تمويل محكمة الحريري يهدد بتفجير الحكومة اللبنانية

مصدر لـ «الشرق الأوسط»: المواجهة الفعلية في الأيام المقبلة ستكون بين ميقاتي وحزب الله

TT

يبدو أن ملف تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، تحول إلى صاعق يهدد بتفجير حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في أي لحظة، في ظل تمسك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومعه رئيس الجمهورية ميشال سليمان وفريق النائب وليد جنبلاط الوزاري، بالالتزام بالقرارات الدولية، ومنها المحكمة، في مقابل إصرار حزب الله ومعه حركة أمل، والنائب ميشال عون، على رفض البحث في التمويل قطعا. ويترافق ذلك مع تأكيد مصدر في المحكمة الدولية أن «لبنان ملزم بتسديد حصته من موازنة المحكمة، عملا بالاتفاقية التي وقعها مع الأمم المتحدة، وبقرار مجلس الأمن الدولي 1757، الذي أنشأ هذه المحكمة تحت الفصل السابع».

فقد أكد أمس مصدر سياسي مطلع وقريب من فريق الأكثرية الجديدة لـ«الشرق الأوسط» أن «موضوع تمويل المحكمة أحدث شرخا كبيرا داخل الفريق الحاكم سيظهر في الأيام المقبلة، فرئيسا الجمهورية والحكومة ومعهما جنبلاط ملتزمون بمسألة التمويل بالكامل، وفق تعهدات قطعها سليمان ميقاتي خلال مشاركتهما في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أواخر الشهر الماضي، خصوصا بعد التحذيرات التي تبلغاها من الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، حيال عدم إيفاء لبنان بالتزاماته، ومخاطر مثل هذا الأمر على لبنان، في مقابل إصرار حزب الله وحلفائه على رفض التمويل قطعا، باعتبار أن مجرد القبول بهذا الأمر هو إقرار منهم بشرعية المحكمة وقراراتها».

ويرى المصدر السياسي أن «المواجهة الفعلية في الأيام المقبلة ستكون بين ميقاتي وحزب الله، خصوصا أن كلا منهما أصبح ظهره على الحائط، وليس بإمكانه المناورة أو كسب المزيد من الوقت»، وقال: «الرئيس ميقاتي بات مقتنعا أن مسألة التمرد على قرارات الأمم المتحدة، هي أكبر بكثير من قدرة لبنان على تحملها، وهو (ميقاتي) لا يقبل مواجهة مع المجتمع الدولي من خلال حكومة يرأسها ومسؤول سياسيا ومعنويا عن قراراتها، لما سيكون لهذه القرارات من تداعيات خطرة على لبنان، ربما تبدأ بمحاصرته سياسيا وماليا واقتصاديا، لكن لا أحد يعرف إلى أين تصل وكيف تنتهي، في حين أن حزب الله لن يقبل أن يمول محكمة ويعطيها شرعية وهي تستهدفه مباشرة، عبر اتهام عدد من مسؤوليه وكوادره بالاغتيالات السياسية التي شهدها لبنان في السنوات الأخيرة».

ويوضح المصدر السياسي أن «مواجهة كهذه داخل الفريق الحاكم حاليا سيخرج منها كلا الطرفين خاسرا، فالرئيس ميقاتي الذي لا يملك مع سليمان وجنبلاط أكثرية وزارية تمكنهم من تمرير التمويل بالتصويت داخل الحكومة، سيكون أمام خيارين؛ الأول مرّ وهو الاستقالة والنأي بنفسه عن مواجهة داخلية وخارجية، ومعها يتخلص من الكثير من الألغام التي ينصبها أمامه حلفاؤه الحاليون، ومنها مثلا مطالب الاتحاد العمالي العام التعجيزية، أما الخيار الثاني وهو الأمرّ أن يجاري ميقاتي حزب الله في رفض التمويل، ويتحمل ربما وحده تبعات معركة داخلية قد تجهز على رصيده السياسي والشعبي خصوصا عند طائفته، وتضعه على اللائحة السوداء دوليا، مع ما لذلك من تأثير على مصالحه وأعماله التجارية والمالية في الخارج، وبالتالي فإنه سيلجأ إلى الخيار الأول، وهو الاستقالة»، بحسب المصدر.

وكان ميقاتي أطلق قبل يومين كلاما صريحا بهذا الخصوص، حيث أعلن أن «المحكمة الدولية مستمرة في عملها؛ سواء دفعنا أو لم ندفع مستحقات لبنان من تمويلها»، وقال: «إذا دفعنا نكون بذلك دفعنا الضرر عن لبنان، لأن الكثيرين يتربصون به وبالمقاومة، وبالتالي لا يجوز أبدا أن يعارض لبنان المجتمع الدولي في هذا الظرف بالذات».

وفي هذا الوقت، أعلن مصدر في المحكمة الدولية أن «الحكومة اللبنانية ملزمة بسداد حصة لبنان من موازنة المحكمة، عملا بالاتفاقية الموقعة بين الدولة اللبنانية والأمم المتحدة أولا، وعملا بقرار مجلس الأمن الدولي 1757 الصادر تحت الفصل السابع»، وأوضح المصدر لـ«الشرق الأوسط» أنه «في حال لم يتجاوب لبنان ويفي بالتزاماته يوجه رئيس المحكمة (القاضي أنطونيو كاسيزي) كتابا إلى السلطات اللبنانية يستفسر فيه عن امتناع لبنان عن سداد متوجباته، وفي حال أصرت الدولة اللبنانية على موقفها الرافض للتعاون، يوجه حينها رئيس المحكمة كتابا إلى الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) يبلغه بموقف لبنان النهائي، وعندها يعرض الأمر على مجلس الأمن الدولي الذي يقرر ما يجب أن يتخذه بهذا الصدد».

وردا على سؤال عما إذا كان استحقاق صعب ينتظر المحكمة في شهر مارس (آذار) المقبل، وما يمكن أن يكون عليه وضع هذه المحكمة إذا رفضت الحكومة اللبنانية تجديد الاتفاقية الخاصة بالمحكمة مع الأمم المتحدة، أجاب المصدر: «كل المعطيات تفيد بأن الدولة اللبنانية ماضية في تعاونها على الرغم من كل ما يحكى، بدليل أن رئيس الجمهورية (ميشال سليمان) ورئيس الحكومة (نجيب ميقاتي) ووزير العدل (شكيب قرطباوي) وقعوا منذ أيام قليلة قرارا بانتداب القاضيين اللبنانيين وليد العاكوم وميشلين بريدي إلى المحكمة (الدولية)، ولو لم يوافقوا على انتداب هذين القاضيين لكان ذلك فرصة لتعطيل عمل المحكمة ولو لفترة محددة». وذكّر بأن «هذه المحكمة أنشئت بقرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع، وهذا المجلس سيأخذ الخيار الذي يؤدي إلى تطبيق قراره واستمرارية سير العدالة».