران» (الذي يحل اليوم السبت، ويصوم اليهود فيه ويمتنعون عن أي عمل سوى الصلوات، وتأمرهم أحكام الدين أن يجروا فيه حسابا للنفس) تحدث العديد من المسؤولين الإسرائيليين السابقين عن «خطيئة تلك الحرب»، وهي «اعتماد سياسة الغطرسة والشعور الدائم بالتفوق، وهي السياسة التي أدت إلى حرب أكتوبر ونتائجها المأساوية بالنسبة لإسرائيل». وكما قال نائب رئيس الحكومة الأسبق، حاييم رامون، أمس «لم نتعلم الدرس بعد، وما زالت لدينا غطرسة أسوا من غطرسة 1973».

ومن بين أبرز الأسرار التي نشرت أمس حول هذه الحرب، ما ورد على لسان المؤرخ العسكري، أريه يتسحاقي، من أن «القيادة السياسية في إسرائيل (رئيسة الحكومة غولدا مائير، ووزير الدفاع موشيه ديان) تآمرت على رئيس أركان الجيش ديفيد بن أليعازر حتى قبل الحرب، وأقامت علاقات مع عدد من الجنرالات في الجيش بشكل مباشر وعملي، بالالتفاف عليه». ويضرب مثلا على ذلك فيقول، خلال لقاء له مع إذاعة الجيش «خلال دراساتي العديدة لهذه الحرب، وجدت أن الجيش حصل على الخطط الحربية التفصيلية للجيشين المصري والسوري قبل عدة أسابيع من الحرب، لكن ديان وعددا من الجنرالات امتنعوا عن تسليمها إلى رئيس الأركان. فقد كانوا على قناعة بأن العرب لن يجرؤوا على محاربة إسرائيل. وأن رئيس الأركان، إذا حصل على هذه الخطط، سيقيم الدنيا ولا يقعدها لكي يستعد لحرب لن تتم».

ويقول يتسحاقي إن أليعازر أكد له شخصيا أنه لو حصل على الخطط لكان استعد لمواجهتها بخطط أخرى، وكشف عن أنه كان يشعر بوجود تآمر عليه من ديان وبعض الضباط. وقال إن هذه المؤامرة تفاقمت بعد الحرب، عندما أقيمت لجنة أغرنات للتحقيق وخرجت بالاستنتاج أن أليعازر هو المسؤول الأساسي عن إخفاقات الحرب، بينما القيادة السياسية خرجت بريئة.

وسئل يتسحاقي: لماذا لم تكشف لجنة التحقيق هذا الأمر؟.. فأجاب «أولا، ينسى الكثيرون أن الحكومة حددت في حينه للجنة أن تحقق في أمرين فقط، هما أيام الحرب الثلاثة وسبب مفاجأة الحرب. وهكذا، لم تستطع التعرف على دور أليعازر الحاسم في إدارة المعارك وقلب موازين الحرب لصالح إسرائيل في الأسبوعين الأخيرين منها. وثانيا، لم تكن للجنة صلاحيات التحقيق في دور القيادة السياسية. وثالثا، وهذا أقوله لأول مرة ومن المفترض أن يكون له وقع القنبلة المدوية، تحقيقاتي كشفت أن ثلث الشهود الذين ظهروا أمام لجنة التحقيق المذكورة كذبوا على اللجنة خلال التحقيق».

وعندما سئل يتسحاقي إن كان يتوقع أن يتم تكرار تجربة حرب أكتوبر في الجيش الإسرائيلي والحكومة اليوم، فأجاب: «نعم للأسف، لم نتعلم الدرس وما زالت الغطرسة سائدة».

