«إرهاب» اليهود المتطرفين يتسع.. ويتخذ طابعا منظما

«فاتورة الحساب» تصل إلى مقدسات المسلمين والمسيحيين في إسرائيل.. وتهدد التعايش الهش

TT

لم يعد «إرهاب» المتطرفين اليهود مرتبطا بردات فعل انتقامية على إزالة بعض مواقع استيطانية عشوائية في الضفة الغربية أو عملية فلسطينية وحسب، لكنه أصبح «إرهابا منظما»، وراح يضرب في عمق إسرائيل نفسها ليطال مقدسات المسلمين والمسيحيين هناك، بعد أن ظل لسنوات مقتصرا على مقدسات المسلمين في الضفة الغربية.

وأمس، اقتحم متطرفون يهود مقبرة «الكازخانة» الإسلامية، في مدينة يافا، وحطموا شواهد القبور والقبور، وخطوا عليها شعارات عنصرية مسيئة للإسلام والعرب، من بينها عبارة «الموت للعرب»، و«فاتورة الحساب» في إشارة إلى الحملة المستمرة ضد الفلسطينيين.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل هاجم المتطرفون أنفسهم، المقبرة الأرثوذوكسية المسيحية القريبة، وحطموا بعض قبورها، وخطوا نفس الشعارات على واجهات القبور هناك.

وجاء ذلك بعد أقل من أسبوع على هجوم مماثل طال مسجدا في قرية «طوبا الزنغرية» العربية البدوية في الجليل، بإضرام النيران فيه، وهو ما قاد إلى احتجاجات كبيرة فجرت مواجهات بين العرب والشرطة الإسرائيلية، ووضعت العلاقة العربية الإسرائيلية على المحك مرة أخرى، وأثبتت هشاشة التعايش هناك. وكان المتطرفون اليهود كتبوا على المسجد العبارة الشهيرة نفسها: «فاتورة الحساب»، في إشارة إلى حملة منظمة تقودها الجماعات نفسها، هي نفسها التي هاجمت وتهاجم الآن مساجد في الضفة الغربية، وأراضي، وآبار مياه، وحقول زيتون في موسم قطفها.

ففي القدس أحرق مستوطنون، هذا الأسبوع، عشرات أشجار الزيتون وأراضي مزروعة بالقمح في شعفاط، وفي نابلس خربوا عشرات الدونمات من حقول الزيتون قرب بلدتي حوارة وعينبوس، وأعدموا عشرات الأشجار في حقول قرية مادما، وفي قرية دير استيا في محافظة سلفيت، أضرموا النار في أراضي زراعية، وهاجموا منازل في حي تل الرميدة بمدينة الخليل، وأشعلوا النار في مساحات واسعة من أراضي الزيتون في قريتي النبي صالح ودير نظام شمال غربي رام الله. ويأتي كل ذلك في وقت تستمر فيه محاولات اقتحام قرى فلسطينية ومهاجمة أهلها والاعتداء على مساجدها، في شمال وجنوب الضفة. فعلى الأقل أحرق المستوطنون حتى الآن ما يزيد على 7 مساجد خلال عامين، وفي كل مرة كان الفلسطينيون يستيقظون على عبارة «فاتورة الحساب» مكتوبة على بقايا جدران المساجد المحروقة. وعلى الرغم من أن المسؤولين الإسرائيليين أدانوا مثل هذه الأعمال، وقالوا إنهم يشعرون بالخزي منها، فإن أي تحرك جدي لم يسجل ضد هذه الجماعات، التي قال عنها جهاز المخابرات العامة «الشاباك» إنها أصبحت منظمة وسرية ويصعب اختراقها. غير أن تحرك هذه الجماعات في إسرائيل نفسها، واستهداف قاعدة للجيش في الضفة، أجبر المسؤولين على التحرك بشكل جدي أكثر بعدما شعروا أن إطلاق العنان لهؤلاء، أصبح يمس بالوضع الحساس للتعايش العربي - الإسرائيلي.

ودعت القيادات العربية أبناءها لأخذ الحيطة والحذر، واستنكر الشيخ إبراهيم صرصور، رئيس حزب الوحدة العربية (الحركة الإسلامية) ورئيس القائمة الموحدة والعربية للتغيير، استمرار الاعتداءات ضد المقدسات الإسلامية. وقال في رسالة وجهها لرئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، وللرئيس شيمعون بيريس، ووزير الأمن الداخلي، إيلي يشاي: «لم يخرج العرب والمسلمون في هذه البلاد من تحت تأثير صدمة الجريمة النكراء التي ارتكبها متطرفون يهود بحرق مسجد النور في قرية طوبا الزنغرية، حتى تحركت خفافيش المتطرفين اليهود مدعومين بقطاعات واسعة من الرأي العام الإسرائيلي، ومتمتعين بغطاء مباشر أو غير مباشر من أوساط رسمية وإعلامية وشعبية واسعة، لتضرب هذه المرة في مقبرة الكازخانة التاريخية في مدينة يافا، ودمرت الكثير من القبور، وانتهكت حرمة أخرى بكتابة شعارات نابية تدل على الحقد الدفين والكراهية العمياء التي امتلأت بها قلوب هذه المجموعات الحاقدة. لم أستغرب مجيء هذا العدوان على واحد من مقدسات المسلمين أياما قليلة بعد حرق مسجد طوبا الزنغرية، وهذا يحمل رسالة واضحة تفيد بأن هؤلاء الغوغاء ماضون في عدوانهم، وفي تنفيذ خططهم، خصوصا أنهم يشعرون بأمان أمام عجز الشرطة والأجهزة الأمنية، الذي يجعلنا نشك في إمكانية وقوع تواطؤ واضح بين الأطراف، إرضاء لقطعان المستوطنين الذين أصبحوا يشكلون دولة داخل الدولة، تسعى حكومة نتنياهو لإرضائهم بكل طريقة ممكنة، بما فيها السكوت الفعلي عن جرائمهم إلا من بيانات استنكار ليست أكثر من ضريبة كلامية، ومادة استهلاكية لامتصاص غضب العرب والمسلمين والعالم الحر».

ومع استمرار الهجمات على مقدسات إسلامية ومسيحية، حذرت السلطة الفلسطينية من نذر حرب دينية في المنطقة، بينما أبدى زعماء المستوطنين أنفسهم قلقهم إزاء المتشددين بين صفوفهم، وأعربوا عن مخاوفهم من أن تشوه أفعالهم صورة الاستيطان. وقال نفتالي بينيت، مدير مجلس المستوطنات في الضفة: «تمثل فاتورة الحساب أكبر ضرر لمستقبلنا.. نتكلم عن بضع مئات يعيشون أساسا في المنطقة الشمالية الغربية.. أطالب الشرطة باعتقالهم وإيداعهم السجن». وردت الشرطة، بالقول إنها شكلت قوة خاصة للتعامل مع منظمي هذه الحملة، وأعلنت أنها اعتقلت مشتبها فيه في قضية طوبا الزنغرية، بينما وجهت محكمة في القدس المحتلة، اتهامات لثلاثة مستوطنين بالتخطيط لإضرام النار في مسجد بالضفة.