قادة «فلسطينيو 48» يتجهون للمطالبة بحماية دولية من الإرهاب اليهودي المنظم

بعد جرائم إحراق المسجد في الجليل وكتابة شعارات «الموت للعرب» في يافا

مستوطنون إسرائيليون منفلتون بينما يحرس ضباط شرطة الحدود المزارعين الفلسطينيين من قرية عويرته خارج مزارع أشجار الزيتون بالقرب من مدينة نابلس (رويترز)
TT

في أعقاب تكرار اعتداءات العنصرية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في إسرائيل، ينوي قادة الأحزاب الوطنية للمواطنين العرب (فلسطينيو 48) التوجه إلى الأمم المتحدة والدول الكبرى والاتحاد الأوروبي للمطالبة بحماية دولية من الإرهاب اليهودي المنظم.

وأكد عدد من هؤلاء القادة، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن الاعتداءات الإرهابية التي يقوم بها المتطرفون اليمينيون في إسرائيل ليست عملا فرديا من شخص أو مجموعة، بل هي ترجمة فعلية لسياسة الحكومة اليمينية بقيادة بنيامين نتنياهو، ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان، وغيرهما. فهذه السياسة بدأت بنشر أجواء عنصرية ضد العرب بواسطة التصريحات الدموية لعدد من الوزراء، في مقدمتهم ليبرمان، واستمرت في سلسلة من القوانين العنصرية الموجهة خصيصا لتقييد حرية التعبير للأحزاب العربية، ونهب الأرض، وترحيل عشرات الآلاف من عرب النقب، وانعكس تأثيرها على المواطنين في نتائج استطلاعات الرأي التي دلت على أن الغالبية الساحقة من المواطنين اليهود يطالبون بطمس حقوق العرب في الانتخاب والترشيح.

وكما قال النائب محمد بركة، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، فإن الحكومة مهدت الأرضية الخصبة لتطور العنصرية من الأقوال إلى الأفعال. وبغياب جهد حقيقي لمواجهتها من أجهزة الأمن والقيادة السياسية، التقط المتطرفون اليهود هذه الرسالة وحولوها إلى إرهاب منظم.

وكان نشطاء الإرهاب قد أحرقوا مسجد النور في قرية طوبا الزنغرية في الأسبوع الماضي، واعتقلت الشرطة أحد نشطاء اليمين المتطرف في مستوطنات الضفة الغربية للاشتباه بأنه منفذ الجريمة. وفي نهاية الأسبوع اكتشفت أعمال تخريب وشعارات مكتوبة باللغة العبرية على عدة قبور في مقبرة «كازاخانة» الإسلامية والمقبرة المسيحية الأرثوذكسية المجاورة في مدينة يافا. وقال أهالٍ في المدينة إن المجرمين حطموا شواهد وقبورا وكتبوا شعارات مسيئة للإسلام والمسيحية والعرب، من بينها «الموت للعرب». وفي جميع هذه الحالات ترك المجرمون بصمات يمينية واضحة، إذ كتبوا الجملة الشهيرة التي تستخدمها عادة عصابات المستوطنين الإرهابية «تسعيرة» «أو جني الثمن»، وهي العبارات نفسها التي يوقع بها منفذو جرائم إحراق المساجد في الضفة الغربية.

واكتشفت الجريمة في يافا أول من أمس، فأدرك المواطنون أن ما توقعوه قد حصل. ففي هذه المدينة العربية أقامت قيادة اليمين الاستيطاني بؤرة استيطان يهودية استفزازية بدعم مباشر من الحكومة. وحمل المستوطنون إليها تقاليد الإرهاب المنظم الذي استخدموه في الضفة الغربية تحت غطاء الاحتلال. وحظوا بدعم وتشجيع من الشرطة، التي تعتبر العرب لقمة سائغة وهدفا سهلا للاعتداءات. وفقط في مطلع الأسبوع الماضي نشر شريط مصور يبين كيف اعتدى رجال الشرطة على عائلة عربية يافاوية بشراسة ووحشية، بدعوى أنها «تجاوزت الحدود»، لأنها تسكن في بيت مهجور.

وخرج نحو 300 من المواطنين العرب ومعهم بضع عشرات من اليهود المتضامنين في يافا بمظاهرة ضد الاعتداء الإرهابي على المقبرتين، وضد العنف البوليسي بحق العائلة اليافاوية. وأصدر عضو الكنيست، دوف حنين، بيانا أدان فيه الجريمة، وقال: «هناك موجة قذرة وخطرة من الهجمات ضد العرب تزداد في هذه الأيام». وطالب بتغيير سلوك الشرطة تجاهها. وقال النائب جمال زحالقة، رئيس كتلة التجمع البرلمانية، الذي شارك بالمظاهرة، أمام المتظاهرين: «إن هذا الاعتداء هو عمل عنصري ووحشي. ولكننا لا نرى فيه فقط أولئك العنصريين الصغار الذين نفذوا العمل الجبان، إنما ننظر إلى آبائهم الروحيين في الحكومة الإسرائيلية، الذين لم يتوقفوا عن التحريض العنصري وعن التعبير عن الحقد ضد المواطنين العرب ومقدساتهم».

