شقراء: الأهالي يعيدون إحياء تراثهم.. والبلدية تحد من الوفيات

«إدريسة» أول معلمة في «نجد» يخلد اسمها على مبنى مدرسي

تشهد محافظة شقراء جهودا كبيرة من ناحية إعادة إحياء المواقع التراثية فيها («الشرق الأوسط»)
TT

في تجربة فريدة تهدف إلى تحسين البيئة المرورية وتقليل حوادث السير، عمدت إحدى محافظات وسط السعودية إلى تعديل في هيكلية طرقها وشوارعها العامة، من خلال تحويل الإشارات الضوئية إلى دوارات مرورية، تزينها الأشكال التراثية، والتي تحاكي الثقافة المحلية للبلدة.

وأوضح المهندس محمد الزيد رئيس بلدية شقراء، والتي تقع إلى غرب العاصمة السعودية الرياض، أن نسبة الحوادث قلت بشكل كبير وملحوظ، إضافة إلى انخفاض نسب الوفيات من الحوادث المرورية، بعد أن تم تحويل جميع الإشارات الضوئية إلى الدوارات مرورية، والبالغ عددها 15 دوارا، وتم تشييدها بطرق هندسية مختلفة.

وأكد الزيد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» على أن تلك العملية تأتي ضمن تطوير المواقع السياحية والأثرية داخل المحافظة، مؤكدا ربط القرية القديمة بالمحافظة بعد تشكل ملامح المنازل القديمة بها، والتي خضعت لعدد من عمليات الترميم، والتأهيل لأجزاء كبيرة منها، فيما تتفرد المحافظة بأن جميع المباني التعليمية بالمحافظة حكومية وغير مستأجرة.

وتقع شقراء في وسط السعودية، وتتبع إداريا لإمارة منطقة الرياض، وتبعد عن العاصمة بمسافة تقدر بـ190 كلم شمالا، فيما تعد شقراء عاصمة إقليم الوشم، وقد كانت شقراء تاريخيا من أهم وأكبر حواضر إقليم الوشم في نجد، وما زالت حتى الوقت الراهن، ويحدها من الشمال محافظة الغاط ومن الجنوب مركز مرات ومن الشرق محافظة الغاط ومحافظة المجمعة ومحافظة ثادق ومن الغرب محافظة الدوادمي، ويبلغ تعداد سكانها ما يربو على 34 ألف نسمة، وتبلغ مساحتها ما يزيد على 4 آلاف كيلومتر مربع.

وبين الزيد أن بلدية شقراء قامت مؤخرا بتطوير عدد من المرافق السياحية والترفيهية داخل المحافظة ومنها متنزه الملك فهد، والذي أعيد افتتاحه بعد خضوعه لأعمال صيانة شملت جميع أجزاء الحديقة، بالإضافة إلى عمل بعض المسطحات الخضراء والممشى، مؤكدا على أن كافة أعمال الصيانة كانت بجهود ذاتية قامت بها البلدية.

وأفصح الزيد عن تشييد عدد آخر من المطلات والحدائق في المحافظة، لتهيئتها لتكون مقصدا سياحيا جاذبا، وليتوافق مع المواقع السياحية والأثرية، والتي يجري العمل بها حاليا، وتوقع أن ترتفع معها نسبة الزوار والسياح القادمين لشقراء.

وشدد المهندس محمد الزيد أن البلدية تعمل لتكون شقراء مكتملة الخدمات مع تهيئة المواقع السياحية، ومشيرا إلى أن البلدية قامت بإتمام عدد من التراخيص لمستثمرين بقطاع الإيواء لافتتاح شقق مفروشة وفندقية، مع طرح عدد آخر من الفرص الاستثمارية في ذات القطاع على المستثمرين، ومنها فندق خمس نجوم في وسط المحافظة.

وأبان الزيد عن أن هناك طلبات على هذه الفرص من قبل المستثمرين، بعد تنامي الطلب على هذا القطاع من قبل الزوار والسياح القادمين للمحافظة، وموضحا أن العمل جار في مشروع سياحي ضخم تتجاوز تكلفته 100 مليون ريال بالشراكة مع عدد من الشركات، لافتا إلى أنه تم الانتهاء من تصميم المخططات واعتمادها بتكلفة تصل إلى 15 مليون ريال، وتوقع الانتهاء من المشروع في الخمس سنوات المقبلة.

