أثار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمس غضب تركيا بدعوته أنقرة، خلال زيارته لأرمينيا، إلى الاعتراف بأن المجازر التي تعرض لها الأرمن إبان السلطنة العثمانية خلال مطلع القرن الماضي، كانت عملية إبادة. وخلال زيارته ليريفان حث الرئيس الفرنسي تركيا على الاعتراف بالمجازر كإبادة جماعية قبل انتهاء ولايته الرئاسية العام المقبل. وقال ساركوزي للصحافيين في العاصمة الأرمينية: «تبدو الفترة من 1915 وحتى 2011 كافية للتفكير» حتى تقر تركيا بأن ما جرى للأرمن تحت حكم السلطنة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى كان إبادة جماعية.
وسرعان ما جاء رد الفعل التركي رافضا وغاضبا. فقد رفض وزير الشؤون الأوروبية التركي ايغيمين باغيس دعوة ساركوزي قائلا إنه حري بالرئيس الفرنسي أن يهتم بإخراج بلاده من أزمتها الاقتصادية بدلا من لعب دور المؤرخ بشأن «المسألة الأرمينية». وقال: «سيكون من الأفضل.. لو أن السيد ساركوزي تخلى عن دور المؤرخ وركز تفكيره على إخراج بلاده من الهوة الاقتصادية الواقعة فيها والخروج بخطط لمستقبل الاتحاد الأوروبي». وأضاف: «مهمتنا كسياسيين ليس تعريف الماضي أو أحداثه. بل تعريف المستقبل». واتهم الوزير التركي ساركوزي باستغلال ما وصفه بالمسألة الأرمينية لأسباب انتخابية مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في فرنسا العام المقبل.
ومن جانبه اتهم وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو ساركوزي بـ«الانتهازية السياسية» رابطا أيضا بين تصريحاته إزاء المجازر الأرمينية وانتخابات العام المقبل. وقال داود أوغلو «الذين يطالبون تركيا بالتصالح مع ماضيها عليهم أولا أن ينظروا في المرآة».
غير أنه حين سئل وزير الداخلية الفرنسي كلود غيان، الموجود في أنقرة لتوقيع اتفاق أمني فرنسي -تركي، حول كيف كانت فرنسا سترد لو اعترفت تركيا بالقمع الاستعماري الفرنسي في الجزائر باعتباره إبادة جماعية، رد الوزير الفرنسي قائلا إن ساركوزي زار الجزائر وتحدث بنفسه وبعبارات قوية «عن هذه اللحظة المؤلمة من ماضينا»، ومن ثم «طوى تلك الصفحة». وأشار غيان إلى أنه لا يتعين تحميل تصريحات ساركوزي «أكثر مما تحتمل» إذ إنه لم يوجه إنذارا لتركيا.
وكان ساركوزي قد دعا تركيا إلى «إعادة النظر في تاريخها» فيما يتعلق بعمليات القتل التي طالت مئات الآلاف من الأرمن تحت حكم السلطنة العثمانية، واصفا رفض أنقرة الاعتراف بعمليات القتل باعتبارها إبادة بأنه «أمر غير مقبول». وقال ساركوزي إن «تركيا، البلد الكبير، ستفتخر بإعادة النظر في تاريخها على غرار ما فعلت بلدان كبرى في العالم، كألمانيا وفرنسا. نزداد قوة عندما ننظر إلى تاريخنا، والتنكر للتاريخ ليس مقبولا». وقال الرئيس الفرنسي إنه إذا لم تبادر تركيا بـ«لافتة السلام» بالاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن فإنه سيدرس اقتراح تبني قانون في بلاده يجرم إنكار الإبادة، معربا عن أمله أن تتحرك تركيا قبل انتهاء ولايته. وكان ساركوزي قد أثار غضب تركيا قبل انتخابه عام 2007 بدعمه لقانون يهدف إلى مقاضاة الرافضين الاعتراف بتلك المجازر باعتبارها عملية إبادة جماعية.
وجاءت تصريحات ساركوزي أمس خلال جولة في القوقاز بدأت في أرمينيا وتشمل أيضا أذربيجان وجورجيا. وخلال انتقاله إلى تبليسي، أكد ساركوزي أمس التزام بلاده بوحدة أراضي جورجيا بعد الحرب التي شهدتها الدولة الواقعة في القوقاز مع جارتها روسيا عام 2008. وقال ساركوزي، الذي توسط في اتفاق لإنهاء الحرب التي استمرت خمسة أيام، إنه ملتزم بمبدأ «سيادة واستقلال ووحدة أراضي» جورجيا. وخلال كلمة ألقاها أمام عدة آلاف احتشدوا في ساحة الحرية بالعاصمة الجورجية دعا ساركوزي روسيا أيضا إلى احترام التزاماتها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار. وتتهم جورجيا روسيا بانتهاك الاتفاق لأنها لم تسحب قواتها لمواقع ما قبل الحرب واحتلت إقليمي ابخازيا وجنوب اوسيتيا الانفصاليين اللذين اعترفت بهما موسكو كبلدين مستقلين بعد نزاع صيف 2008.