وأضاف زحالقة أن ما تقوم به الحكومة وفي كثير من الأحيان بدعم من القضاء «هو أخطر بكثير من استفزازات صغار العنصريين. فالحكومة الإسرائيلية استولت وبدعم من المحاكم على مقبرة طاسو الإسلامية على أساس مستند مزور. والآن هناك مشروع لبناء فندق ضخم على أراضي مقبرة القشلة، وسبق ذلك بناء الكثير من المشاريع الاستيطانية على أراضي المقابر العربية في محيط مدينة يافا، وقبل يومين صدر أمر هدم لجزء من مسجد البحر في يافا بحجة عدم استصدار ترخيص للترميم. من هنا فإن العمل الاستفزازي للعصابات المتطرفة اليهودية ينسجم بشكل تام مع السياسات الحكومة الرسمية، وقد تختلف الوسائل لكن الهدف واحد».

ولفت زحالقة إلى تساهل الحكومة، وتسامح القضاء وتقاعس الشرطة عن عشرات التصريحات والدعوات العنصرية التي يطلقها عدد من رجال الدين اليهود البارزين، وفي مقدمتهم الحاخام عوفاديا يوسيف، وحاخامات المستوطنين وحاخامات صفد، وتشكل إلهاما وتحفيزا على الفعل العنصري.

وتابع زحالقة: «لقد قلنا أكثر من مرة إن المسافة بين القول والفعل قصيرة جدا، فجريمة اليوم هي نتاج تحريض الأمس، وما الاعتداء على مسجد طوبا الزنغرية مؤخرا، والاعتداء اليوم على حرمة المقابر في يافا، والاعتداءات المتكررة على المواطنين العرب من قبل رجال شرطة ومتطرفين يهود، إلا نتاج التحريض العنصري المستشري».

من جهة ثانية استنكر المفتش العام للشرطة، يوحنان دانينو، هذه الأعمال وقال إنه يجب اجتثاثها من مكانها. ولكن مصادر في الشرطة ادعت، أمس، أن هناك احتمالا قويا لأن يكون الفاعلون مؤيدي إحدى فرق كرة القدم وليسوا مستوطنين من تنظيم متطرف. وفي الوقت نفسه أعلن أن «مجهولين» ألقوا زجاجة حارقة باتجاه كنيس يهودي في يافا، وأشارت الشرطة بإصبع الاتهام نحو شبان عرب انتقموا للاعتداء على المقبرتين والمسجد. ويخشى المواطنون العرب أن يكون هذا النشر محاولة لتشويش التحقيق وإغلاق الملف، حتى لا يسجل على إسرائيل كجريمة عنصرية.

وفي القاهرة أدان الدكتور على جمعة مفتي مصر بشدة ما قام به متطرفون يهود الليلة قبل الماضية باقتحام مقابر إسلامية وأخرى مسيحية في مدينة يافا الفلسطينية، في الوقت الذي حذر فيه مجمع البحوث الإسلامية من استمرار الهجمة الشرسة على كل فلسطين أرضا وشعبا ومقدسات. وأكد المجمع على أن الاعتداء على القبور «محرم» ويعد انتهاكا لحرمة أوجب الله تعالى حفظها وصيانتها والدفاع عنها.

وأكد مفتي مصر، أمس، أن ما قامت به وتقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلية والمستوطنون الإسرائيليون في الفترة الأخيرة، يكشف بوضوح النية المبيتة ضد المقدسات الإسلامية والمسيحية، ويتناقض كليا مع الادعاءات التي يتظاهر بها المسؤولون الإسرائيليون في وسائل الإعلام باحترامهم للمقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية.

وشدد الدكتور جمعة على أن هذا الاعتداء البغيض ترفضه جميع الأديان والأعراف والمواثيق الدولية، مؤكدا أن هذه الكلمات تدل على حالة العنصرية المتصاعدة والخطيرة داخل إسرائيل ودعم الحكومة الإسرائيلية لها.

وأضاف أن «مثل هذه الجرائم ينبغي أن لا تمر دون محاكمة مرتكبيها»، ودعا مفتي مصر الشعوب العربية والإسلامية حكاما ومحكومين إلى التحرك على جميع الأصعدة وبسرعة، والوقوف صفا واحدا لمواجهة الأطماع الإسرائيلية التاريخية المتجددة لتهويد القدس الشريف، ومواصلة سياسات الاستيطان الإسرائيلية، وطمسهم المعالم الإسلامية والمسيحية في طريقهم.

وناشد الدكتور جمعة الفصائل الفلسطينية خاصة لمواجهة هذا الخطر الداهم بالوحدة والتضامن الفعال، وطالب باتخاذ الإجراءات اللازمة داخليا وعربيا وإسلاميا ودوليا لمنع تكرار مثل هذه الجرائم غير الأخلاقية ضد الشعب الفلسطيني في بيوتهم ومقدساتهم.

من جانبه حذر الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف بالقاهرة من استمرار الهجمة الشرسة على كل فلسطين أرضا وشعبا ومقدسات».

وأكد أن الاعتداء على المقابر سواء بالنبش أو النقل «انتهاك حرمة أوجب الله تعالى حفظها وصيانتها والدفاع عنها»، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «إن الله تعالى جعل حرمة المسلم من أكبر الحرمات، وأوجبها صونا على المسلمين والمسلمات وغير المسلمين، وحرمة المسلم غير مقيدة بحياته، بل هي باقية في الحياة وبعد الممات ويجب صونها والبعد عن إلحاق الضرر بها».