هذا وتعود تسمية شقراء نسبة إلى القارة والجبل الأشقر بالقرب منها، وسميت بذلك من لون هضابها حيث يغلب على تربه أرضها اللون الأشقر وامتزاج الرمال بالطين.

ومن جانبه أكد عجب العتيبي مدير مكتب الآثار بمحافظة شقراء أنه تم ترميم مقاصير الحميدية الثلاث وما بينها من سور بطول 550 مترا، بالإضافة إلى تسوية وترميم نقبة القرائن ومقصورة الجاسر وبقية السور الجنوبي من جهة الشرق، كما تم ترميم مقصورة السليمي، وكذلك مسجد الحسيني والمنحاة والسوابيط، وإعادة تأهيل مجلس البواريد والأجزاء المحيطة به ومنها الطرق المؤدية إليه، والعديد من المواقع الأثرية والقديمة بالمحافظة.

وأضاف العتيبي أن أبناء مدينة شقراء قام كل حسب تخصصه لدعم هذا المشروع سواء بالاستشارة أو التحقق من المعلومات التاريخية لتلك الأماكن، موضحا أن أهل شقراء يمتازون بتعلقهم وحبهم لتراث منطقتهم، لافتا إلى أن العديد منهم قد ساهم بالمال لعمل الترميمات وأعمال الصيانة لعدد من المواقع المشهورة بالمحافظة.

وأشار مدير مكتب الآثار والمتاحف بشقراء بأنه سيتم تشغيل الآبار القديمة المجاورة للسور الشرقي للمدينة لتكون رافدا مائيا هاما للسياحة الزراعية في المزارع المجاورة للبلدة التاريخية، كما تشمل إعادة بناء بعض الأسواق مثل سوق حليوة وسوق المجلس وسوق المجباب التي تظهر دور شقراء التجاري، وترميم الطرق والأحياء القديمة، وإنشاء متحف الآثار في بيت السبيعي الأثري.

وكانت بداية هذا العمل بتشكيل لجنة التراث بمدينة شقراء، والتي عملت من خلال التنسيق والتعاون مع الهيئة العامة للسياحة والآثار وبلدية المحافظة بالبدء بتنفيذ ترميم سور شقراء التاريخي، والذي يرجع تاريخه إلى عام 1232هـ، بينما السور الجديد يعود تاريخه إلى عام 1318هـ، وذلك في سبيل إبراز معالم المحافظة الأثرية، والقيم التاريخية للمساجد والمباني والبيوت والشوارع والأسواق والآبار القديمة، والتي تمثّل جزءا من تاريخ المدينة الاجتماعي والثقافي والاقتصادي.

إلى ذلك تضم البلدة التاريخية بين جنباتها أحد أقدم مدارس البنات بحاضرة نجد، وهي المدرسة المشهورة بمدرسة «المطوعة إدريسة»، والتي افتتحت عام 1345هـ، وكانت تعلم بها سارة بنت إدريس بن سليمان، المعروفة بين أهالي المحافظة باسم المطوعة إدريسة، وقام أهالي شقراء بتخليد ذكرى هذه المعلمة، بإطلاق اسمها على المدرسة، بعد أن تمت إعادة ترميم المدرسة، والتي تجاور مسجد البلدة.

وكانت المطوعة إدريسة (سارة بنت إدريس بن سليمان) قد نشأت في بيئة تعليمية خالصة، حيث تعلمت على يد جدتها لطيفة العبد اللطيف، أساسية القراءة والكتابة وحفظت القرآن الكريم على يد والدها، والذي كان يعطي دروسا لأبناء شقراء بمسجد البلدة، والذي تقع بالقرب منه مدرسة المطوعة إدريسة، فيما كانت ابنته «إدريسة» تقوم بتعليم بنات جنسها بالإضافة لصغار السن من الطلاب الذكور، من خلال تعليم «الكتاتيب» والذي كان سائدا آنذاك، وتخرج على يدها عدد كبير من طالبات العلم في شقراء، وقد تزوجت إدريسة من عبد الله محمد الطويل، وأنجبت له 11 ولدا توفوا جميعا في حياتها عدا واحد منهم، فيما توفيت المعلمة إدريسة عام 1398 هـ.