«ودار الفلك» لسليمان البسام في بيروت قبل انتقالها إلى نيويورك

ثلاثة عروض كويتية تحدت الصعاب على مسرح «دوار الشمس»

مشهد من مسرحية «ودار الفلك»
TT

ليست كثيرة المسرحيات الكويتية التي تعرض في بيروت، لهذا كان خبر قدوم المخرج سليمان البسام مع فرقته لعرض مسرحيته «ودار الفلك»، في مسرح «دوار الشمس» - محط اهتمام عديدين لا بد كانوا قد قرأوا عن «شكسبيريات» البسام العربية، كما قدمها في عملين سابقين، هما «مؤتمر آل هاملت» و«ريتشارد الثالث: مأساة معربة»، واعتبروا أن العمل الثالث الذي يفترض أن يكون الأخير في هذه السلسلة ويحمل اسم «ودار الفلك»، يستحق أن يشاهد.

الحظ العاثر لم يتمكن من كسر إرادة المخرج الكويتي وفريق عمله.

فعلى الرغم من وفاة والدة الممثل الكويتي فيصل العميري، المشارك في الأداء، بعد وصوله إلى بيروت، واضطراره للمغادرة إلى وطنه قبل موعد الافتتاح بساعات، فإن البسام أصر على تدبر الأمر، ولم يؤجل الافتتاح سوى 24 ساعة، ليجد نفسه في مواجهة الجمهور اللبناني مع تعديلات قصيرة، لم تكن بالقليلة.

في النسخة الأصلية للمسرحية، يلعب سليمان البسام دور المخرج على الخشبة، كما هو في الحقيقة لكنه مخرج من نوع آخر، مدجن موال للسلطة، خاضع لأوامرها القمعية، ومعين لها لإخضاع الجمهور. هذا الدور أسند في بيروت للمخرج اللبناني روجيه عساف، ليقوم البسام بالدور الذي كان من المفترض أن يلعبه العميري لولا ظرفه الاستثنائي.

هذه الخلخلة لم تمنع المتفرج من متابعة عمل طموح، تجريبي وجريء، يدين السلطة في تكميمها للأفواه، ونحرها للحريات.

يفتتح روجيه عساف العرض ويتحدث عن مساوئ المسرح، مشيدا بقرارات السلطة إيقاف الأعمال المسرحية لأنها «تمس الوحدة الوطنية»، لا بل هو يثني على إحراق أحد المسارح. ممثلون عن هيئات حكومية مختلفة يلبسون المعاطف البيضاء يتم تعريفنا بهم واحدا بعد الآخر، وهم يصطفون في مقدمة المسرح، لكل منهم دوره في ضبط ما يجب أن يضبط، أثناء استعادة مسرحية قدمت في الستينات، وهي مسرحية محظورة، يعاد تركيبها لا للاحتفاء بها وإنما لإدانتها.

يستخدم المخرج لعبة المسرح داخل المسرح، بطريقته الخاصة. هناك مسرح بالفعل على الخشبة الرئيسية محاطة بممثلي الهيئات الرسمية الذين يتابعون التمثيل ويعلقون على الأداء والنص، حين يخرج عن حدود المسموح. بين الشخصيات الحاكم الهائم في حب ثريا المرأة الجميلة التي يريد أن يهبها 40 يوما من العوائد النفطية، والملا الذي يظهر بوجه ديني ويبطن غيره، وهناك الأخت والأخ اللذان تم التفريق بينهما والبحث ماض عن كل منهما بينما يلعب كل منهما دورا آخر على المسرح. ثمة تداخل وتشابك لصالح إبراز مجموعة من القضايا العزيزة على قلب البسام وربما كل مواطن عربي.

العمل سياسي، نقدي احتجاجي، وهو في الوقت ذاته يلجأ لأساليب أدائية مختلفة وممتزجة، بدأت كتابته قبل الثورات العربية، وكانت له غايات وهو يقارن بين عام 1963 وعام 2015 التي تجري فيها الأحداث بروح مستقبلية تعبر عن انسداد الأفق. لكن اندلاع الثورات بالسرعة والقوة التي شهدها العالم العربي، شجع البسام على تعديل العمل، لنرى في بعض المشاهد حضورا لروح البوعزيزي، بائع الخضار الذي يحرق نفسه، ونرى في النهاية سقوطا للديكتاتورية، إضافة إلى ملامح أخرى عديدة تشير إلى الحرية التي بدأ أفقها يتسع في العالم العربي.

وما بين الرغبة في قول كل المكبوت، والتعبير عند الغضب كما إضافة ما يلزم لتصبح المسرحية ابنة زمنها، ومواكبة لأحداث هائلة تدور حولها، بدا العمل طويلا يحتاج لشيء من الضغط والتكثيف، ولملمة الشمل، خاصة أن المخرج لا يتوقف عن التعديل والتشذيب، وإعادة النظر في أعماله، وهي ميزة ليست من شيم الكثيرين.

هذه المسرحية التي عرضت في الكويت، وحطت في لبنان، ستسافر الشهر المقبل إلى نيويورك ومن ثم بوسطن، وستقدم على مدار تسع ليال في المدينتين. وهذه ليست المرة الأولى التي يعرض فيها البسام خارج المنطقة العربية. فقد سبق له أن شارك في مهرجانات عالمية، ونال جوائز في القاهرة وأدنبره وديجون وطوكيو، وكذلك في بلده الكويت. وعمل سابقا لسنوات عديدة في بريطانيا مع فرقته الخاصة، قبل أن يقرر العودة إلى الكويت، متخذا من نصوص شكسبير وهو يفككها، طريقا لطرح هموم عربية محلية بصيغة مختلفة. وإذ يعتمد هذه المرة على نص مسرحية «الليلة الثانية عشرة لشكسبير»، فإنه يبقى لصيقا ببيئته حريصا على أن يتشارك مع جمهوره همومهم، مخرجا ومؤديا ومديرا لفرقته التي تضم حاليا ممثلين من عدة دول عربية، شاركوا معه تمثيلا، بينهم، كارول عبود، نوار يوسف، نقولا دانيال، نصار النصار، فايز قزق، أمل عمران.

قدم العرض بالعربية مع ترجمة فورية إلى الإنجليزية.