وكشف تحقيق جديد نشرته صحيفة «هآرتس»، أمس، عن أسرار الحرب، أن الجيش السوري، تمكن من الحصول على معلومات سرية خطيرة عن تحركات الجيش الإسرائيلي قبيل الحرب. وأن السر في ذلك يعود إلى خلايا المقاومة التي أقامها أبناء الجولان السوري المحتل، ولم يعرها الباحثون حتى الآن الاهتمام الكافي. ويضيف «دروز الجولان، الذين عملوا في خلية واحدة قوامها 58 شخصا بقيادة شكيب أبو جبل، وانقسموا في ما بينهم إلى خلايا صغيرة أخرى عملت بالتنسيق معه أو بلا تنسيق، تمكنت من جمع معلومات مذهلة عن تحركات الجيش الإسرائيلي في الجولان وفي سيناء المصرية. وتمكنت من جمع معلومات تفصيلية جدا عن موقع الجيش الإسرائيلي في قمة جبل الشيخ، الذي يعتبر احتلاله معجزة، وتمكن الجيش السوري من ذلك وبقي صامدا فيه عدة أيام، حتى عاد الجيش الإسرائيلي واحتله من جديد». ويروي التحقيق كيف عمل أبناء المقاومة السورية في الجولان بوسائل بدائية، حيث انتشروا يعملون في مقرات القيادة العسكرية الإسرائيلية، كعمال نظافة أو عمال بناء، ورسموا الخرائط التفصيلية لكل مبنى أو غرفة ونقلوها إلى سوريا بواسطة وضع الخرائط في مكان متفق عليه عند الحدود أو بواسطة مراسلين من الشباب، يحملون المواد وينقلونها بأنفسهم، مع كل ما يحمله ذلك من مخاطر.

وكان نجل شكيب أبو جبل، عزات، قد استشهد وهو يحاول نقل رسالة كهذه تحتوي على معلومات خطيرة، بينها أسماء 18 عنصرا من قادة التنظيم. فقد أطلقت قوات الاحتلال عليه وابلا من الرصاص واستولت على الرسالة التي كان يحملها.

أما على الصعيد السياسي، فكتب حاييم رامون، في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أمس، قائلا «الأيام كانت شبيهة بأيام اليوم. قبل 38 عاما كنت ضابطا شابا، البلاد كانت هادئة والجنود كانوا يتزلجون في منحدرات جبل الشيخ، ويبللون أرجلهم في مياه قناة السويس. الاقتصاد كان مزدهرا ووضعنا لم يكن في مرة أفضل من ذلك، قال قادة تلك المرحلة بالضبط مثلما يقول قادتنا اليوم، مائير وأعضاء حكومتها كانوا واثقين من أن إسرائيل قوية وآمنة، ولذلك رفضوا جميع اقتراحات الأرض مقابل السلام، أو بعض الأرض مقابل بعض السلام». ويذكر رامون الإسرائيليين بما كان قد كتبه لوبا إلياب، أحد قادة حزب العمل الحاكم، قبل ثلاثة أسابيع من حرب 73، فقال إن كارثة تنتظر إسرائيل. لكن تحذيراته قوبلت بالاستهزاء من القيادة السياسية، حتى إن مائير، في حينه، قالت عن إلياب إنه «أصيب بلوثة عقلية».

ويضيف رامون «اليوم أيضا، نحن الأعداء الأشد لأنفسنا، لأننا نرفض فتح أعيننا وآذاننا، لنرى ونسمع ما يدور من حولنا، ولنستوعب أن الوضع القائم هو الأكثر خطرا على مستقبلنا، وأنه أصبح واضحا أن إقامة دولة فلسطينية، منزوعة السلاح، ضمن ترتيبات أمنية وتبادل أراض وضم الكتل الاستيطانية، هي مصلحة صهيونية يهودية إسرائيلية حيوية، وأنه فقط بهذه الطريقة نستطيع أن نؤمن بقاء دولة إسرائيل، كدولة يهودية ديمقراطية، ونخرج من طوق العزلة الدولية المتزايد من حولنا. ففي النهاية هذا هو الحل القادم لا محالة، لكن بأيدينا أن نحول الحتمية إلى كرم أخلاق، بمبادرة منا وإلا ستكون النتيجة كارثة يوم غفران إضافي».